كانت العرب تقول عنه، «إذا طلعت العواء طاب الهواء، وضرب الخباء، وكره العراء وشنن السقاء».. وقالت عن مطره «حص في البحر وفقع بالبر»، أي أن مطر «الوسم»، إذا سقط على البحر يخلق اللؤلؤ، وإذا سقط على البر ينبت الفقع، حيث إن البذور المدفونة في باطن الأرض، أو المحار المختفي في أصدافه، يتحفزان وينتظران مطر الوسم، لضخ ماء الحياة فيهما. «الوسم» أو «الوسمي»، ضيف يزورنا كل عام من منتصف أكتوبر إلى منتصف ديسمبر، وبالتحديد يبدأ في 16 أكتوبر، حيث تتلهف الأرض لمطره، والناس لخيراته، والسماء تتزين بسحبه البيضاء لتبشر بهطول زخات وأمطار الخير، لترتوي الأراضي الزراعية وتنمو النباتات، ورغم أن مدته لا تزيد على 52 يوماً، إلا أن للوسم في الذاكرة الشعبية علامات على دخوله لدى الكثير من الآباء والأجداد، ومنها تكوّن السحب وظهور الكثير من الطيور مثل الحبارى والكروان والكرك الأصلع. «عواء البرد» عبيد بن صندل مستشار في معهد التراث بالشارقة، يستعيد ذكرياته الغنية برائحة الماضي، والتي ما زالت عالقة في ذهنه بكل تفاصيلها ومراحلها في حياته. ويقول «الوسم يتلهف له الأهالي منذ أيام زمان، خاصة من لديه مزرعة تشتمل على الكثير من الخضراوات، والتي يحين زراعتها في هذا الوقت من العام، كما أن الوسم سمي بهذا الاسم لأنه «يسم الأرض بالخضرة والنبات»، وإذا زاد المطر في هذه الفترة يعقبه ربيع مميز يظهر الفقع «الكمأة» فيه. ومن مميزات هذا الموسم، حسبما يرى بن صندل، «أن العرب قديماً كانت تطلق عليه «عواء البرد»، لأن أجواءه تكون محملة بالبرودة، ويعتبر أفضل أوقات نزول المطر، مما يساعد على جني عسل السدر في المناطق الجبلية، أو ما يعرف محلياً بعسل «اليبياب»، فهذه الفترة تشهد قطاف وحصاد العسل سواء من الخلايا الطبيعية التي تنشأ في الجبال والأشجار أم حتى من مناحل التربية في المزارع، لكون هذا الوقت «موسم تزهير» أشجار السدر والأعشاب البرية التي تنتشر في الجبال، مثل «الخزامى والنفل والشيح والأقحوان». ويؤكد بن صندل أن هناك تغيرات جوية تصاحب دخول «الوسم»، حيث يشعر الأهالي بنسمات الجو المنعشة، التي تحد من الحرارة وتشهد اخضرار الأشجار. ظهور «الفقع» وأكثر ما يلفت انتباه شيخة النعيمي، باحثة تراثية، في موسم الوسم، هو نزول الأمطار التي يطلق عليها الأولين «الثروي» نسبة إلى ارتفاع الثريا في هذا الوقت، والتي تكون في أوج ارتفاعها إلى عنان السماء، والأمطار التي تهطل في آخره تسمى «عهادا»، وتعني عهدة، ومع الموسم تزداد السُحب ويقال عنها «المرابيع»، حيث إن المكان السريع الإنبات يطلق عليه «مرباع». وتلفت النعيمي إلى أن معظم الأمطار في هذا الموسم محمودة، حيث تنبت الكثير من الأعشاب البرية التي تأخذ دورة حياتها كاملة ويظهر نبات «الفقع» الذي يتسابق الكثير من الناس لاقتلاعه من الأرض بعد نزول الأمطار. ترجع بنا النعيمي إلى الماضي وتبين أن أهل الجزيرة العربية كانوا يعتمدون على القمر والنجوم في تحديد المواسم، وعلى اقتران الثريا بالقمر لمعرفة أوقات الشتاء. وتضيف «في «زمن لوّل» كان الأهالي يعتمدون في حياتهم على حرفة الزراعة والرعي، ومع نزول المطر في هذا الموسم يتتبعون ظهور الماء والعشب وأماكن تجمعهما، للاستفادة في ري النباتات وسقي المواشي.
مشاركة :