لأن "فاينانشيال تايمز" لا تدفع لي 300 ألف جنيه استرليني سنويا، لا أقضي عادة صباح يوم الإثنين في الفرع المصرفي الخاص لشركة إنفستك، حيث يتعين عليك أن تكسب مثل هذا المبلغ على الأقل لتصبح واحدا من عملائها. لكن هذا هو المكان الذي ذهبت إليه الأسبوع الماضي بعد سماعي عن تطور محير في مقر المجموعة المصرفية الجديد والأنيق في لندن: إلغاء مكتب الاستقبال. عندما أخبرني أحد الزملاء، من الذين كانوا في الداخل، أول مرة حول هذا الموضوع اعتقدت أنه يمزح. دائما ما يبدو مكتب الاستقبال وكأنه قطعة أساسية إلى حد ما من مكونات المكاتب الخاصة بالشركات الكبيرة. لم يكن قد خطر ببالي قط أن وجود هذا المكتب يعد مشكلة. لكن شركة إنفستك كانت سعيدة بإطلاعي على الأمر لأعرف السبب في أنني كنت مخطئة. وصلتُ إلى المكان لأجد مكتبا خاصا بالأمن ذا مظهر طبيعي في ردهة المدخل، التي يتشاركها المصرف مع شركات أخرى موجودة في المبنى. لكن بينما كنت في طريقي إلى طابق العملاء في "إنفستك"، يقودني كبير الإداريين التشغيليين كيفن ماكينا، اتخذت الأمور منحى مختلفا. عند المدخل خارج المصاعد، لم يكن هنالك بالفعل أي مكتب استقبال، مجرد طاولة خشبية تبدو باهظة الثمن عليها إناء فيه زهور برتقالية اللون. على بعد بضعة أمتار، تقف بكل هدوء شابتان ترتدي كل منهما بدلة وحذاء بكعب عال بجانب منطقة الانتظار. تمتم ماكينا قائلا: "إنهما موظفتا الاستقبال". في تلك اللحظة بالضبط خرج شخص من المصعد افترضتُ أنه شخص ذو ثروة كبيرة. بينما كان يسير نحونا، وهو ينظر حوله بطريقة تدل على حاجته للمساعدة. هرعت إحدى الشابتين نحوه، واستقبلته بحرارة، واقتادته إلى غرفة للاجتماعات. مجموعة أخرى من الزوار تلقت المعاملة نفسها. كيف عرفت موظفتا الاستقبال أسماء الوافدين؟ قالت إحداهما: "من خلال الواتساب"، مضيفة أن مكتب الأمن الذي يقع في الطابق السفلي بعث برسائل يمكنها قراءتها من خلال ساعتها الذكية، وهي تبين أسماء الوافدين والأشخاص الذين يريدون مقابلتهم. وأعربت عن حبها للنظام الجديد، قائلة: "من الأفضل عدم الالتزام بالوقوف خلف مكتب"، رغم أن الأمور يمكن أن تصبح صعبة في استخدام الواتساب عند مدخل المبنى في حال ضعفت شبكة الـ "واي فاي". استطعتُ أن أفهم آلية العمل، لكن ما الفكرة الحقيقية؟ هل هناك توفير في المال مثلا؟ بحسب ماكينا، هذه الآلية لا تسهم في توفير المال. أعداد موظفي الاستقبال لم تتغير، حتى بعد التخلص من المكاتب. وقال: "ملخص الفكرة هو أن يكون هناك تفاعل شخصي مع العميل عندما يدخل من الباب". كان مكتب الاستقبال التقليدي "عقبة كبيرة" تسبب الإزعاج. أما النظام الجديد فهو أكثر ترحيبا بكثير وقال العملاء إنهم يحبونه. وفقا لـ "تي بي بينيت"، شركة الهندسة المعمارية التي صممت المكاتب الجديدة للمصرف، "إنفستك" ليست الشركة الوحيدة التي بدأت التخلص من مكتب الاستقبال. قال شين كيلي، مدير التصميم في"تي بي بينيت": "نفذنا شيئا مماثلا في شركة قانونية موجودة في لندن". وأوضح أن هناك كثيرا من الشركات التي بدأت في الانتقال صوب تجربة استقبال فردية أكثر دفئا للعملاء المشغولين، بإشراف موظف مختص. "هناك بالتأكيد اتجاه صوب تقديم مستوى من حسن الضيافة والخدمات في بيئة داعمة". هذه الظاهرة ليست منتشرة في لندن وحدها. تم إلغاء مكتب الاستقبال أيضا في مكتب نوتنجهام الخاص بـ "إنستنكت"، وهي وكالة لتصميم المكاتب والمتاجر. يقول مات تشاندر، الرئيس التنفيذي: "إن القوة الإجبارية الأكبر على هذا الكوكب هي إنسان آخر". ويضيف: "هذا هو سبب إزالتنا حواجز المكاتب وواجهات الاستقبال". وذهبت الأمور إلى أبعد من ذلك في "بيرو"، وهو مبنى للمكاتب في لندن تم افتتاحه قبل أسبوعين. يشتمل المبنى على مكتب أمن عادي يعمل فيه موظف استقبال على غرار البواب، وتكنولوجيا خيالية للتعرف على الوجوه من أجل تقديم ما يعد بأن يكون "تجربة استقبال خالية من المتاعب". يمكن للزوار "التسجيل المسبق" عبر إرسال صور خاصة بهم من هواتفهم. عند الوصول، تتولى الكاميرات مسح وجوههم وتنبه المضيف وموظف الاستقبال الذي يمكنه الترحيب بالضيوف بالاسم ونقلهم بسرعة إلى مكان الاجتماع. يبدو لي هذا متعلق قليلا برواية 1984، على الرغم من أنه يمكنني رؤية جاذبية تجنب تضييع الوقت في تسجيل الدخول والحصول على إذن. وأنا متأكدة من أنني أستطيع التعود على فكرة القدوم إلى مكتب يبدو وكأنه فندق. لكن في نهاية المطاف، يذكرني هذا النظام بحظي الكبير بالعمل في مبنى يعمل فيه موظفو الاستقبال أنفسهم في هذه المناصب منذ فترة طويلة جدا. وهم يرحبون بالضيوف كل صباح. ويتصلون بي في حال وصول الضيف. وهم أشخاص مؤدبون ويبعثون على السعادة والبهجة. آخر ما يخطر على بالي بالنسبة لهم هو أنهم عادة ما يجلسون خلف مكتب
مشاركة :