نوسا دوا (إندونيسيا) ـ وكالات: حذّرت كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي أمس الدول من الانخراط في حروب التجارة والعملات التي تلحق الضرر بالنمو العالمي وتعرّض أطرافاً «بريئة» غير معنيّة للخطر. وحثت لاجارد خلال التدشين الرسمي للاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في منتجع جزيرة بالي الإندونيسية على «تهدئة» النزاعات التجارية وإصلاح قواعد التجارة العالمية بدلاً من التخلي عنها. وفرضت الولايات المتحدة والصين رسوماً جمركيّة متبادلة على سلع بمئات المليارات من الدولارات خلال الأشهر القليلة الماضية، ما أثار قلق الأسواق المالية مع تخوّف المستثمرين من أن تصاعد النزاع التجاري قد يؤثر سلباً على التجارة والاستثمار العالميين. وانخفضت أسواق الأسهم في آسيا أمس لأدنى مستوى في 19 شهراً بعد أن تكبدت وول ستريت أسوأ خسائر في ثمانية أشهر الليلة قبل الماضية مما أدّى إلى عزوف واسع عن المخاطرة، لأسباب منها توترات التجارة العالميّة وكذلك الزيادة السريعة في العائد على الدولار. حرب تجاريةوقالت لاجارد في مؤتمر صحفي «نأمل بالتأكيد ألا نتحرّك في اتجاه حرب تجارية أو حرب عملات. سيلحق ذلك الضرر على كلا الصعيدين لجميع المشاركين». وأضافت «وسيكون هناك أيضاً الكثير من غير المعنيين الأبرياء» بما في ذلك الدول التي تورد السلع الأولية والمكونات إلى الصين مثل إندونيسيا. وفي الأسابيع الأخيرة، أبدى مسؤولو وزارة الخزانة الأمريكية قلقهم حيال ضعف اليوان الصيني في الوقت الذي تعد فيه الوزارة تقريرها نصف السنوي بشأن التلاعب في العملات. ويتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين بتعمد التلاعب في عملتها لكسب ميزة تجارية، وهي اتهامات تنفيها الصين باستمرار. وشاركت لاجارد في الجدل بشأن العملة وبدت منحازة إلى جانب الصين، قائلة إن ضعف اليوان مقابل الدولار مدفوع بقوة العملة الأمريكية مع زيادة مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) لأسعار الفائدة. واليوان منخفض بوتيرة أقل أمام سلة عملات. دعم اليوان والصينوقالت: دعمنا تحرّك الصين صوب مرونة العملة ونريد تشجيع السلطات للاستمرار على هذا المسار. وخسر اليوان ما يزيد على ثمانية بالمئة في الفترة بين مارس وأغسطس عندما كان قلق السوق في ذروته، لكنه قلص خسائره في الوقت الذي كثفت فيه السلطات إجراءات دعم. وقالت لاجارد إنها تعتقد أن السلطات الصينية تتخذ خطوات للحفاظ على النمو والاستقرار وثقة المستثمرين في ظل النزاع التجاري، لكنها بصدد عملية موازنة «معقدة» لإبقاء وضعها المالي تحت السيطرة. ودعت كريستين لاجارد قادة العالم إلى إصلاح الأنظمة التجارية العالمية بدلاً من السعي إلى تقويضها، في تصريح هو بمثابة توبيخ للسياسيين الذين يعزّزون الرسوم الجمركيّة والحمائية. ويأتي تصريحها في وقت يهدد الخلاف التجاري بين الصين والولايات المتحدة النمو الاقتصادي العالمي حيث حذّر خبراء صندوق النقد الدولي من «نقاط ضعف جديدة» في النظام العالمي. وقالت لاجارد «نحتاج إلى العمل معاً من أجل تخفيف التوتر وحل النزاعات التجارية الراهنة. نحتاج إلى أن نتكاتف لإصلاح النظام التجاري الحالي وليس تدميره». هذا وقد حضر حوالي 32 ألفاً من النخبة المالية العالمية إلى هذا المنتجع الإندونيسي للمشاركة. تصاعد النزاع التجاريمن ناحية أخرى، حذّر رئيس البنك الدولي جيم يونج كيم من تصاعد النزاع التجاري، قائلاً إنه إذا ذهبت جميع الدول إلى أقصى مدى لتهديداتها التجارية «فإننا سنرى تباطؤاً واضحاً في الاقتصاد وسيكون التأثير على الدول النامية كبيراً. نعمل مع كل دولة من دولنا لكي تكون مستعدّة إذا تفاقم الأمر». تراجع الناتج المحليوحذّر المدير العام لمنظمة التجارة العالمية روبيرتو أزيفيدو من أن حصول «حرب تجارية على نطاق واسع، قد يؤدي إلى تراجع (حجم) التجارة العالمية بنسبة 17،5%» وقد يتراجع إجمالي الناتج المحلي «1،9 نقطة مئوية» بحسب دراسة أجرتها المنظمة. وقال إن «الولايات المتحدة والصين تعانيان الكثير»، وبالمثل الدول المندمجة في شبكات التجارية العالمية. وأشار إلى أن الدول الأعضاء في هذه المنظمة التي تنتقدها بشدة الولايات المتحدة «تناقش إصلاحاً للمنظمة» قد يوفّر سبيلاً للحل. وأفاد التقرير الصادر أمس عن صندوق النقد الدولي حول الاستقرار المالي العالمي أن النمو العالمي قد يكون في خطر إذا شهدت الأسواق الناشئة مزيداً من التدهور أو تصاعدت حدّة التوترات التجارية. وقال الصندوق في تقريره نصف السنوي، «ظهرت نقاط ضعف جديدة ولم يتم بعد اختبار مرونة النظام المالي العالمي». ويبدو المشاركون في السوق «مرتاحين» إزاء المخاطر المحتملة التي قد تنجم عن «زيادة مفاجئة في حدّة الظروف» - مثل ارتفاع أسعار الفائدة أو انخفاض إمكانية الحصول على الرساميل. وحذّر الصندوق من أن فرض مزيد من التعرفات الجمركية والتدابير المضادّة لها يمكن أن تؤدّي إلى تشديد أكبر للظروف المالية مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية على الاقتصاد العالمي والاستقرار المالي. بعض الإحباطوقالت لاجارد خلال الاجتماع إن الظروف العالمية لا تبعث على الشعور التام بالاكتئاب. وقالت يدفع الوضع للشعور ببعض الإحباط لكنني في الواقع متفائلة لأن هناك رغبة فعليّة في تحسين وتطوير العلاقات التجارية العالمية. ولكن الباحث الأمريكي جيفري ساكس تحدّث بلهجة أقل دبلوماسية في تقييمه لإدارة ترامب للعلاقات التجارية الأمريكية، منتقداً مزاعم الرئيس المتكرّرة بأن العجز مع الصين ودول أخرى يعني أن الأمريكيين يتعرضون للاستغلال. وقال ساكس، مدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، خلال ندوة في بالي «إن العجز التجاري لا يعني بالضرورة وجود غش من قبل الطرف الآخر.. هذا يعني أن الولايات المتحدة تحاول وقف نمو الصين - إنها فكرة رهيبة». وأضاف إن «كل الاتهامات الموجهة ضدّ الصين.. مبالغ فيها إلى حد كبير». هجرة الأموالومع ارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدّمة وإغراء المستثمرين في تحويل أموالهم بحثاً عن عوائد أعلى، قال صندوق النقد الدولي إن الاقتصادات الناشئة يجب أن تتخذ خطوات لحماية نفسها من هجرة الأموال. واقترح على سبيل المثال تعزيز احتياطيات العملات الأجنبية التي يمكن استخدامها في الأزمات وكذلك العمل مع أسواق السندات المحليّة لبناء قاعدة مستثمرين محليّة بدلاً من الاعتماد على التمويل من الخارج.
مشاركة :