مع تزايد الضغوط الدولية على السعودية في قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي تبدو الرياض في وضع لا تحسد عليه. فهل تلجأ إلى ورقة الاقتصاد لمواجهة الضغوطات وهل ينفعها ذلك مع الغرب الغاضب؟ صبت مجمل مواقف الدول الغربية في إطار إبداء القلق والاهتمام بالموضوع، الذي تحول لقضية رأي عام دولي. فقد طالبت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا بإجراء تحقيق موثوق يظهر الحقيقة كاملة في هذه القضية. واشنطن أيضا تتابع الموضوع عن كثب وقد صعدت مؤخرا لهجتها تجاه الحليف السعودي بعدما كان ترامب متحفظا في البداية. ويبدو حتى الآن أن الجانب الاقتصادي بدأ يطغى على السياسي في تعامل السعودية وبعض الدول الغربية مع القضية حتى قبل اتضاح حيثياتها. فهل تملك السعودية "أسلحة اقتصادية" كافية لاستعمالها في وجه الغرب، وبماذا قد يرد الغرب في هذه الحالة؟ وهل يطغى فعلا الجانب الاقتصادي على الجانب الحقوقي للقضية؟ وهل يصمد الغرب أمام الإغراءات السعودية؟ "أسلحة" السعودية لعل أبرز التداعيات الاقتصادية للقضية الخسائر التي تلقتها البورصة السعودية بعد تصعيد ترامب لهجته ومقاطعة شركات عالمية مختلفة للسعودية بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط وهو ما خلق مخاوف بشأن الإمدادات، وهذا ما يعتبره البعض ورقة في يد السعودية. مع ذلك لا يتوقع المحلل الاقتصادي والسياسي ورئيس تحرير النشرة العربية لصحيفة لوموند دبلوماتيك سابقاً سمير عيطة، في مقابلة مع DWعربية، أن يحدث تغيير مفاجئ في السعودية سواء فيما يتعلق بموقف عدائي من واشنطن أو رفع أسعار النفط رغم تزامن التهديدات السعودية مع اقتراب فرض العقوبات على إيران والتي تمنعها من تصدير نفطها. وبينما يربط بعض المراقبين بين تصعيد واشنطن لهجتها ضد السعودية وانتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر القادم، حيث يحاول الرئيس الأمريكي امتصاص غضب الرأي العام الأمريكي من قضية خاشقجي، يعتقد آخرون أن لهجة ترامب الجديدة ما هي إلا محاولة لرفع سقف المطالب المالية من الرياض، خاصة أن الرئيس الأمريكي دأب في الآونة الأخيرة، على ما يصفه البعض، بممارسة ابتزاز مالي مباشر للسعودية مقابل الإبقاء على "الحماية الأمريكية لها". الحكومة الألمانية لا تربط بين بيع الأسلحة للسعودية وقضية خاشقجي لغة الاقتصاد تغلب لغة حقوق الإنسان؟ مقال للكاتب السعودي ومدير قناة العربية المقرب من دوائر القرار في السعودية، تركي الدخيل، نشر عقب التهديدات الأمريكية بعقوبات ضد الرياض اعتبره البعض ردا سعوديا أيضا على ترامب. بدوره حمل المقال تهديدات، كما تحدث كثيرا بلغة الاقتصاد والأرقام. ومن ضمن ما جاء فيه أنه إذا وقع استهداف السعودية بعقوبات فإن الاقتصاد العالمي سيترنح. وذلك باعتبار أن الرياض عاصمة النفط في العالم، والمس بها سيضر بإنتاج النفط قبل أي شيء حيوي آخر. ويرى علي الدبيسي، رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن السعودية تحاول التغطية على القضية الأساسية بالورقة الاقتصادية. ويشرح ذلك قائلا: "بدلا من الإتيان بدلائل على براءتهم في القضية وأبسطها فيديو يوثق فعلا خروج خاشقجي من القنصلية كما يقول السعوديون، يأتون في بياناتهم بتهديدات بممارسة ضغوط اقتصادية ومالية". وسبق أن صرح ترامب في سياق الحديث عن خاشقجي أنه لن يضحي بصفقة الأسلحة مع السعودية المقدرة بأكثر من 110 مليار دولار لأنها ستؤثر على الاقتصاد الأمريكي وستعني خسارة الكثير من الوظائف. وفي آخر التطورات صرح بأن ما أسماه عناصر غير منضبطة قد تكون وراء اختفاء الصحفي السعودي. تتزايد الضغوط الدولية على الرياض منذ اختفاء الصحفي شجمال خاشقجي في قنصليتها في اسطنبول "البقرة الحلوب" ويضيف علي الدبيسي المعارض السعودي المقيم في ألمانيا في مقابلة لـ DWعربية بأن الغرب ينظر إلى السعودية على أنها "بقرة حلوب" يمكن أن تنفق الكثير من الأموال لتجاوز أزماتها وتحقيق مصالحها، وهذا ما يفسر في اعتقاده أن الدول الغربية لن تفعل في قضية خاشقجي ما فعلته في قضية العميل الروسي سكريبال عندما طردت دبلوماسيين روس من أراضيها. وفي قضية خاشقجي ستتغلب المصالح الاقتصادية "مرة أخرى" على ملف حقوق الإنسان كما يرى الدبيسي. ويشرح ذلك قائلا: "للأسف تاريخ الدول الغربية في التعامل مع السعودية يوضح لنا كيف سيتعاملون مع هذا الملف أيضا، ونأخذ من ذلك مثال موقف ألمانيا التي أكدت أنها ستمتنع عن بيع السلاح للدول المشاركة في حرب اليمن وما لبثت أن باعت ما قيمته ربع مليار يورو من الأسلحة للسعودية". "الغرب يسمح للسعودية بفعل ما تشاء" موضوع السلاح طرح في ألمانيا أيضا في سياق ملف خاشقجي فقد أعلنت الحكومة الألمانية أن صادرات السلاح إلى السعودية لا ترتبط بواقعة اختفاء خاشقجي، وهو ما يرى فيه الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط غيدو شتاينبيرغ "إشارة مشابهة لتلك التي تبعثها كل من الولايات المتحدة وتركيا ومفادها أنها لا تريد أن تتضرر علاقاتها بالسعودية." وبناء على ذلك يعتبر الخبير الألماني أن مواقف الغرب تسمح للسعودية "بفعل ما تشاء"، كما صرح لإذاعة "دويتشلاندفونك" قبل يومين. وحتى فيما يتعلق بتصريحات زيغمار غابرييل وزير الخارجية الألماني السابق، التي لمح فيها إلى انتهاج السعودية لنهج مغامر وإلى أن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري محتجز في الرياض، والتي خلقت أزمة دبلوماسية كبيرة بين برلين والرياض آنذلك، يرى الدبيسي أن موقف غابرييل لم يكن معهودا لكن الألمان لم يثبتوا على موقفهم وسرعان ما عادت المياه إلى مجاريها بين الدولتين بسبب المصالح. يذكر أن الأزمة بين الرياض وبرلين ألحقت في وقتها أضرارا بالعلاقات الاقتصادية بينهما، واشتكت الشركات الألمانية من تراجع الطلبيات الاقتصادية من السعودية بسبب توتر العلاقات. الكاتبة: سهام أشطو
مشاركة :