ساعد الانتعاش في أسعار النفط العالمية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، على التعافي من التباطؤ الاقتصادي، الذي واجهها على مدى ثلاث سنوات مضت، ودفعها لإدخال العديد من الإصلاحات المالية للحد من عجز الموازنة، كإدخال ضريبة القيمة المضافة في وقت سابق من العام 2018، وخفض إعانات للطاقة. ويتوقع صندوق النقد الدولي زيادة نمو اقتصاد المملكة العربية السعودية على خلفية ارتفاع إنتاج النفط. ورفع الصندوق، في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، توقعاته للنمو الاقتصادي في السعودية، أكبر اقتصاد في المنطقة، والدول المجاورة الغنية بالنفط في الخليج. وقال الصندوق، أمس الثلاثاء، إن الاقتصاد السعودي، الذي انكمش بنسبة 0.9٪ في العام 2017، من المتوقع أن ينمو بنسبة 2.2% في 2018 وبنسبة 2.4% في العام 2019، مما يرفع التوقعات السابقة بنسبة 0.5%. وتعد تلك هي المرة الثالثة التي يرفع بها الصندوق توقعاته للنمو السعودي خلال العام 2018، بعد أن سبق وتوقع نسبة نمو 1.7% ثم رفعها إلى 1.9% خلال الأسابيع القليلة الماضية. ويعزى الارتفاع في التوقعات إلى انتقال المملكة إلى النشاط الاقتصادي غير النفطي وزيادة متوقعة في إنتاج النفط، فضلًا عن استفادة السعودية من ارتفاع أسعار النفط التي تمثل نحو 80% من دخل السعودية، علمًا بأن الأسعار ارتفعت بأكثر من 70% منذ يونيو 2017، لتسجل مستوى 85 دولارًا للبرميل في الوقت الحالي. وجاءت توقعات الصندوق بزيادة نمو الاقتصاد السعودي، مُغايرة تمامًا لتوقعات الصندوق للنمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث خفض الصندوق بشكل حاد توقعات النمو لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا برمتها بسبب تراجع الاقتصاد الإيراني وزيادة تكاليف الطاقة. وتوقع الصندوق انكماش الاقتصاد الإيراني خلال العامين القادمين بسبب انخفاض إنتاج النفط، قبل العودة إلى النمو الإيجابي المتواضع في الفترة 2020-23. ولم تقتصر تلك النظرة الإيجابية للاقتصادي السعودي على توقعات الصندوق، فقد أكدت وكالة "ستاندرد آند بورز " للتصنيف الائتماني هي الأخرى، في تقرير لها الأسبوع الماضي، على التصنيف الائتماني للمملكة على تصنيفها "A- / A-2" على القروض السيادية الأجنبية والعملة المحلية في السعودية على المدى الطويل والقصير، والذي يتمتع بنظرة مستقبلية مستقرة، وقالت الوكالة إن التوقعات المستقرة تستند إلى التوقعات بأن النمو الاقتصادي المعتدل سيستمر حتى نهاية عام 2021، مدعومًا بزيادة الاستثمارات الحكومية. وأشارت "ستاندرد آند بورز" إلى عدم توقعها حدوث انحراف كبير عن المستويات المستهدفة الرسمية للمالية العامة السعودية، موضحه أن الزيادة في نفقات الموازنة في المملكة يقابلها زيادة في الإيرادات. وكانت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس"، التي تتخذ من لندن مقرًا لها، توقعت، الأسبوع الماضي، ارتفاع إيرادات السعودية والخمس دول الخليجية الأخرى بمقدار 200 مليار دولار خلال 2018، مقارنة مع عام 2017 بسبب ارتفاع أسعار النفط والإنتاج. كذلك تخطط السعودية لزيادة الإنفاق العام بأكثر مما كان متوقعًا، ليصل الإنفاق العام إلى 1.106 تريليون ريال (295 مليار دولار) في 2019 بزيادة 100 مليار ريال عما توقعته الحكومة خلال العام 2017، وذلك في خطوة من شأنها تحفيز النمو الاقتصادي بعد صراع دام لنحو ثلاث سنوات مع تباطؤ اقتصادي عقب انهيار أسعار النفط الخام في عام 2014. وقال ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، الأسبوع الماضي، إن إحدى فوائد زيادة الإنفاق الحكومي هو أن معدل البطالة الذي أصبح الآن الأعلى في أكثر من عشر سنوات عند 12.9%، سيبدأ في التراجع العام المقبل؛ حيث تسمح أسعار النفط المرتفعة بمزيد من الإنفاق الحكومي. وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، إن "الكثير من النمو الاقتصادي المتوقع في العام المقبل ستقوده صناعة النفط"، وسط توقعات بزيادة الطلب على النفط السعودي مع تقلص المعروض من النفط الإيراني تأثرًا بالعقوبات الأمريكية ضدها. وتواصل المملكة جهودها في تنفيذ خطة طموحة لتقليل اعتماد الاقتصاد على النفط، وخلق فرص العمل للمواطنين السعوديين، وإصلاح التعليم المحلي وسوق العمل ودمج الميزانية، أملًا في تحقيق زيادة الاستقرار المالي في أسرع وقت ممكن. وفي مقابلة مع بلومبرغ، أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان جهود المملكة، ليتجاوز الاستثمار العام السعودي هدفه بزيادة أصوله إلى 600 مليار دولار بحلول عام 2020، كجزء من خطته لتقليص اعتماد الاقتصاد على النفط. ومن بين الإصلاحات التي طبقتها المملكة بالفعل، كجزء من استراتيجية التحول الاقتصادي وفق رؤية 2030، إدخال ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في يناير 2018، والتغييرات بعيدة المدى في أسواق رأس المال، وسن تشريع جديد للإفلاس لدعم إعادة هيكلة الشركات المالية.
مشاركة :