كيف نصنع العدوّ

  • 10/9/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يشير أمبرتو إيكو إلى أنه كان ذات مرة في نيويورك، وفي سيّارة التاكسي التي كانت تقلّه إلى مكان ما، سأله سائقها الباكستاني ”من هم أعداء الإيطاليين؟ وأيّ شعوب تحاربون معها؟”. ويقول إيكو إن ذلك السؤال هو الذي حرضه على تأليف كتابه ”صناعة العدو”. ويضيف قائلا إنه يمكن القول إن إيطاليا لم يعد لها منذ نهاية الحرب الكونية الثانية أعداء بالمعنى الحقيقي للكلمة. لكن على المستوى الداخلي هناك صراعات بين قوى بسبب التعارض القائم بين مصالحها. فالمافيا ضدّ الدولة المركزيّة. وأثرياء الشمال ضدّ فقراء الجنوب. والليبراليّون ضدّ الفاشيين الجدد. غير أن التاريخ يقدّم أدلّة قاطعة على أن الوحدة الإيطالية لم يكتب لها النجاح إلا بفضل حروب مع أعداء خارجيين، نمساويين تحديدا. وعندما انهار ما كان يسمّى بالاتحاد السوفييتي، وجدت الولايات المتحدة الأميركيّة نفسها في حيرة من أمرها بسبب احتياجها إلى من يتشرف بتعويض “إمبراطورية الشر”. ولم ينقذها من تلك الحيرة غير ظهور “القاعدة” بزعامة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. ويرى إيكو أنه أمر مهمّ أن يكون لنا عدوّ لتحديد هويّتنا، ولكن أيضا لمواجهة العقبات، وتبيّن مدى صحّة وقوّة نظام قيمنا، وإظهار شجاعتنا. لهذا حتى وإن لم يكن لنا عدوّ فإنه يتحتّم علينا صناعته. ونحن نجد في الآداب القديمة أمثلة عن كيفيّة “صناعة العدو”، فقد كان اليونانيون يحتقرون كل الشعوب التي لا تتكلم لغتهم، ويتعاملون معها كأجناس منحطة، غير جديرة بالحياة أصلا. وحدد الروماني تاسيتوس مقاييس لأعدائه اليهود قائلا ”عندهم -أي اليهود- كل ما هو محرّم عندهم هو مقدّس عندنا، وكلّ ما هو شرعيّ عندهم هو عندنا فظيع، وممنوع منعا باتا”. ويصف مبعوث الإمبراطور الجرماني أوتوالأول (القرن العاشر) الإمبراطور البيزنطي نقفور على النحو التالي “إنه كائن مشوّه الخلقة. وهو شبيه بقزم له رأس سمين وعينان صغيرتان تجعله شبيها بالخلد. وأما خصلات شعره الطويلة والغزيرة فتجعله شبيها بالخنزير. ويحيل لون بشرته إلى لون بشرة إثيوبي لا نرغب في لقائه في الليلة الدهماء. وله بطن كبير، ومؤخرتان نحيلتان، وفخذان طويلان غير متناسقين مع قامته، وساقان قصيرتان، وهو يرتدي ثوبا من الحرير لكن بسبب كثرة الاستعمال اليومي، بهت لونه وبات منفرا يميل لونه إلى الاصفرار“. وعندما تأسست الدول القوميّة في أوروبا، أصبح البريطانيّون يصفون أعداءهم الفرنسيين بـ”أكلة الضفادع”. وكان الألمان يسخرون من الإيطاليين بسبب إقبالهم على استهلاك كميات كبيرة من الثوم. ثمّ تغيّرت الصورة ليصبح العدو ذلك الذي يجاهر باختلافه سواء في اللباس، أو في التفكير، أو في السلوك. وفي الولايات المتحدة الأميركية أصبح الزنجي عدوا بالنسبة إلى الأبيض. وهو دائما متهم بجريمة ما، ودائما مذنب. وقد يقاد إلى الكرسي الكهربائي رغم أنه لم يرتكب الجريمة المنسوبة إليه. وهذا ما تعكسه العديد من الروايات والأفلام. وفي عين الأبيض العنصري، يكون الزنجي دائما قبيحا، ووسخا، ونتن الرائحة، وفاحشا في سلوكه، وفي لغته، وهو مثال للنذالة في أبشع صورها. وفي القديم كانت القبائل العربية تتقاتل وتتناحر. وكل واحدة منها تحاول بشتى الطرق والوسائل الحط من قيمة غريمتها بنعت رجالها بانعدام الشرف، وبالجبن والبخل حتى أن الأبناء يطلبون من أمهم البول على النار حالما يشاهدون غريبا يقترب من خيمتهم. ويصف الفرنسيون كل عمل فاسد ورديء ومبتذل بـ”العربي” للإشارة إلى أن من قام به عربي يكون من شمال أفريقيا تحديدا. وكان الكاتب الإسرائيلي يوسف عجنون الحائز على جائزة نوبل للآداب يصف العرب بأقبح الأوصاف. فهم أنذال ولصوص وقتلة وأكلة ثعابين، والغدر والكذب متأصلان في نفوسهم. وأما العرب فيعتبرون اليهود خبثاء ومتآمرين وأشرارا وجشعين ومحتالين. ومن أجل مصالحهم هم لا يترددون في سحق كل من يحاول عرقلتهم أو النيل منهم.

مشاركة :