الذين صرّحوا وعلقوا وهددوا وتوعدوا إثر حادثة انهيار مبنى السلمانية بسبب انفجار اسطوانة غاز وتداعيات هذه الحادثة، نسوا أو تناسوا أن هذه ليست الحادثة الأولى من نوعها، وفي كل مرة تثار أسئلة كبرى لم نجد لها أجوبة، وإن وجدنا أجوبة -إن وجدنا- فهي أجوبة لا تشفي الغليل، بل هي أجوبة عجولة، مراوغة، ولنقل إنها ليست الأجوبة الأوفى التي تحدد مسؤولية هذه الجهة أو تلك ومعاقبتها واتخاذ ما يلزم بشأن أوجه قصورها، كما لو أننا أمام حالة عجز تتجلى في مسؤوليات لم ترَ النور، أو جهات تتقاذف المسؤوليات فيما بينها، أو مسؤوليات تحوّل الإخفاقات إلى إنجازات، يا لفداحة العجز..! ليست الحادثة المذكورة فقط هي التي استدعت هذا الكلام، إذ يُمكن أن نذكّر من ينسى، أو يميل إلى النسيان، أو له مصلحة في النسيان، أو من هو بحاجة إلى إنعاش ذاكرته، بأكثر من حادثة انهيار أو حريق مبنى، في أكثر من مسكن عمّالي في أكثر من منطقة من مناطق البحرين التي كان الضحايا فيها حصرًا عمّال وافدون، وكأن ثمّة حصّة ثابتة لهم في الحوادث والكوارث والحرائق وانهيار المباني..! السيناريو منذ عام 2006 وربما قبل ذلك يتكرّر، زوبعة من ردود الأفعال تتجدد على حوادث مفجعة ومؤلمة، وكلها لا تخرج عن دائرة نزول المسؤولين إلى موقع كل حادث، وكاميرات تصوّر وتوثق الزيارة، الكل يصرّح، تصريحات كثيرًا ما تتشابه وتتقاطع في مضامينها، لا تخرج عن دائرة الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة الأسباب والتلويح باتخاذ الإجراءات الحازمة واللازمة للحيلولة دون تكرار مثل هذا أو ذاك الحادث، والكل يُبدي تعاطفه مع الضحايا والمنكوبين، والكل يظهر كما لو أنه يريد أن يبرهن على وجوده وشعوره بجسامة المسؤولية المنوطة به، وهلمّ جرا، ثم ما تلبث كل الأصداء والوعود أن تتلاشى لينتهي الأمر عند هذا الحد والسلام. علينا أن نلاحظ أن القاسم المشترك في ردود الأفعال هذه أنها مقسمة بالارتجال وبالكثير من المفارقات، وأيضًا بالارتحال عن واقع مأساوي يعيشه ويُعاني منه هؤلاء العمّال الكادحون وعيشهم في مساكن غير صالحة للسكن الآدمي، هل تذكرون حادثة حريق سكن العمّال بمنطقة القضيبية في عام 2006 راح ضحيتها 17 عاملاً؟ قيل حينها إن هذا الحادث كشف الستار عن تجاوزات تدقّ جرس إنذار في ملف سكن العمّال الأجانب، والجهات المعنية وجدناها -كالعادة- تعلن تحرّكها لمواجهة واجتثاث كل أنواع التجاوزات والمخالفات، وهل تذكرون الأصداء التي خلفتها هذه الحادثة؟ الأصداء نفسها وجدناها تتكرّر في حادث حريق سكن عمّال بحي «فريق» المخارقة في عام 2013 راح ضحيته 13 عاملاً آسيويًا، ويمكن كذلك التذكير بحوادث أخرى مماثلة أخذت الكثير من الاهتمام واللغط، ولكن الأصداء حولها انتهت عند حدود معينة وزمن محدد وانتهى الأمر، وكأن شيئًا لم يكن، وربما علينا أن نقتنع بأن شيئًا مهمًا وجوهريًا على طريق المعالجات الحازمة والصائبة لن يحدث، وربما علينا أيضًا أن نرصد ونتابع ونسجّل ونوثق كل الكتل الضخمة من التصريحات التي تصدر على وقع كل حادث، مع الانتباه إلى ما يعنيه ذلك..! لا تذهبوا بعيدًا، تابعوا رجاءً ماذا سيحدث من تداعيات ونتائج على أرض الواقع فيما يتعلق بحادث بناية السلمانية الذي شهدناه مؤخرًا، وهو الحادث الذي أدّى إلى وفاة أربعة من قاطني المبنى، بالإضافة الى 7 حالات حرجة من بين 32 حالة أوصلت إلى المستشفى، من ضمنها من أصيب بحروق شديدة، وهناك من ذكر أن المبنى ضمّ ما يقارب 100 عامل، وهناك من ذكر أنهم يقاربون المائتين، كلهم محشورون حشرًا في مبنى غير صالح للسكن آيل للسقوط، بشكل يخلوا من أدنى احترام لآدمية الإنسان..!! الحادث يسلّط الضوء، كما هو الحال بالنسبة إلى الحوادث المذكورة وغيرها، على ملفات مسكوت عنها، أو ملفات لم تعالج كما يجب وتفتح جروحًا غائرة، بدءًا من ملف البيوت الآيلة للسقوط، وانعدام الرقابة والتفتيش على تأجير البيوت القديمة بالباطن للعمالة الأجنبية، وافتقار هذه البيوت إلى احتياطات الأمن والسلامة والاشتراطات الصحية والنظافة، ورصد المخالفات الفجّة في هذه المباني من عمّال يسكنون مثل علب السردين الضيّقة، وتراخٍ في رصد المخالفات ومحاسبة الملاك والسكّان المخالفين، وعمّال برخص منتهية، مرورًا بالجوانب الإنسانية والحقوقية المضروبة بعرض الحائط، علاوة على الجوانب الأمنية والاجتماعية، بالإضافة إلى التشوّهات الحاصلة والفجّة بكل معنى الفجاجة في سوق العمل..! إن كانت ثمّة كلمة أخيرة في خصوص هذا الموضوع، فهي أن كل الأطراف يجب أن تتحمّل مسؤولياتها، المسؤوليات الفعلية لا الشكلية أو الآنية أو التي تحسب ردّ فعل وقتي، المطلوب أن تتحمّل هذه الجهات مسؤولياتها كما يجب، بما يضع حدًا نهائيًا لكل تلك المخالفات والتجاوزات، مع ضرورة الانتباه إلى أنه من الخطأ الفادح اختزال حادثة مبنى السلمانية، وما قبل هذه الحادثة، وربما ما بعدها، في حدود أن مبنى هنا أو هناك قد انهار، أو نُكب، بل المسألة تتعدى ذلك لتشمل انهيار قيم ومبادئ ونظم، وهنا وجه الخطورة، وهذا ما يجب أن يتوقف عنده مليًا أصحاب الشأن والمسؤولية والاختصاص..!
مشاركة :