كتاب «العربية السعيدة... عبور الربع الخالي في الجزيرة العربية» للرحالة البريطاني برترام توماس، صدر حديثاً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بترجمة صبري محمد حسن. قام المؤلف في العام 1927 برحلة على ظهر جمل، قطع خلالها قرابة 600 ميل، تجول خلالها في الأراضي الحدودية الجنوبية التي تمتد من تخوم الهند وصولاً إلى ظفار في عُمان، مرتدياً ثياباً بدوية، ومتحدثاً اللغة المحلية، حيث كان وزيراً في مجلس وزراء الدولة العمانية، ما مكّنه من إقامة علاقات وطيدة مع كبار العرب المؤثرين في الجزء الجنوبي الشرقي من الجزيرة العربية، وكان يقضي فصل الشتاء في استكشاف الجزيرة العربية. ورفضَ عرض مليونير أميركي باستئجار منطاد ذي محرك واستخدامه في الاستكشاف لأن ملء الفراغات الموجودة على الخريطة، واستكشاف الحياة الحيوانية والبشر الذين يسكنون هذا المكان هم وقراباتهم وصلاتهم العرقية واللغوية، إضافة إلى سلوكياتهم وأسلوب حياتهم بدقةٍ، غير ممكن من طريق المسح الجوي. وهذه كلها ستكون مفاتيح لعالم الأنثروبولوجيا. كما كان يؤمن بأن تعدي الماكينات الغربية على الصمت العذري لهذا المكان ينطوي على شيء من الغلظة وانعدام الكياسة. كما أن ظهور الإبل والمسيرات الطويلة يشكلان سحر الجزيرة العربية وجاذبيتها. ويصف الرحالة استطلاع أهل عمان لهلال شهر رمضان الذي تزامنَ مع شهر كانون الثاني (يناير) 1931، حيث لم يظهر الهلال في صباح يوم العشرين من ذلك الشهر وعليه أصبحت الآمال معلّقة على فترة المساء، حيث راحت الأعين تتطلع إلى الأفق الغربي عند غروب الشمس، حيث يثير ظهور هلال رمضان شغف المؤمنين، وفي عُمان يكون دخول شهر رمضان وانتهاؤه مصحوباً بكثير مما هو أكبر من التحية الملكية فيقول: «كانت خيبة الأمل في ذلك المساء أمراً مقدوراً علينا. تحوّل لون السماء الزعفراني إلى اللون الارتوازي الرمادي، ومع ذلك لم يظهر الهلال. وهذا يعني أن الناس لن يكبروا في الصباح حمداً لله على شهر الصوم». ويحكي أيضاً أن رفاقه في رحلة السفر، كان الشرع يبيح لهم الإفطار حتى يعودوا إلى ديارهم، لكنهم صاموا جميعاً، وفي الأيام العادية كانوا يقصرون الصلوات الخمس إلى ثلاث فقط، ولكنهم بعد دخول رمضان كانوا يؤدون الصلوات الخمس كاملة. ولم يتغير النظام الغذائي لهؤلاء البشر بفعل ذلك الحماس الديني الزائد عن الحد. كانت وجبة العشاء تعقب صلاة العشاء، أما في رمضان فكانت هذه الوجبة تعقب أذان المغرب، وغالباً ما تكون هذه الوجبة محشورة بين صلاة المغرب والصلاة التي تليها. ويجوز لمن يستطلعون المراعي تأجيل الصيام، لكن القاعدة الخاصة بمن يقوم بالغزو تختلف عن باقي القواعد، يجوز له تأجيل الصيام إلى ما بعد القيام بالغزو؛ ويتعين على الغازي عند الاقتراب وأثناء الهجوم أن يكون صائماً. وهناك قاعدة عجيبة لدى قبائل الرمال مثل الرشايدة والسعارين، تتعلق بالزواج، فالاتصال الجنسي في رمضان مباح فقط إذا كان سيعقبه الاغتسال الكامل، وهذا يعني أن يكون المرء قريباً من الماء أو حاملاً له. ويقول الرشايدة إن السعارين لا يصلون ولا يصومون، وهذه سُبة في حقهم، كما أن السعارين يسخرون من الزائر الرشيدي الذي يصلي ويصوم في وقت السلم. وأشهر الصحراء شهور قمرية، لكن يطلق عليها أسماء لا تتفق مع التقويم الإسلامي. وعلى سبيل المثال، فإن كلمة المحرَّم لا يستعملها بدو الرمال مطلقاً، وهم يعرفون العام (السنة)، إن كان لهم أن يؤرخوا له، بأنه يبدأ بشهر الصوم أو شهر الحج. وشهور عرب الرمال هي: رمضان؛ عيد الفطر الأول، عيد الفطر الثاني؛ عرفة (شهر الحج)؛ عشور (شهر الزكاة)؛ صفر، طوم الأول؛ طوم الثاني؛ طوم الثالث؛ ميثال ليل (أحياناً يسمونه طوم العُربة)، يسمونه طوام؛ رجب، قصير. ويعتبر شهر رمضان من الشهور غير المواتية للغزو. ويصف المؤلف سمات البشر في ظفار بأنهم قبائل متحاربة ومتنافسة ويرون القانون والنظام أمرين شاقين عليهم ويحبون الحرية الشخصية غير المقيدة أكثر من الحياة نفسها. وكانت السلطات الغربية تستخدم القوة لإجبارهم على الانصياع لها. ويرصد الفرق بين العبد وسيده في العمل، فالعبد في أرض الكسل والتكاسل يقوم بالعمل اليدوي، ويتحتم عليه أن ينتج ما يكفي لإعالة نفسه وإعالة سيده. لكن العبيد يتمتعون ببعض المزايا الخاصة، فهم يكونون بمنجاة من الأخطار الناجمة عن الصراعات الثأرية التي تحوّم على القبلي «الحر». وعندما يقع أسيراً لا يُقتل. كما أن العبدة تتمتع برعاية اجتماعية أكثر من المرأة الحرة، وتتزوج في سن الخامسة عشرة من الزوج الذي يختاره لها والدها دون أخذ رأيها ودون أن ترى ذلك العريس، وإذا وقعت المرأة الحرة في الانحراف الجنسي قد تُعدم وتدفع حياتها ثمناً لهذا الانحراف. كما أن البدو في قبيلة القراوين يصنعون الناي من قرن الوعل، والراعية إذا لم تكن تغني لقطيعها، فهي تهديء ذلك القطيع بالعزف على الناي. وفي نجد تتم تسوية المنازعات داخل القبيلة من طريق حكم الحوز، الذي هو كود من العقوبة المحلية، التي لا علاقة لها بالشرع، ويرى هؤلاء البدو أن عمليات السرقة الطفيفة غير أخلاقية، لكنهم ينظرون إلى عمليات السطو المسلح باعتبارها من أعمال الرجولة. كما يعالج البدو الأمراض الجسمانية بأعشاب محددة، وبالكي بالنار، وبتعاويذ طرد الأرواح، وبالعصارات المعوية للحيوانات التي يذبحونها في عمليات الصيد.
مشاركة :