فرص التقارب المصري - التركي

  • 1/5/2015
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

في مقابل التدهور الحاصل في العلاقات المصرية - التركية منذ عزل الرئيس محمد مرسي والتصريحات الساخنة والمتعاقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي يرفض فيها الاعتراف بالنظام المصري الجديد، ويتهمه بارتكاب «انتهاكات» بحق معارضيه، كانت بوادر التقارب المصري القطري، وإغلاق قناة «الجزيرة مباشر» التي طالما ساهمت في تسخين الجبهة الداخلية في مصر، وتوسيع الخلاف بين الفرقاء السياسيين. تحريك المياه الراكدة في العلاقة بين القاهرة والدوحة، والتطور الذي أحدثته زيارة ممثل أمير قطر ثم رئيس الاستخبارات التركية إلى القاهرة لاستعادة الثقة المفقودة وترتيب الأوراق شكل عبئاً إضافياً على تركيا القلقة في علاقاتها الإقليمية والدولية. كانت العلاقة بين أنقرة والقاهرة بلغت الذروة بعد تولي محمد مرسي الرئاسة، ولعبت تركيا دوراً في التأثير على توجهات السياسة المصرية في تلك الفترة، وأصبحت أنقرة نموذجاً منشوداً لجماعات الإسلام السياسي التي أبدى قادتها الجدد الرغبة في اللحاق بقطار «العلمانية المؤمنة» الذي يقوده رجب طيب أردوغان تمهيداً لاستعادة إرث دولة الخلافة. وإذا كان أردوغان ما زال مصراً على مرحلة الشحن مع القاهرة، ورفض أي تهدئة تساهم في تقليص الأزمة مع مصر، فإن ما حدث بعد نجاح السعودية في تقريب الرؤى المصرية القطرية، ناهيك عن قمة محتملة بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والشيخ تميم بن حمد برعاية سعودية، يبدو بالنسبة إلى أردوغان مختلفاً عن كل ما حدث طوال الشهور التي خلت. لكن رغم ضبابية المشهد، فإن بوادر انفراج الأزمة بين مصر وتركيا تبدو طور التكوين، وثمة دلائل تغذي هذا التوجه، وإن ظل غائماً أو يدار من وراء ستار، أولها أن التقارب مع قطر قد يلعب دوراً مؤثراً في الالتفاف على التوتر المصري التركي، وربما تلعب قطر دوراً مؤثراً في دفع العلاقات قدماً، وتدلل على ذلك تصريحات الشيخ تميم خلال زيارته أنقرة في 18 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، التي قال فيها وفق صحيفة «زمان» التركية: «لا مفر أمام تركيا من تحسين العلاقات مع مصر ورئيسها عبد الفتاح السيسي». وترتبط الدلالة الثانية ببروز توجهات نخبوية مناهضة لمواقف الرئيس أردوغان بشأن العلاقة مع القاهرة، وكان بارزاً هنا حديث وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي الذي قال: «سنطلب في المرحلة المقبلة تعزيز علاقاتنا مع القاهرة في مجالات التجارة والاقتصاد والاستثمار والتصدير»، وأضاف «الشعب المصري شعب عريق وموجود منذ آلاف السنين، وتركيا أيضاً دولة قديمة، ونحن لا نتوقع أن تستمر العلاقة السلبية بين البلدين طويلاً». من جهة أخرى، قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في كلمته أمام المنتدى الاقتصادي العالمي قبل أسابيع: «تركيا تولي اهتماماً شديداً بمصر لأنها العمود الفقري للمنطقة، ونتمنى أن تكون أكبر شريك استراتيجي لتركيا خلال الفترة المقبلة». لم تقتصر التصريحات التي تدعو إلى تهدئة التوتر مع القاهرة على داود أوغلو ووزير الاقتصاد، ففي 22 كانون الأول الماضي دعا بولنت أرنج، نائب رئيس الوزراء التركي والرجل القوي في حزب «العدالة والتنمية»، إلى إعادة صوغ العلاقة مع القاهرة، وقال: «قد تكون مصر هي التي يجب أن تقدم على خطوة أولاً، لكن علينا تحقيق ذلك». وراء ذلك، فإن قطاعاً معتبراً من المعارضة التركية، وفي الصدارة منها حزب «الشعب الجمهوري» وحزب «الحركة القومية»، ثاني أكبر القوى السياسية، وجه انتقادات لاذعة لسياسة أردوغان تجاه القاهرة، إلا أن أردوغان غض الطرف عن قراءة اتجاهات المعارضة التركية التي رأت ضرورة التجاوب مع الحدث المصري في 30 حزيران (يونيو) 2013. المهم أن هذه التصريحات الداعية للتصالح مع القاهرة تكشف عن رغبة تصالحية في دائرة صنع القرار التركي، لا سيما في ظل نجاح القاهرة في إعادة تركيب علاقاتها الإقليمية والدولية طوال الشهور التي خلت، بما يخدم مصالحها ويعزز وجودها الإقليمي في المنطقة، بينما تنخفض المناعة الإقليمية لتركيا بعد خسارتها القطاع الأوسع من الدائرة الخليجية، ناهيك عن التوتر المكتوم مع إيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب تباين الرؤى والمصالح بشأن حل الأزمة في سورية والتعامل مع «داعش»، الخليط من التنظيم الإرهابي والجيش التقليدي، ففي الوقت الذي تدعو أنقرة إلى إسقاط الأسد وتدعم تنظيم «الدولة الإسلامية» في سورية والعراق، تعتمد القوى الإقليمية والدولية الحل التدريجي تجاه نظام الأسد، وتسابق الزمن لقص جذور «داعش». على الضفة الأخرى، لم تغلق القاهرة الباب أمام أي جهود لتسوية التوتر مع أنقرة، إذ يرغب النظام الجديد في مصر في تحسين علاقاته الإقليمية، وكان بارزاً هنا رفض السيسي الرد على مهاترات أردوغان، ودعوته إلى العلو عن الموقف. في المقابل، للقاهرة مصلحة في تعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع تركيا، بالنظر إلى حجم الاستثمارات التركية في مصر، إذ هناك ما يقارب أربعمئة شركة تركية تعمل في مجال المنسوجات وصناعة الجلود والأحذية والأجهزة المنزلية، وتوفر عدداً معتبراً من فرص العمل، ناهيك عن أن السوق المصرية باتت نافذة مهمة للمنتجات التركية. في هذا السياق العام، وعلى رغم أن العلاقات المصرية التركية تبدو مأزومة ولا أفق قريباً للحل في ظل استضافة تركيا لبعض قادة جماعة «الإخوان» المرحّلين من قطر، فضلاً عن مسعى لتدشين قنوات إعلامية عوضاً عن إغلاق «الجزيرة مباشر مصر»، إلا أن ثمة عوامل قد تدفع تركيا في المستقبل إلى مراجعة علاقاتها مع القاهرة، منها الضغوط الدولية على أنقرة في ظل اتهامها بدعم التنظيمات الراديكالية في سورية والعراق. ناهيك عن توتر العلاقة مع واشنطن بعد تصريحات نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، التي أثارت غضب أنقرة، وأيضاً قلق العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. إلى ذلك يواجه أردوغان تحديات داخلية وخارجية غير مسبوقة، فبينما تشحذ الدولة التركية قوتها لمواجهة خطر تنظيم «داعش» وإسقاط نظام الأسد، تخوض معركة ضد جماعة فتح الله غولن التي يتهمها أردوغان بتأسيس كيان مواز للدولة، كما يواجه أردوغان حملة انتقادات دولية واسعة بسبب انحرافه مرة أخرى بتركيا إلى السلطوية في ظل عنف الشرطة المفرط ضد المتظاهرين، والقيود المفروضة على الصحافة والإنترنت. أضف إلى ذلك النجاحات النسبية التي حققها النظام المصري على الأقل خارجياً. صحيح أن الاحتقانات المجتمعية والاستقطاب السياسي وتباطؤ معدلات النمو وتفاقم أزمة البطالة ما زالت تمثل عقبة كبرى أمام انطلاقة النظام في مصر، إلا أن دخول القاهرة على خط الأزمات الإقليمية واستعادتها مفاتيح القضية الفلسطينية، إضافة الى تقاربها مع دول الخليج والتهدئة مع قطر، ربما تجعل أنقرة أكثر حرصاً على التفكير في مراجعات وتراجعات بشأن علاقاتها مع القاهرة. والأرجح أن أردوغان، الرئيس البراغماتي الذي دشن تحالفاً استراتيجياً مع روسيا، الداعم الرئيسي للأسد، والدولة التي تضطهد المسلمين في القوقاز والشيشان، قد يجد نفسه عاجلاً أو آجلاً مدفوعاً للتقارب مع القاهرة في ظل عدم فعالية عمليات التعبئة في الشارع المصري، وجاهزية النظام للتعامل معها. وإذا كان التوتر ما زال العنوان الأبرز في العلاقة بين أنقرة والقاهرة، إلا أن قراءة ما بين السطور والتداعيات الإقليمية الجديدة قد تدفع العاصمتين إلى التقارب، أو على الأقل قطع خطوات على صعيد التهدئة، فما يجمعهما يبدو أكبر مما يفرقهما، ولعل ذلك ما دفع وزير الاستثمار المصري إلى الإعلان أخيراً أن بلاده لم تفرض أي قيود على الاستثمارات التركية والقطرية في مصر، مؤكداً أن الاستثمار بعيد تماماً من الخلافات السياسية. خلاصة القول أن التقارب المصري القطري ومن ورائه التصريحات الرسمية الحذرة من الجانبين، تكشف عن رغبة في إصلاح ما أفسدته احتجاجات الربيع العربي بين القاهرة وأنقرة، وإذا كان أردوغان يسعى لتجاوز نصائح قطاع معتبر في حكومة «العدالة والتنمية» ويصم أذنيه عن نصائح معارضيه بشأن التقارب مع القاهرة، فإن براغماتيته ومعرفته بقواعد اللعبة قد تعيدانه إلى الصواب بشأن العلاقة مع مصر الرسمية، التي يمكنها إزعاج الكيان التركي بالكثير من الأوراق، من بينها توثيق العلاقة أكثر مع قبرص واليونان، وتسخين قضية مذابح الأرمن التي تقض مضاجع تركيا، وغيرها من الأوراق التي تمس المصالح التركية، ومن بينها الوجود التركي في أفريقيا. * كاتب مصري

مشاركة :