بيروت: كارولين عاكوم اتخذت الدولة اللبنانية قرارها باستعادة السيطرة الأمنية على الضاحية الجنوبية في بيروت، معقل حزب الله، من خلال نشر مئات العناصر الأمنيين، في منطقة نفوذه التي تحولت إلى «مربع أمني» كبير، بفعل تدابير «الأمن الذاتي» التي اتخذها، تحديدا بعد تفجير «الرويس»، منتصف الشهر الماضي، وأدى إلى سقوط 30 قتيلا ومئات الجرحى. وكان وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل كشف قبل يومين أنه «وقع على قرار استدعاء 2000 عنصر من احتياط قوى الأمن الداخلي لتعزيز جهوزية هذه القوى في مهام حفظ الأمن والنظام». وأشار إلى أن «الأجهزة الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام ستبدأ في مطلع الأسبوع المقبل انتشارها في الضاحية الجنوبية للمحافظة على الأمن وتبديد هواجس وتوجس بعض المواطنين»، مؤكدا أن «الأمن الذاتي مرفوض». ومن المقرر أن يدخل القرار حيز التنفيذ غدا (الاثنين)، على خلفية انتقادات كثيرة طالت ممارسات عناصر الحزب على الحواجز المنتشرة على مداخل الضاحية وفي أحيائها، وأدت في بعض الأحيان إلى مواجهات بينهم وبين المواطنين. وأكد وزير الداخلية اللبناني مروان شربل لـ«الشرق الأوسط»، أمس، أنه «من المفترض أن يؤدي انتشار القوى الأمنية اللبنانية إلى إنهاء أي وجود مدني على الحواجز»، معتبرا أنه «بمجرد أن تتسلم القوى الأمنية مهمتها ستنكفئ كل العناصر الحزبية الأخرى»، في إشارة إلى عناصر حزب الله. وأكد شربل أنه «بعد اليوم لن يكون هناك أي وجود لـ(الأمن الذاتي)»، معتبرا أن «حزب الله كان يؤدي المهمة عندما كانت الدولة عاجزة عن ذلك، أما اليوم وقد اتخذ هذا القرار فالقوى الأمنية ستقوم بدورها». ووصف «الأمن الذاتي» بـ«الخطر على لبنان»، الذي سيؤدي إلى فتنة مذهبية وطائفية إذا استمر في الضاحية أو في أي منطقة لبنانية أخرى. وفي حين نفى شربل في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» التنسيق مع حزب الله بشأن تنفيذ الخطة الأمنية في الضاحية الجنوبية، باعتبار أنه «لا لزوم للتباحث مع أي جهة حزبية في هذا الأمر»، أكد النائب المنضوي في كتلة حزب الله كامل الرفاعي لـ«الشرق الأوسط» أن «لقاءات عدة جرت بين وزيري الداخلية والدفاع في حكومة تصريف الأعمال فايز غصن من جهة، ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا من جهة أخرى، أدت إلى الاتفاق على أن تتسلم القوى الأمنية الحواجز من عناصر حزب الله على مداخل الضاحية لتنظيم الدخول إلى الضاحية وتفتيش السيارات. وأشار إلى أن «الحزب كان طالب مرات عدة القوى الأمنية بالقيام بواجباتها في حفظ أمن الناس». وأشار الرفاعي إلى أن «هناك ما بين 800 و1200 عنصر من القوى الأمنية جاهزون لهذه المهمة»، وقال إن من شأنها أن «تريح حزب الله وترفع عنه الضغط الأمني والنفسي لا سيما بعد الانتقادات التي وجهت إليه من أطراف عدة»، معتبرا أن «هذا القرار قد يساهم في التخفيف عن المواطنين الذين قد يجدون أنفسهم مرتاحين أكثر في التعامل مع القوى الأمنية». وتمنى الرفاعي أن «تساهم هذه الإجراءات الجديدة في تخفيف الاحتقان بين اللبنانيين، ومن حدة الخطابات السياسية المتشنجة التي لن تؤدي إلا إلى الخلافات والصدامات»، مؤكدا أن حزب الله على «كامل الاستعداد للتعاون وتقديم المساعدة إذا تطلب الأمر». ولن يكون لعناصر حزب الله، وفق الرفاعي، «أي تواجد بعد غد على الأرض، وستكتفي بالمراقبة من بعيد، على أن تسحب الأجهزة التي استخدمها حزب الله خلال الفترة الماضية للكشف على السيارات، ووضعها في المخازن». وقال الرفاعي إن «الحزب لن يتأخر عن تقديمها إلى القوى الأمنية إذا احتاجت إليها». والأمر نفسه ينطبق بحسب الرفاعي على الكاميرات المنتشرة في بعض مناطق الضاحية، مؤكدا أنها «لا تمس بأمن المواطنين، ويقتصر وجودها، كما في المناطق الأخرى، في محيط المباني التي يوجد فيها أمنيون ومسؤولون في حزب الله، وبالتأكيد مستعدون لتقديمها للقوى الأمنية في حال وقوع أي حدث أمني». وكانت ظاهرة «الأمن الذاتي» اجتاحت الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، خلال الشهر الماضي، ولاقت انتقادات عدة، ولا سيما من قبل فريق «14 آذار»، الذي اتهم حزب الله بإنشاء «دويلة» داخل الدولة، خصوصا أن وجود القوى الأمنية في هذه المنطقة كان شبه معدوم، حتى قبل وقوع التفجير، في حين كان يتولى المهمة عناصر حزب الله الأمنية. وعلى الرغم من التخوف من تكرار التفجيرات التي استهدفت الضاحية في الشهرين الأخيرين، أدت تدابير «الأمن الذاتي» إلى تذمر «أهل البيت»، بحيث بات سكان الضاحية الذين ينتمون في معظمهم إلى الطائفة الشيعية وهم من النازحين إليها من مناطق البقاع والجنوب خلال الثمانينات نتيجة الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى أبناء المنطقة المحليين، يهربون منها إلى مناطق مجاورة. ووصل التذمر بالبعض، نتيجة زحام السير والخضوع لتفتيش دقيق، إلى حد عرض منازلهم للبيع أو الإيجار، قاصدين مناطق أخرى في جبل لبنان والجنوب. وسجلت خلال الأسابيع الأخيرة صدامات بين عناصر الحزب الموجودين على الحواجز والمواطنين، على خلفية تفتيش السيارات والتدقيق في الهويات، وقد أدت، الأسبوع الماضي، إلى توقيف صحافي يعمل في المكتب الإعلامي التابع لـ«حركة أمل»، والاعتداء على صحافية متدربة، إضافة إلى مقتل فلسطيني وإصابة آخرين في اشتباك مسلح، في محيط مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين، أحد مداخل الضاحية، بعد إصرار عناصر الحزب على تفتيش سيارات موكب لعرس أثناء مروره على الحاجز. وفضلا عن الهواجس من التفجيرات والأحداث الأمنية، فإن حضور الدولة الأمني بات ضرورة في منطقة الضاحية، بعد تكرار إشكالات مسلحة بين عائلات وعشائر، خارجة عن سلطة حزب الله الذي بدا عاجزا عن السيطرة عليها، وآخرها الاشتباكات بين عائلتي «حجولا» و«زعيتر»، وأوقعت عددا من القتلى والجرحى. كما سبقها العام الماضي تمرد عائلة «المقداد»، التي أطلقت من قلب الضاحية الجنوبية «الجناح العسكري» التابع لها، إثر اعتقال أحد أبنائها في سوريا، على أيدي مجموعة قالت إنها تابعة لـ«الجيش السوري الحر»، ومن ثم اعتقال هذا الجناح سوريين انتقاما. وكانت «محاولة أمنية» مشابهة للخطة الجديدة، قد أطلقت في الضاحية الجنوبية عام 2009 من قبل حزب الله بالتعاون مع الأجهزة المعنية، حملت عنوان «النظام من الإيمان»، وهدفت بشكل رئيس إلى الاهتمام بأمن الناس من خلال إعانة القوى الأمنية على القيام بدورياتها، لمكافحة الجريمة والنشل وسرقة السيارات وانتشار الحبوب المخدرة، ومنع التعديات، لكن نتائجها لم تكن طويلة الأمد، وعادت هذه الظواهر لتجتاح الضاحية، مما اضطر أمين عام حزب الله حسن نصر الله، إلى التطرق إليها والتحذير من تداعياتها في إحدى إطلالاته.
مشاركة :