بينما العالم يتظاهر لمواجهة تغيّر المناخ مطالبات عربية بالماء والكهرباء وحل مشكلة النفايات

  • 10/11/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

دفع العطش وندرة المياه مدناً مغربية إلى الخروج في مظاهرات تطالب بإيجاد حل لهذه الأزمة المتّسعة نتيجة تراجع معدلات تساقط الأمطار والاستنزاف المتزايد للمياه الجوفية. وكانت آخر المسيرات الاحتجاجية في مدينة تالسينت، عندما نفّذ أبناء المدينة إضراباً عاماً تسبب في شلّها بشكل تام، فيما شهدت شوارعها مسيرات صاخبة شارك فيها النساء والرجال والأطفال والشباب، وهم يقرعون على عبوات بلاستيكية فارغة وأوان منزلية. وفيما تظهر الاحتجاجات على أنها محلية تقتصر على مناطق محددة في جنوب شرقي البلاد، فإن ما يحصل في المغرب يدق جرس الإنذار لما يمكن أن تشهده بلدان عربية كثيرة نتيجة تصاعد حدّة المشاكل البيئية المرتبطة بمحدودية الموارد الطبيعية وتغيّر المناخ والتلوث بجميع أشكاله، وما يتصل بها من ضعف في التنمية واتّساع البطالة وانتشار الفقر. احتجاجات عابرة للمحاصصات وفق تقرير «البيئة العربية في عشر سنين»، الصادر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) في 2017، تراجعت حصة المواطن العربي السنوية من المياه العذبة المتاحة بنسبة 20 في المئة، من 990 متراً مكعباً في 2005 إلى 800 متر مكعب في 2015. وللمقارنة، فإن الحصة العالمية للشخص في السنة تساوي نحو عشرة أضعاف المعدل العربي. ويقع 16 بلداً عربياً حالياً دون خط الفقر المائي، بينما 13 منها ضمن البلدان العشرين الأفقر في العالم. وفي حال استمر النمو السكاني على ما هو عليه الآن، فمن المتوقع في سنة 2030 أن تكون العراق وجزر القمر وموريتانيا وربما السودان هي البلدان العربية الوحيدة الباقية فوق خط الفقر المائي. وللمفارقة، فإن بلداً مثل العراق، غني بموارده المائية السطحية، تشهد بعض مناطقه مظاهرات واحتجاجات على صلة بندرة المياه وتلوثها. حتى تاريخ 18 أيلول (سبتمبر) 2018، سجّلت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في محافظة البصرة ارتفاع حالات التسمم نتيجة تلوث مياه الشرب، التي تجاوزت 70 ألف حالة. وتعاني هذه المحافظة الغنية بالثروات الطبيعية من مشاكل جمّة في البنية التحتية، بخاصة ما يتعلق بتوفير المياه والكهرباء. وكانت شكاوى أهل البصرة تصاعدت من زيادة ملوحة المياه، بخاصة بعد أن حولت إيران مجرى نهر كارون الذي تصب فيه المنصرفات الملوثة، فوصلت إلى شط العرب وتسربت إلى شبكة المياه العامة في البصرة لتجعلها غير صالحة للاستخدام، فضلاً عن انخفاض منسوب مياه نهري دجلة والفرات، وتوقّف محطة التحلية الرئيسية في المدينة، حيث بات شراء المياه العذبة الصالحة للاستخدام عبئاً مادياً كبيراً على الأهالي. ومما فاقم المشكلة انقطاع التيار الكهربائي ساعات طويلة، بخاصة في فصل الصيف الشديد الحرارة، على رغم أن المدينة تضم محطات توليد الكهرباء الكبرى في العراق، ويساهم إنتاجها في أكثر من 95 في المئة من عائدات البلاد النفطية. هذه المشاكل البيئية الخطيرة، إلى جانب الفقر الذي يرزح تحته نصف السكان وغياب التنمية الحقيقية واتّساع البطالة بين الجامعيين، دفعت أهل البصرة للمطالبة بتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل. وتحولت هذه المطالبات إلى حركات احتجاجية، بدأت في تموز (يوليو) 2018 وأخذت تنتشر في بقية المحافظات الجنوبية، وسط ترقب حذر من وصولها إلى بغداد. وارتفعت حدة المظاهرات في أيلول (سبتمبر)، وتحولت إلى مواجهات في أكثر من مكان أدت إلى وقوع ضحايا بين المتظاهرين وحصول تعديات، ثم تراجعت لتصبح اعتصامات متفرقة ومحاولات لقطع الطرقات، مع مخاوف من اشتعال الوضع مجدداً. أهمية الحركة الاحتجاجية في محافظات الجنوب في أنها بعيدة عن الحسابات السياسية واللعبة الطائفية في العراق، ولديها أسبابها الحقيقية والمنطقية للاستمرار ورفع سقف المطالبات. وهي في ذلك تشبه الحركة الاحتجاجية التي شهدها لبنان في صيف 2015 بسبب تراكم النفايات في شوارع بيروت وعجز السياسيين عن معالجة الأزمة. وعلى رغم أن مظاهرات «طلعت ريحتكم» في بيروت لم تصل في أغلب مراحلها إلى حالة الصدام العنيف، كما جرى في البصرة، إلا أنها تجاوزت إلى حد ما مسألة الاصطفاف السياسي، ونددت بالفساد المستشري بين أفراد الطبقة الحاكمة. وكانت أزمة النفايات في لبنان تصاعدت بعد انتهاء العقد الموقع مع الشركة المكلّفة بجمعها ومعالجتها في منطقة بيروت وجبل لبنان، من دون تكليف شركة أو شركات جديدة للقيام بهذه المهمة. وتزامن توقّف ترحيل النفايات مع إغلاق مطمر «الناعمة»، ما تسبب في تراكم النفايات في الشوارع وما يسببه ذلك من تهديد للصحة والسلامة العامة وتشويه للمنظر الحضاري، في عاصمة بلد يقوم جزء كبير من اقتصاده على السياحة. الحركة الاحتجاجية اللبنانية، التي رفعت سقف طلباتها منادية بإسقاط الحكومة، استمرت لأشهر عدة ثم تراجعت بعد تسلل التجاذبات السياسية إليها، على رغم تأييدها ظاهرياً من مجمل الأطراف اللبنانية. وكان للحلول الموقتة التي تبنتها الحكومة اللبنانية، بما فيها إعادة فتح مطمر الناعمة وترحيل النفايات إلى مطمر بالقرب من مطار بيروت، دور حاسم في إنهاء هذه الاحتجاجات. لكن يبدو أن الحلول الموقتة ستستمر طويلاً في لبنان. فالبلاد تحتوي أكثر من 150 مكب نفايات عشوائياً، كما أن موقع التخلص الحالي بالقرب من المطار يهدد سلامة الملاحة الجوية، ولا توجد خطوات فعلية نحو معالجة النفايات والتخلص منها بشكل سليم. ولطالما كانت النفايات بعيدة عن الأنظار، لا يتوقع أن تشهد بيروت حراكاً شبيهاً باحتجاجات 2015، وستبقى المظاهرات محدودة كما حصل في نهاية آب (أغسطس) 2018 عندما نزل إلى الشارع بضع مئات من الأشخاص معارضين طروحات الحكومة في إقامة محارق للنفايات. احتجاجات تنذر بالأسوأ تستطيع قواعد اللعبة السياسية في لبنان احتواء جميع أشكال التظاهر مهما بلغت حدّتها، وهذه الميزة غير موجودة في بقية البلدان العربية. في الأردن، على سبيل المثال، تجددت الدعوات إلى تنظيم احتجاجات على قانون ضريبة الدخل المعدّل الذي تعتزم الحكومة إرساله إلى مجلس النواب للنظر في إقراره. وكانت تحركات مطلبية جرت خلال النصف الأول من 2018، وتسببت خلال حزيران (يونيو) باستقالة الحكومة السابقة، وتجميد الزيادة في أسعار عدد من المواد، وسحب مشروع قانون ضريبة الدخل الذي أُعد تنفيذاً لسياسات أوصى بها صندوق النقد الدولي. وتواجه البلاد أزمة اقتصادية عميقة، ظاهرها أزمة مالية تتجلى في فرض ضرائب إضافية ورفع الدعم الحكومي عن الخبز والوقود وزيادة تكاليف المعيشة، وجوهرها تباطؤ التنمية وضعف الإنتاج لأسباب عدة، في طليعتها المشاكل الإقليمية، وما أنتجته من أزمة لجوء وتراجع في التصدير وتوقف واردات الغاز المصري وضغوط اقتصادية سياسية، إلى جانب انتشار البطالة وارتفاع الدين العام وانخفاض عوائد الإنتاج الزراعي نتيجة إغلاق الحدود البرية مع سورية واتساع وطأة الجفاف الذي تشهده المنطقة منذ أكثر من عشر سنوات. ويعدّ الأردن من بين البلدان الأكثر عرضةً لأخطار تغيّر المناخ في الشرق الأوسط، وهو يعاني أصلاً من ندرة المياه الصالحة للزراعة والشرب ومحدودية الموارد الطبيعية والاقتصادية. ووفق ما صرّح به الملك عبدالله الثاني لـ «الحياة» في حزيران (يونيو) 2013 «يتحمل الأردن عبئاً هائلاً يتمثل في الضغط على البنية التحتية والموارد الطبيعية، بخاصة المياه والطاقة. والأهم الصدمات التي يتسبب بها تدفق اللاجئين للاقتصاد الوطني، مثل التشوهات في سوق العمل ومزاحمة الأردنيين على المتوافر من الفرص، فضلاً عن التعليم والرعاية الصحية». وكان تحقيق نشرته مجلة «البيئة والتنمية» في عدد آذار (مارس) 2014 تحت عنوان «سورية الجفاف والسنوات العجاف: الأسباب البيئية للنزاع» حذّر من فقدان الاستقرار الاجتماعي والسياسي في بعض بلدان المنطقة نتيجة تراكم مجموعة من المخاطر التنموية والبيئية. وإلى جانب سورية والأردن، شمل التحذير العراق «الذي تتطور أزماته إلى صراع مسلح»، وإيران التي تعاني بشكل خاص من مشاكل عميقة ترتبط بالتغيّر المناخي، لا سيما ما يتصل بانخفاض منسوب المياه الجوفية وجفاف البحيرات الطبيعية والتصحر، إلى درجة جعلت وزير الزراعة الإيراني السابق عيسى قلانطري يصرّح بأن «مشكلة المياه التي تتهددنا هي أكثر خطورة من إسرائيل والولايات المتحدة والنزاعات السياسية، إنها مسألة بقاء الأمة، فأرض إيران تصبح غير صالحة للسكن». الاحتجاجات الإيرانية، التي بدأت مع نهاية العام الماضي ولاتزال مستمرة بشكل متفرّق حتى الآن، تتشابه في أسبابها مع الاحتجاجات في الأردن والعراق. فالبلاد تشهد موجة جفاف حادة أثّرت بشكل كبير في إنتاجية الأراضي الزراعية وقلّصت فرص العمل، وانعكس ذلك على الاقتصاد الوطني الذي يعتمد على عوائد تصدير النفط المرتهنة بالضغوط والتجاذبات السياسية. كل ذلك أدخل الإيرانيين في حلقة مفرغة من الغلاء والبطالة وارتفاع الضرائب، من دون وجود خطط فاعلة لتحقيق تنمية شاملة في البلاد. احتجاجات واستقالات ولئن كانت الاحتجاجات في العالم العربي مطلبية يحركها الضعف الحكومي في توفير الاحتياجات الأساسية، فإن الاحتجاجات التي شهدتها الكثير من الدول خلال الأشهر الماضية كانت مدفوعة بهموم بيئية. ففي أيلول 2018، شهدت أكثر من 90 دولة حول العالم مظاهرات حاشدة للتعبير عن الغضب من السياسات الحكومية تجاه المناخ والحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي. وجاءت هذه المظاهرات الشعبية تحت شعار «انهضوا من أجل المناخ» بخاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس المناخي، واستمرار الصين في تلويث البيئة، وتراجع فرنسا عن إغلاق المحطات النووية القديمة لتوليد الكهرباء. واللافت أن العالم شهد خلال الشهرين السابقين استقالة كل من سكوت برويت مدير وكالة حماية البيئة الأميركية ونيكولا أولو وزير البيئة الفرنسي، والأخير علّل استقالته بعدم إحراز تقدم في ما يتعلق بقضايا البيئة قائلاً: «لا أريد أن أستمر في الكذب، ولا أريد أن أوحي بأن وجودي في الحكومة يعني أننا نواجه هذه التحديات البيئية». إن الاحتجاجات في الأردن ولبنان والعراق تركت أثرها في الوضع السياسي في البلاد بعامة، وهي لم تتمكن من تحقيق أهدافها المعلنة بسبب وعود التغيير التي قطعت لها. لكن هل تفي الحكومات بوعودها فتحول دون تطور أزماتها من جديد إلى مظاهرات شعبية عارمة تهدد بفقدان الاستقرار؟ * يُنشر بالاتفاق مع مجلة «البيئة والتنمية»

مشاركة :