منذ دخول «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» إلى ساحة الأحداث الجارية في سورية انقسمت الآراء حولهما وحول دورهما لدى الشباب السوريين المعارضين لنظام بشار الأسد. وتعمق هذا الانقسام في الآراء مع تطور دور هذين التنظيمين في الساحة السورية، وانتقلت الآراء المختلفة مع الشباب السوريين إلى البلدان التي قصدوها لاجئين كلبنان وتركيا والأردن وغيرها. ما بدا مطلع الثورة السورية للبعض توجهاً غالباً نحو الدولة المدنية والأفكار العلمانية لم يعد كذلك مع مرور الوقت وازدياد حدة القمع وارتفاع معدلات الطائفية، وصارت تصرفات وتجاوزات «جبهة النصرة» وقبلها تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) محل نقاش وأخذ ورد لدى الشباب السوري المعارض بعد أن كان الرفض موقفاً غالباً تجاه هذه التصرفات، ومع انقضاء الأيام أصبح، حتى الشباب السوري المعارض والعلماني في مأزق فكري -إن صح التعبير- تجاه ما يجري في سورية، فهو الذي يرفض فكر هذين التنظيمين وأعمالهما يتردد في التعامل مع الأخبار التي تفيد بسقوط مراكز عسكرية مهمة للنظام أمام هذين التنظيمين، مثلما جرى من سقوط لمقر الفرقة 17 في الرقة ومطار الطبقة العسكري أمام هجمات «داعش» قبل أسابيع، وسيطرة «جبهة النصرة» على معسكري وادي الضيف والحامدية في إدلب أخيراً. حمم القذائف والبراميل المتفجرة التي كانت تنطلق عبر المدافع والطائرات من هذه الثكنات لتنصب موتاً ودماراً على المدنيين المقيمين في المناطق المجاورة، بالإضافة إلى التنكيل والإهانة التي يتعرض لها من تضطرهم الظروف إلى سلوك طرقات تقطعها حواجز تحيط بهذه المعسكرات في بعض الحالات، كلها أمور جعلت من الصعب على الشباب السوري المعارض أن لا يفرح بالنتيجة الإيجابية الناتجة من هذا الحدث، على رغم حدوثه بواسطة تنظيمات لا يتفق معها لا فكرياً ولا عملياً. ثائر الحسين الآتي من مدينة الرقة إلى لبنان هرباً من ملاحقة أجهزة أمن نظام الأسد له جراء نشاطه المعارض قبل سيطرة «داعش» على المدينة لا ينكر سعادته بسقوط مقر الفرقة 17 ومطار الطبقة على رغم أن «داعش» قتلت أقرباء له في الرقة، ويقول: «كيف لي ألا أكون سعيداً والناس ارتاحت من خوف القصف والموت؟؟»، مؤكداً في الوقت نفسه كراهيته الشديدة لـ «داعش»، وأن الباقين من أقربائه وأصدقائه في الرقة وجوارها يعرفون كيف يتقون شرها ويتعايشوا مع وجودها ولو موقتاً، بينما يستحيل البقاء والاستمرار مع ما كان من قصف قوات النظام برأيه. الشاب الذي يتابع دراسة الأدب العربي في الجامعة اللبنانية لا ينفك يذكر في معرض حديثه بأن «اللي ايدو بالمي مو متل اللي ايدو بالنار»، معتبراً أن عليه وأمثاله ممن خرجوا من سورية أن يقدروا ظروف أهلهم في الداخل ويتفهموا مدى صعوبة حياتهم مع محاولات النظام اليومية لتحويل حياتهم إلى جحيم. هناك من يتوقف عند أمر آخر من الأمور المتعلقة بحدث سقوط مراكز النظام العسكرية على يد هذين التنظيمين، مثل سالم بيرقدار الذي يبلغ السادسة والعشرين من عمره والمقيم في طرابلس بعد خروجه من سورية هرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية في صفوف جيش النظام السوري، إذ يتأسف على «الطريقة الوحشية والدعائية» التي تعامل فيها تنظيم «داعش» مع من أسرهم في الموقعين المذكورين، فهو وإن كان يرفض الخدمة العسكرية في سورية والأعمال التي يقوم بها الجيش بحق المدنيين ويصفها بالجرائم إلا أن لحياة الأسير والمستسلم حرمة لا يجوز أن تنتهك، «فلا القانون الدولي ولا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولا الشريعة الإسلامية تبيح قتل الأسير على هذا النحو»، مؤكداً في السياق عينه أنه لا يمكن الحديث في الوقت الحالي عن أي محاكمات صحيحة وعادلة من أي طرف في سورية، وهو وضع يؤسف له، خاتماً كلامه بوصف موقفه من سقوط معسكرات النظام في يد تنظيمات مشابه «بموقف المنفصم» فهو لا يمكن أن يستاء من توقف القصف على المدنيين من قبل جيش النظام، ولا يمكن أن يسر بقتل الجنود الأسرى «على هذا النحو الهمجي». الحروب، خاصة الأهلية منها تضع المعنيين بها في مواقف تتطلب أحكاماً ومواقف أخلاقية دقيقة وصعبة قد تقارب المستحيل أحياناً، هذا هو رأي سيرين طبال الشابة السورية التي تحترف الرقص التعبيري في بيروت، وهي تعبر عن نفسها بالقول: «لا موقف لي صراحة من الأمر، لم أتجرأ على اتخاذ موقف حتى داخلي غير معلن»، وتفضل ألا تفكر في الأمر كثيراً نظراً إلى تعقيده وشدة صعوبته، معتبرة أن الاعتراف بالعجز عن اتخاذ موقف الاستسلام أفضل لديها من موقف غير مناسب. وتتمنى أن تؤول كل الأمور الحاصلة والتي ستحصل إلى خير الشعب السوري، متخوفةً في الوقت عينه من تحول الشعب من ديكتاتورية نظام الأسد إلى ديكتاتورية أنظمة ثيوقراطية بدائية. بين النظام وقواته التي تقصف وتقتل وتعتقل وتنكل من جهة، والتنظيمات المتطرفة كـ «داعش» و«جبهة النصرة» وفصائل مسلحة أخرى تحارب النظام وتذبح وتصلب وتفرض بالقوة فكراً شديد التطرف، يقف الشباب السوري المعارض بوعي يبدو كافياً بمساوئ الطرفين، يسر بالإيجابيات العرضية لما يحدث من دون أن يفقد حذره من التطرف ورفضه للتنظيمات التكفيرية، آملاً بفسحة تتيح له المشاركة يوماً في بناء سورية التي يحلم بها حيث هناك مكان لجميع مكونات الشعب السوري.
مشاركة :