التعليم بالمدارس الأجنبية صداع يؤرق الأسر المصرية

  • 10/23/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تشكو الكثير من الأسر المصرية من تراجع مستوى التعليم بالمدارس الأجنبية كالمعهد البريطاني، ويلفت الأولياء إلى أن المعهد الذي يكلفهم مصاريف باهظة لم يجدوا فيه ضالتهم بل التجأوا إلى مراكز تعليم موازية للاستفادة من الدروس الخصوصية، ولم يخلصهم التعليم الأجنبي من عذاب المدارس الحكومية، في حين يوضح مسؤلون بالمدارس الأجنبية أن هوس الأولياء بالدرجات العالية يفقد أبناءهم التركيز ويحرمهم من تنمية مهاراتهم. القاهرة - تحول التعليم بالمدارس الأجنبية في مصر إلى هاجس يؤرق الكثير من الأولياء، إذ تفاجأوا بقصوره في كثير من الجوانب التنظيمية والتعليمية، كما لم تكن هذه المدارس بمنأى عن مشاكل المدارس الحكومية اليومية، وهو ما خيب آمال الأسر التي دفعت مصاريف باهظة مقابل رسوم التسجيل الفقط، فيما اختار الكثيرون البحث عن ضالتهم التعليمية في المراكز الموازية واللجوء إلى الدروس الخصوصية. ورصدت “العرب” عن قرب الإقبال المكثّف على الحجز في بعض المراكز المنتشرة في المناطق المختلفة بالقاهرة، حيث تشهد الفترة الممتدة من سبتمبر إلى نهاية أكتوبر من كل سنة، إقبال الآلاف على المراكز التعليمية لحجز مكان مبكر للدروس الخصوصية، أو كما يطلقون عليها مسمى”الكورسات” في مختلف المواد ابتداءً من مطلع نوفمبر القادم. ويتراوح سعر المادة الواحدة بين 8 آلاف جنيه إلى 11 ألف جنيه (ما يعادل 474 إلى 615 دولارا) شاملة كل الحصص، وعلى الطلبة المبادرة بالحجز قبل بدء الكورس بشهرين وإلا لن يجد الطالب مكانا شاغرا مع المدرس الأكثر خبرة في تدريس المادة المختارة. وأفصح أولياء الأمور القابعون في سياراتهم الفارهة أمام أحد هذه المراكز بمدينة نصر (شمال القاهرة)، عن مدى إحباطهم من منظومة التعليم الأجنبي بالبلد. مزايا كثيرة بالتعليم الأجنبي، لكن بعض أولياء الأمور لا يعطون أبناءهم الفرصة كي يستفيدوا منها لهثا وراء أعلى درجة وتقول إيمان عفيفي (والدة تلميذ) لـ”العرب”، إن “تجربتها مع المدارس الدولية فاشلة، فقد حولت ابنها من الصف السابع الخاص (الأول الإعدادي) إلى هذا النظام بعد أن بدأت مدرسة اللغات الملتحق بها تحذو حذو المدارس الحكومية بتقديم مستويات متدنية من التعليم يرافقه ارتفاع في عدد الطلبة”. وعندما أصبح ابن هذه السيدة في الصف العاشر (يوازي الصف الأول الثانوي) -وهو بداية الشهادة الدولية- تحول المنزل إلى ما يشبه مركز تدريس مصغرا يستقبل المدرسين ومطالبا بتوفير الكتب ومصاريف المدرسة، وهو ما يجعل العائلة أمام ضغط معنوي ومادي. ودفع عدم رغبة الأم في تكرار معاناة السنة الدراسية الماضية ورهن المنزل لساعات طويلة للدروس الخصوصية، إلى البحث عن المركز التعليمي لتحجز لابنها “كورسات” في 4 مواد اختارها لتطوير مهاراته في الموسم الدراسي الجديد. واعتقدت إيمان بانتقالها إلى التعليم البريطاني أنه سيسهل على ابنها مهمته، غير أنها اكتشفت من خلال التجربة أنها أخطأت الاختيار ووضعته تحت ضغط يستمر 3 سنوات متتالية. وتوضح أمل محمد، والدة طالبة بالصف الحادي عشر (الثاني الثانوي) لـ”العرب”، أنها جاءت بعد اتصال هاتفي من المركز يخبرها بأنه لم يقع استكمال تسديد إجمالي المبلغ الذي أودعت جزءا منه قبل شهرين، وأنه سيتم إلغاء اسم ابنتها من الكشوف عند المدرس الأكثر شهرة في اللغة الإنكليزية. وتستطرد الأم بلهجة مستاءة “عندما التحقت ابنتي الوحيدة بإحدى المدارس الدولية اعتقدت أنني أخفف عنها ضغط الثانوية العامة الذي يؤرق مضاجع الأسر في مصر، لكني اكتشفت عكس ذلك”. وتستغل المدارس الأجنبية فرصة الإقبال المكثف للربح السريع وتعتمد على معلّمين، بحجة أنهم أجانب، غير مؤهلين للتدريس مع غياب الرقابة عنهم من الجهات الرسمية. والمعهد البريطاني ليس بمنأى عن هذا الخلل إذ يتجسد ذلك في العثرات التي يضعها أمام التسجيل للامتحانات وإصراره على التسجيل للطالب من خلال المدارس، وهو ما يجعل الأولياء يدفعون معاليم للمدرسة، ويصبح لزاما على هذه الأم اللجوء إلى المركز التعليمي التابع لها، كي تدرس ابنتها المادة مع مدرس آخر، إضافة إلى رسوم كبيرة في حالة اللجوء إلى تحسين مستواها التعليمي، إذا حصلت على تقدير سيّء بسبب صعوبة الامتحانات. وتستنتج السيدة أن “النظام داخل المدارس الأجنبية تحول إلى نسخة طبق الأصل من نظام الثانوية العامة المصرية، مع الفارق في المصروفات، والاتساق في النهايات من خلال الالتحاق بجامعات خاصة”. وكان أحد أولياء الأمور يتابع شكوى إحدى السيدات فالتقط طرف الحديث قائلا بنبرة تفيض بخيبة الأمل، إن أحد المسؤولين عن التعليم البريطاني في مصر حدثه عن تراجع مستوى المدارس الأجنبية ووصف المتغيرات التي طرأت على نظام التعليم في مصر بكونها غير أخلاقية، كما أنها تصرفات غير مسؤولة من أولياء الأمور. لأسر دخلت إلى النظام البريطاني -والأميركي بعقليات مصريةلأسر دخلت إلى النظام البريطاني -والأميركي بعقليات مصرية وقدم المسؤول مثالا على قواعد نظام الإعادة، مشيرا إلى أن الغرض الرئيسي منها هو حماية الطالب من أي ضغوط، لكن ما يحدث كان العكس فقد حولها أولياء الأمور إلى وسيلة ضغط شديد على الأبناء بإدخالهم عدد الأدوار المتاحة وفي كل المواد تقريبا، ومنحهم الدروس الخصوصية واللجوء إلى المراكز التعليمية، ما يضر الطالب ولا يحقق الهدف التعليمي المرجو. وأشار مصدر بالمعهد البريطاني لـ”العرب” إلى أن “المدارس الأجنبية أنتجت أجيالا تتمتع بقوة وطلاقة في اللغات الأجنبية وعلوم الكومبيوتر والمواد العلمية، وكانت الضامن الوحيد لمستقبل مشرق لهم بضمان وظيفة محترمة ومرتب مرتفع داخل الدولة أو خارجها”. واعتبر “الشهادة المعتمدة دوليا ضامنا لمواطني الدول العربية في حالة حدوث قلاقل بالبلد إذ يستطيع الشخص من خلالها أن يجد في دول العالم ملجأ ووظيفة له بتلك الشهادة”. واستنكر المصدر ما يحدث الآن، موضحا أن المسؤولين في بريطانيا ليست لديهم نية إثارته أو التدخل فيه، مع أن الظواهر السلبية التي بدأت تدب في أوصال التعليم أصبحت مُلفتة للأنظار. وأكدت مارجو -مسؤولة عن القسم البريطاني بأحد المدارس الدولية- أن المزايا الموجودة في هذا التعليم كثيرة، لكن بعض أولياء الأمور لا يعطون أبناءهم الفرصة كي يستفيدوا منها لهثا وراء أعلى درجة يحصل عليها الطالب في المادة. وقالت “إنهم يدفنون مرحلة مهمة من حياة الطالب لاكتساب مهارات التلخيص والبحث والتفكير وحل المشاكل التي تقابله بنفسه ولا يعيرون الطالب اهتماما كما لا يمنحونه الفرصة لترتيب أولوياته ويجبرونه على مواد يضمن بها الحصول على الدرجات النهائية، في تجاهل تام للمواد التي يميل إليها ويبرع فيها”. وتابعت “الدرجات لم تعد بذات الأهمية لنجاح الفرد فالشركات وسوق العمل تبحثان بالأساس عن المهارات والشخصية”. ويعتقد خبراء أن المشكلة تكمن في أن الأسر دخلت إلى النظام البريطاني -والأميركي أيضا الشبيه به- بعقليات مصرية، حيث تسطير على هذه الأسر رغبة عارمة في دخول الكليات المهمة.وتصر على ذهاب أبنائها إلى مراكز الدروس الخصوصية لتلقينهم حفظ الإجابات والتدريب على خدع الامتحانات تحسبا لمواجهة عراقيل تعيق حصول الطالب على الدرجة التي يطمح إليها. ونتيجة لذلك يقع تركيز الطالب فقط على الدرجات، بينما النظام البريطاني أساسه المهارة في مجال معين وليس الحفظ والتلقين للحصول على الدرجات النهائية في البيولوجيا والفيزياء والكيمياء والرياضيات. أمام هذا الضغط يحاول المسؤولون البريطانيون تعديل الدرجات بوضع المزيد من الشروط ومتطلبات دخول الجامعة وتغيير المناهج كما حدث مع بداية العام الحالي. وحسب قاعدة البيانات الرسمية لوزارة التربية والتعليم، فإن إجمالي عدد المدارس الأجنبية يبلغ 768 مدرسة موزعة على المحافظات المصرية، متنوعة الجنسيات لكن أكثرها إقبالا المدارس البريطانية والأميركية. ويعترف أولياء الأمور بتمصير التعليم البريطاني ما يصطدم ببيئة مدرسية واجتماعية وثقافية شديدة التعقيد، تحول في الغالب دون تحقيق طموحاتهم.

مشاركة :