طوال تاريخ المملكة اعتدنا من ولاة الأمر - حفظهم الله - العناية بكل ما يخدم الإسلام، وعدم ادخار أي جهد في ذلك .. ليس الحرمين الشريفين فقط ما أعنيه، وإنما كل ما يحمل مظهراً وكياناً ورسماً إسلامياً، ومن هنا لم يكن مستغرباً أبداً توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله – عندما أمر بدراسة إمكانية فتح مسجد قباء على مدار اليوم. هذا التوجيه الكريم جعل الحنين يعود بي إلى ذلك المسجد الكريم، وأنا أتخيل رسولنا الحبيب يحمل الحجارة مع صحابته الكرام؛ ليبني معهم أول مسجد في تاريخ الإسلام، ولتنطلق منه تعاليمه لصحابته، ولجميع المسلمين، وهو يرسم لهم دستور الحياة والعمل للدنيا والآخرة. ومع الحنين، عدت أقرأ في كتب التفسير والتراث عن هذا المسجد الذي يشعر كل من يذهب إلى المدينة للصلاة فيه براحة نفسية كبرى، فعندما تقرأ في تفسير الآيات من (107) إلى (110) من سورة «التوبة»، ستجد أنها نزلت في التحذير من الصلاة في مسجد «ضرار» الذي بناه المنافقون، والأمر بالصلاة في مسجد «قباء» الذي بناه النبي الكريم مع صحابته على التقوى، وامتدحه الله سبحانه، وأثنى على من يصلي فيه بقوله العظيم: «فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ». ولا شك أن هذا يحمل دلالة على مكانة مسجد قباء ومنزلته في الإسلام، ولذا اهتم المسلمون بالعناية به خلال العصور الماضية، فجدده الخليفة عثمان بن عفان، ثم عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنهما-، ثم تتابع الخلفاء على توسيعه وتجديد بنائه، ومن بعدهم الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - وأبناؤه من بعده. ويكفينا في هذا المسجد حب النبي - عليه الصلاة والسلام - له، فقد كان يذهب إليه كل يوم سبت ماشيا مرة وراكباً مرة أخرى، حتى بعد أن بنى مسجده الشريف، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو أكثر إنسان يدرك أن الجماد له قلب وشعور، فجذع الشجرة الذي كان يخطب من فوقه شعر بدموعه وهو يفارقه إلى المنبر، وجبل أُحد الذي اهتز عندما وقف عليه كان يشعر النبي بحبه، فبادله حباً بحب، وقال عنه: «جبل يحبنا ونحبه». هذا المسجد شكل اللبنة الأولى في بث ضوء الإسلام وانتشاره، فهو كان الملتقى والمجلس والبيت الكبير الذي يلم ويجمع شتات المسلمين. لذا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ مَسْجِدَ قُبَاءَ فَصَلَّى فِيهِ كَانَ لَهُ عَدْلَ عُمْرَةٍ)، تخيل أن تعتمر من دون أن تذهب للكعبة!! فأي شرف هذا وأي تعظيم لهذا المسجد. في كتاب «زاد المعاد» لابن القيم، ستقرأ أن المسلمين الذين كانوا ينتظرون قدوم النبي للمدينة مهاجرا ًإليهم من مكة خرجوا للقائه فرحين، فسار معهم حتى نزل بـ»قباء» في «بني عمرو بن عوف»، فأقام فيهم (14) ليلة، وأسس مسجد قباء، ولا أحد يعلم على وجه الدقة كم كانت مساحته عند البناء، لكن بعصرنا الحالي قدر بعض المهتمين مساحة المصلى وحده بـ (5035) متراً مربعاً، وإذا ضممنا إليها مرافق الخدمة التابعة له فستبلغ المساحة (13500) متر مربع. وقد أكد وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ في حديث سابق نشرته «الرياض»، أن كل الاستعدادت تجري لاستكمال متطلبات الجهات الخدمية والأمنية؛ لإنفاذ الأمر السامي الكريم بفتح مسجد قباء للصلاة على مدار اليوم اعتبارا من غرة ربيع الثاني 1440هـ. مسجد قباء محراب المسجد حديث عن فضل الصلاة في مسجد قباء
مشاركة :