انتصارك بأي ثمن.. ليس انتصاراً

  • 1/6/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

جميع البشر يلعبون لتحقيق الغلبة والفوز، وليس الربح والمكسب (كما نعتقد).. شعورنا الطفولي بضرورة الفوز بأي لعبة -بصرف النظر عن الأرباح والخسارة- يستمر معنا حين نصبح كباراً دون أن ندري.. تخطئ حين تعتقد أننا نتفاوض دائما لربح المال وليس السيطرة وفرض الرأي.. تعلمت ذلك من خلال رؤيتي لأشخاص يتفاوضون على مبالغ تافهة، أو يلغون صفقات مهمة لمجرد منع الطرف الآخر من فرض رؤيته الخاصة، وحتى حين نضمن الفوز والغلبة يتملكنا هاجس فقد زمام اللعبة - ولهذا السبب يغضب الزوج حين تتجاوزه زوجته، ويحقد مدير القسم حين لا تعترف بصلاحياته!! وشعورنا البدائي بضرورة الفوز والاستحواذ يحدث حتى على مستوى الأمم والأوطان.. تأمل مقدار السعادة التي تحصل عليها شعوب العالم من فوزها ببطولات رياضية لا مكاسب مادية وراءها.. اسأل نفسك ماذا تستفيد الدول من صراعها مثلا على "كأس العالم"؟.. ماذا تستفيد جماهير برشلونة أو الهلال والاتحاد من تحقيق "بطولة الدوري"؟.. لا مكاسب مادية حقيقة هنا، بل مجرد إحساس بالغلبة والتفوق - تماماً مثلما كنا أطفالا نسعد لمجرد الفوز ونبكي لمجرد الخسارة!. هذا مايحدث أيضا في عالم الحروب والسياسة.. فالأمم تتصارع (ليس فقط بسبب الاقتصاد والثروة) بل لتحقيق الانتصار والتفوق على الشعوب الأخرى.. تذكر مشاعر الغبطة والسرور التي كانت تنتابك حين تقرأ أو تشاهد خرائط الفتوحات الإسلامية بزمن الأمويين أو العباسيين.. فرغم أنه تاريخ مضيء، ورغم أنه لا مكاسب شخصية أو اقتصادية هنا (ولا حتى مكاسب دينية بدليل فتحنا لأسبانيا دون أن ينتشر فيها الإسلام، وعدم فتحنا لإندونيسيا وأفريقيا ومع هذا انتشر فيها الإسلام) إلا أنك تشعر بالسرور لمجرد عودتك لزمن الغلبة والتفوق والانتصار على بقية الأمم. وفي الزمن الحديث يمكننا طرح نفس السؤال؟ ماذا كسبت أمريكا من احتلال اليابان وكوريا وفيتنام والعراق وأفغانستان؟ ما الحكمة من نزيفها المستمر جراء التسلح والتمترس وبناء تسعين قاعدة حول العالم؟.. حين تتأمل النتائج بحيادية تكتشف أن أمريكا خسرت المليارات جراء حروب خارجية، ولم تعد منها بغير جثث جنودها المتوفين (في حين ظلت الثروات وآبار النفط لأهلها).. تكتشف أن الدافع العميق هو مجرد شعور بالغلبة والفوز والتفوق -على المستوى السياسي والشعبي- لا يختلف كثيراً عن مشاعر الانتصار التي تعقب مباريات البيسبول وكرة السلة!! مشكلة الجنس البشري هي مشكلة الأعرابي الذي قال "لنا الصدارة دون العالمين أو القبر".. نتنافس على الصدارة ونعتبر أنفسنا منتصرين حتى حين نخسر بنسبة 99% (مقارنة بالطرف الآخر).. خذ كمثال روسيا التي خسرت أربعين مليون إنسان في الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك اعتبرت نفسها منتصرة لمجرد دخولها برلين ورفع علمها فوق البرلمان الألماني، وخذ كمثال آخر فيتنام الشمالية التي خسرت عشرين ضعف الجيش الأمريكي، ومع ذلك اعتبرها العالم منتصرة لمجرد دخولها سايغون وانسحاب الأمريكان بطائرات الهليكوبتر! المتأمل لمعادلات الفوز والخسارة يدرك أن حياتنا مثل لعبة الشطرنج؛ نضحي بالقطع المهمة كي ننتصر في النهاية.. وحتى على المستوى الشخصي؛ انتصارك (بأي ثمن) ليس انتصارا كاملا، وإصرارك الدائم على قهر الآخرين مجرد تصرف طفولي قديم!! .. حاول أن تسترخي أكثر.

مشاركة :