حرص مسعود البارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني على اتهام قادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بالمسؤولية عن خسارة كركوك الأكثر أهمية ضمن مناطق العراق المتنازع عليها، يتيح له التملّص من النتائج العكسية لاستفتاء الاستقلال، ويساعده على استثارة المشاعر القومية لشارع كردستاني غاضب من الظروف الصعبة التي يواجهها، بفعل الإدارة السيئة لشؤون الإقليم والتي يشترك فيها الحزبان معا. أربيل (العراق) - اتّخذ مسعود البارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، من الذكرى السنوية الأولى لسيطرة القوات الاتحادية العراقية على محافظة كركوك الغنية بالنفط، وطرد قوات البيشمركة الكردية منها، مناسبة لتجديد هجومه على حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة ورثة جلال الطالباني، مكرّسا التوتّر الذي ساد علاقة الحزبين الشريكين في قيادة الإقليم بعد تنافسهما الشديد مؤخرا على منصب رئيس الجمهورية العراقية الذي سعى حزب البارزاني إلى شغـله عن طريق مرشّحه فؤاد حسين، لكنّه آل في الأخير إلى برهم صالح العائد إلى حزب آل الطالباني بعد انفصاله عنه لفترة وجيزة. وتبدو معادلة الشراكة في قيادة إقليم كردستان العراق التي حكمت علاقة الحزبين الكرديين الكبيرين، بصدد التغيّر، بفعل استشراء الخلافات بينهما، وميل حزب البارزاني إلى تقاسم السلطة في الإقليم على أساس الانتخابات البرلمانية الكردستانية الأخيرة التي فاز فيها بعدد كبير من المقاعد، وليس على أساس التوافقات المعتمدة سابقا. ويذهب أكثر المراقبين تشاؤما إلى القول إن استمرار الخلافات بين أربيل، معقل آل البارزاني، والسليمانية معقل آل الطالباني، قد يفضي بالمحافظتين إلى وضع أقرب إلى استقلال كل منهما عن الأخرى. ويتهم كبار رموز حزب البارزاني، نظراءهم في حزب ورثة الطالباني بالخذلان والخيانة في قضية استفتاء الاستقلال وما ترتّب عليه. وفي سبتمبر من العام الماضي أجري استفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق، بدفع قوي من مسعود البارزاني، لكنّ بغداد أحبطت تنفيذ نتائجه بالتعاون مع طهران وأنقرة، وسارعت إلى اتخاذ إجراءات قوية ضدّ الإقليم أهمّها على الإطلاق طرد قوات البيشمركة الكردية من المناطق المتنازع عليها، وفي مقدّمتها كركوك ذات القيمة الاقتصادية العالية بفعل ثرائها بمخزونات النفط. وتمتد المناطق المتنازع عليها في العراق من قضاء خانقين على بعد 170 كيلومترا شرق العاصمة بغداد، إلى قضاء سنجار على بعد 120 كيلومترا غرب مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، مرورا بكركوك ومخمور وسهل نينوى، وهي مناطق مختلطة سكانيا يشكل الأكراد الغالبية بين سكانها. ولا تزال كركوك بعد عام من انتزاعها من سيطرة البيشمركة وسيلة مثلى لاستثارة المشاعر القومية لأكراد العراق واستمالة الشارع الكردي غير المرتاح لطريقة إدارة الإقليم وأسلوب حكمه، وقد سبق أن عبّر عن غضبه من الأوضاع المعيشية الصعبة في مظاهرات عارمة شهدتها عدّة أنحاء من كردستان العراق. استمرار الخلافات بين أربيل، معقل آل البارزاني، والسليمانية معقل آل الطالباني، قد يفضي بالمحافظتين إلى وضع أقرب إلى استقلال كل منهما عن الأخرى ووصف مسعود البارزاني سيطرة القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي على كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها، في أكتوبر من العام الماضي بـ”اليوم الأسود”. وجاء في رسالة نشرها الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق بمناسبة مرور عام على ما أسماه “خيانة 16 أكتوبر” القول إن “ما جرى قبل عام من الآن كان خيانة ضد الشعب الكردستاني وتلاعبا بمصير شعب مظلوم، حيث تم تسليم أراض كردستانية شاسعة كانت قد حرّرتها وحمتها قوات البيشمركة في حربها ضد داعش”. وأكد في رسالته أن “كركوك يجب أن تعود مدينة للتعايش السلمي والعيش المشترك والإدارة المشتركة مع تأكيدنا على الهوية الكردستانية للمدينة”. وكانت المدينة عندما دخلتها القوات الاتحادية قبل عام تحت سيطرة حزب الطالباني والشقّ الخاضع لإمرته من قوات البيشمركة. وورد أيضا بالرسالة أن “حفنة من الناس قد خانوا شعبهم وسلموا أراضي كردستان، ولولا الخيانة لما كان جرى ما جرى قبل عام”. ومن جهته دعا مستشار مجلس أمن إقليم كردستان، مسرور البارزاني، أكراد العراق إلى عدم نسيان أحداث منتصف أكتوبر من العام الماضي، واصفا ما جرى آنذاك بـ”المؤامرة” وبـ”أكبر خيانة لحق تقرير المصير لقومية عانت من أعتى أنواع الظلم”. وتابع “في الوقت نفسه كشفت الأحداث الوجه الحقيقي لخونة الأرض والوطن وأظهرت الفرق بين الخائنين والوطنيين ودعاة السلم”. مسرور البارزاني: أحداث كركوك أظهرت الفرق بين الخونة والوطنيينمسرور البارزاني: أحداث كركوك أظهرت الفرق بين الخونة والوطنيين وذهب القيادي بالحزب الديمقراطي الكردستاني شاخوان عبدالله، إلى مطالبة القضاء العراقي بمحاسبة رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي بتهمة “إبادة” الأكراد واستخدام “القوة المفرطة” في أحداث كركوك العام الماضي، فيما دعا في تصريح لموقع السومرية الإخباري، إلى إرسال قوات “حفظ نظام دولية” لمسك الأمن بمحافظة كركوك، كما لوح بـ”انتفاضة جماهيرية” إذا لم تتم الاستجابة لهذه المطالب. إلى ذلك قال العضو القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني فرهاد كركوكي إن “ما قامت به جماعة من القيادات العسكرية والسياسية في الاتحاد الوطني الكردستاني وبعض المتنفذين في ذلك الحزب، هو خيانة وطنية مكتملة الأركان حيث سلموا نصف أراضي كردستان بين عشية وضحاها إلى الحشد الشعبي”. وأضاف كركوكي معترضا على أحاديث القيادات العسكرية التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني بشأن عدم توازن القوى بين البيشمركة والقوات العراقية عندما قررت الأخيرة دخول كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها في أكتوبر من العام الماضي، قائلا “ليس صحيحا البتة، البيشمركة كان باستطاعتها أن تقاوم وتصمد وتحافظ على جميع تلك المدن والمناطق، ولكن هؤلاء كانوا قد عقدوا اتفاقا سريا مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لتسليم كركوك دون مقاومة”. ومن جهتها أكدت قيادات الاتحاد الوطني أن “المسألة لم تكن خيانة وتسليما وأي شيء من هذا القبيل، بل إن الحكومة العراقية والحشد الشعبي قرّرا مهاجمة كركوك وبقية المناطق، والبيشمركة قرّرت الانسحاب حقنا للدماء وحفاظا على حياة المواطنين وعلى كركوك والمدن الأخرى من الدمار”. وتترجم ردود الفعل الغاضبة لمسعود البارزاني وحزبه تجاه شركائه في حزب الطالباني، خيبة الأمل الكبرى التي مني بها في الدفع بمشروع استقلال إقليم كردستان، مستغلاّ الظرف الذي حفّ بالعراق بداية من سنة 2014 وسيطرة تنظيم داعش على أجزاء كبيرة من أراضيه، حيث كانت للقوات الكردية من بيشمركة (جيش) وأسايش (شرطة) أدوار كبيرة في التصدّي للتنظيم وانتزاع أراض من سيطرته أمِل البارزاني في ضمّها إلى “دولته” الناشئة، مردّدا أن حدود الإقليم رسمت بالدم، غير أن الحدود التي حلم بها الزعيم الكردي يمكن أن تتقلّص إلى حدود محافظة إذا سارت وتيرة الخلافات بين أربيل والسليمانية على ما هي عليه اليوم.
مشاركة :