نفايات «تسونامي».. كائنات حية غريبة

  • 10/10/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد: محمد هاني عطوي تعد الأنواع الغازية واحدة من الأخطار الرئيسية، التي تهدد التنوع البيولوجي العالمي؛ فعندما تتمكن من كسر المسافات أو الحواجز الجغرافية؛ فإنها تعمل على تجانس وتفقر النظم الإيكولوجية الأصلية، وتؤثر أيضاً في الأنشطة البشرية؛ مثل: صيد الأسماك أو تربية الأحياء المائية.بعد أن اجتاح تسونامي 2011 اليابان، نقل الآلاف من الكائنات الحية إلى أمريكا؛ حيث يمكن لها أن تترسخ وتستقر مؤثرة بذلك على التنوع الحيوي هناك. ولا شك أننا كلنا نتذكر، ذلك الحدث الذي ضرب اليابان في 11 مارس/‏آذار 2011، حين دمر تسونامي الهائل، الساحل الشمالي الشرقي لليابان. في ذلك الوقت، كان اهتمام العالم كله منصباً على المأساة الإنسانية، التي خلّفها ذلك الحدث الرهيب، الذي راح ضحيته حوالي 20 ألف نسمة فضلاً عن الكارثة النووية، التي وقعت في فوكوشيما، حينها لم يكن أحد مهتماً بالعواقب، التي يمكن أن تظهر ذات يوم جرّاء ملايين الأطنان من البنية التحتية والأشياء التي حملت إلى المحيط؛ بسبب تلك الأمواج العالية، التي بلغ ارتفاعها في بعض الأماكن 38 متراً، وقد استمر الكثير من ذلك الحطام الذي يعادل 1.5 مليون طن من المواد في الطفو فوق المحيط الهادئ، مدفوعاً بتياراته القوية؛ مثل: بقايا السفن الكبيرة، والقوارب، وشباك الصيد، والعوامات، والفخاخ، ويمكن القول إن هذه القطع الساحلية نقلت الكائنات البحرية، التي كانت تؤويها. والنتيجة؟ الواقع أن العلماء يشهدون حالياً على الجانب الآخر من المحيط الهادئ، على أكبر رسو لأنواع غريبة من الكائنات لم يشهدها التاريخ في كل العصور! اكتشف علماء الأحياء هذه المشكلة؛ عندما وجدت قطعة من رصيف ميناء الصيد في ميساوا المدمر على الشاطئ في ولاية أوريجون في 5 يونيو/‏حزيران 2012. هذه القطعة البالغ طولها 20 متراً كانت مغطاة بالآلاف من الكائنات الحية، التي تنتمي ل 80 نوعاً مختلفاً ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف عمليات الرسو حتى عام 2017، وسوف تستمر لفترة طويلة.وقام فريق من الباحثين الأمريكيين باحتساب حوالي 289 نوعاً يابانياً رست على شواطئ ألاسكا وكندا وعلى كل الساحل الغربي للولايات المتحدة؛ منها: الطحالب والرخويات والقشريات والأسماك، التي وبعد رحلة طويلة، يمكنها الاستقرار في هذه القارة الجديدة. الخبراء لا يخفون قلقهم: فهذا الوصول الهائل يهدد بزعزعة جميع النظم الإيكولوجية المائية في القارة الأمريكية. تقول جيسيكا ميلر، أخصائية الأحياء البحرية في جامعة ولاية أوريجون: على حد علمنا، لم يعرف في التاريخ هذا النقل الهائل للأنواع، وعلى هذه المسافات الطويلة. وكانت الباحثة قد شاركت في تحليل الحطام منذ خمس سنوات، بمساعدة مئات من الخبراء الأمريكيين واليابانيين. ويقول فيليب جولتكر، الباحث في التنوع البيولوجي البحري في إفريمر: اعلموا أن الأرقام المقدمة تتوافق مع جميع الأنواع الغريبة، التي تم جردها منذ القرن الحادي عشر على السواحل الفرنسية؛ وعندما نعلم أن مئات الأنواع حدث لها هذا في آن واحد، يزداد قلقنا؛ ما يدل على أنها أزمة كبيرة للتنوع البيولوجي!. من جهته، يقول جيمس كارلتون، المتخصص في الكائنات البيولوجية البحرية: لا توجد مقارنة حقيقية فمنذ عام 1869، تمثل قناة السويس ممراً مهماً للنظم الإيكولوجية بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط؛ لكن الأمر استغرق عقوداً؛ ولذا فإن عبور ذراع بحرية لا يعد استثنائياً بالنسبة لنبتة أو حيوان، وهذه هي الطريقة التي استعمرت فيها جميع الجزر على هذا الكوكب؛ وذلك عن طريق جذوع الأشجار وحجارة الخفاف وشجر جوز الهند أو الأعشاب البحرية، بهذه الطريقة تصل الأنواع الحية تقريباً وتسافر إلى مسافات قصيرة؛ لكن في حالتنا، نجد أن مئات الأنواع عبرت في نفس الوقت أكبر المحيطات في العالم، أي قطعت حوالي 7000 كم على الأقل. ويبدو أنه من الصعب على البعض تصديق هذه الحكاية؛ لكن تقول جيسيكا ميلر: لقد فوجئنا حقاً بأن نرى بعد أكثر من خمس سنوات سفراً في البحر، أنواعاً ساحلية في حالة جيدة وقادرة على التكاثر. وحتى الآن، لم تتوقع أي دراسة بيولوجية هذه المرونة في الانتقال. فكيف تمكنت هذه الكائنات من السباحة والحصول على الغذاء في بيئة ساحلية قليلة العمق، وهل تمكنت من النجاة وهي في وسط المحيط الهادئ؛ حيث العالم مختلف تماماً عليها ؟ ويقول جيمس كارلتون: إن فهم هذه الآليات الفسيولوجية يفتح مجالاً جديداً للبحث. وربما أدت عدة عوامل إلى تسهيل هذا الإنجاز غير المسبوق. ويقول فيليب جولتكر: إن نفايات تسونامي كبيرة جداً؛ فهي قطع حقيقية من النظم الإيكولوجية، التي تمكنت من التحرك في تكتل واحد، وهذا ما ساعدها في البقاء على قيد الحياة. أما جيسيكا ميلر فتقول: لقد رصدنا قبالة كاليفورنيا، أسماكاً يابانية حوصرت في قارب مع كائنات أخرى، التي ربما تغذت عليها. العنصر الآخر الذي لفت نظر الباحثين هو المقاومة الكبيرة للمواد الاصطناعية الحديثة في البحر؛ مثل: البلاستيك أو الألياف الزجاجية، وهي مقاومة أكبر بكثير من المواد الطبيعية، التي حملتها موجات المد تسونامي إلى أعالي البحار منذ فجر التاريخ. وبعد الرجوع إلى الأرشيفات والتحقق، لم يجد الباحثون أي شيء معين على السواحل الأمريكية بعد وقوع موجات المد تسونامي السابقة في عام 1896 و1933، التي اجتاحت المباني الخشبية شمال شرقي اليابان، ولكن ماذا عنها الآن ؟ حتى الآن، لم يكتشف علماء الأحياء أي دليل على أن الأنواع الحية اليابانية انتشرت أو غزت أو استقرت في المياه البحرية الأمريكية؛ لكن التهديد يعد حقيقياً؛ لأن الظروف المناخية الجديدة، التي تواجهها هذه الكائنات على هذا الساحل من المحيط، لا تختلف كثيراً عن تلك التي كانت تعرفها في مكانها الأصلي، إضافة إلى ذلك، فإن بقايا السفن المحطمة منخفضة السرعة التي لا تزال تطوف فوق مياه المحيط؛ تسمح للكائنات بالتأقلم.

مشاركة :