وضعت قضية الصحافي جمال خاشقجي علاقات القوى الغربية مع الرياض على المحك، فالسعودية تعتبر قوة نفطية وسوقا متميزا للسلاح الغربي وشريكا استراتيجيا في مواجهة المد الإيراني، كل ذلك يجعل أوراق ضغط الغرب على الرياض محدودة نسبيا. أمام الاستنكار الدولي الواسع لاختفاء الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي بعد دخول قنصلية بلاده في اسطنبول، باتت دوار صنع القرار في العواصم الغربية تواجه مأزقا حقيقيا من حيث قدرتها على الضغط على الرياض ودفعها إلى التعاون في الكشف عن ملابسات اختفاء معارض معتدل يملك شبكة علاقات دولية واسعة. غير أن أدوات الضغط التقليدية التي دأب الغرب على استعمالها في تلك الحالات قد لا تسعفه هذه المرة، سواء تعلق بحظر تصدير السلاح أو فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية، بالنظر للدور الاستراتيجي الذي تلعبه الرياض في مواجهة الجمهورية الاسلامية الإيرانية، إضافة إلى مركزها الحاسم في سوق النفط العالمية. لقد اعتاد الغرب على التلويح بتعليق تصدير السلاح كلما ظهر له أن حكام الرياض تجاوزوا الخطوط الحمراء بشأن عدد من القضايا، كحقوق الانسان ولجم المعارضة أو استهداف المدنيين حرب اليمن، إلا أن ذلك نادرا ما يترجم إلى أرض الواقع، ما يعطي للسعودية إحساسا بالحصانة والقدرة على فعل كل ما تريد خصوصا بعد الصعود السريع والمفاجئ لولي العهد محمد بن سلمان. "لا أحد يتمتع بالأمان" هو عنوان مقال تحليلي في مجلة "شبيغل" الألمانية التي نقلت عن المعارض المصري أيمن نور والصديق الحميم لخاشقجي قوله إن رسالة اختفاء الصحافي السعودي هو أن "لا أحد يمكن يمكن ينعم بالأمان أمام محمد بن سلمان". ضغط أمريكي ناعم..ليس إلا؟ يشهد الغرب انقساما واضحا في عدد من القضايا الدولية منذ تولي الرئيس دونالد ترامب للسلطة، ورغم التحالف الأمريكي السعودي، فإن أصواتا تعالت في مجلس الشيوخ الأمريكي حيث عبر عدد من كبار أعضائه عن استياءهم العميق، بل وذهب البعض منهم لحد اتهام الرياض مباشرة بالوقوف وراء اختفاء خاشقجي. وبهذا الصدد قال السناتور بوب كوركر "لا يمكنك أن تقتل الصحفيين كما تشاء". وطالب ربع أعضاء المجلس بتحقيق أمريكي في القضية. وأمام تزايد الضغط الإعلامي والسياسي خرج الرئيس دونالد ترامب عن صمته معبرا عن إحباطه اتجاه اختفاء الصحافي المعارض. غير أن ذلك قد لا يخرج عن الاستهجان اللفظي ومن غير المتوقع أن يقدم الحليف الأمريكي على أي خطوة قد تغضب الرياض. فالسعودية باتت واحدة من أجرأ حلفاء الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن أي رد فعل قوي سيتناقض مع العلاقة الاستثنائية التي تسعى واشنطن لربطها مع الرياض رغم انفجارات ترامب الإعلامية اتجاه العاهل السعودي. والسؤال هو إلى أي حد يمكن للحليف الأمريكي الصبر على سياسة محمد بن سلمان التي يصفها الكثيرون بالمتهورة؟ وما يؤكد هذا التوجه تأكيد ترامب أن وقف مبيعات الأسلحة الأمريكية للرياض سيكون أمرا صعبا للغاية. واستطرد قائلا "أعتقد أن هذا سيضرنا. لدينا وظائف وكثير من الأشياء تحدث في هذا البلد" ألمانيا الحائرة ..هل تصدر السلاح أم لا؟ ليست واشنطن وحدها من يحير في التعامل مع الرياض، ذلك أن برلين منزعجة بدورها من السياسات السعودية، وهو ما ظهر بشكل جلي في عهد وزير الخارجية السابق زيغمار غابرييل حينما انتقد الدور السعودي في الأزمة اللبنانية. غير أن برلين والرياض حاولتا إصلاح علاقتهما منذ ذلك الحين. وبهذا الصدد انتقدت صحيفة "نويس دويتشلاند" سياسة وزير الخارجية الحالي بقولها "مؤخرا ادعى هايكو ماس بأن الرياض تلعب دورا مهما بالنسبة للسلام والاستقرار في المنطقة وفي العالم". واستطردت الصحيفة موضحا "الواقع أن السعودية تخوض حربا في اليمن، وهي بؤرة توتر لا تحظى باهتمام الرأي العام، وهذا ما تنظر إليه الحكومة الألمانية بعين الرضا، فليس من مصلحتها أن يتساءل الناس عن سبب تزويد السعودية بالأسلحة". وبهذا الصدد ذكرت مجلة "دير شبيغل" أن ألمانيا لا تزال تتحفظ إزاء صادرات من الأسلحة للدول التي تشن الحرب في اليمن مثل السعودية. غير أن الائتلاف الحاكم المكون من التحالف المسيحي الديمقراطي بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي سبق وأن أكد في الاتفاقية التي تنظم عمل الائتلاف "سنتوقف على الفور عن الموافقة على صادرات (أسلحة) لدول طالما أنها مشاركة في حرب اليمن". وجاء في الخطاب وفقا للمجلة الألمانية أن الحكومة "ستستمر في النظر في كل حالة على حدة" عند منح تراخيص صادرات أسلحة.
مشاركة :