تنامت الحاجة في السنوات القليلة الماضية إلى ممارسة الرياضة إما في الأماكن المفتوحة المخصصة لذلك أو في الأندية ومراكز اللياقة البدنية فالبعض يطمح إلى أن يمتلك جسمًا متناسقًا خاليا من السمنة والأمراض المصاحبة لها، ويسعى آخرون ليصبحوا مفتولي العضلات أو أبطال كمال أجسام، وهذه ظاهرة صحية تدل على وعي متحضر بأهمية ممارسة الرياضة، ولتحقيق ذلك بتنا نشاهد اليوم انتشارا واسعا لمراكز اللياقة البدنية والأندية الرياضية التي تقدم خدمات للجمهور بعروض مغرية. الإقبال على هذه المراكز كبير جدًا من قبل مختلف الفئات العمرية والجنسية، ما زاد الطلب على مدربي اللياقة البدنية، وهذه المراكز تقوم بعمل يكاد يكون متخصصا ولا يقل عن مجال العلاج الطبيعي في المراكز الطبية، حيث يرتادها أشخاص تتفاوت بناهم الجسدية والنفسية ورغباتهم المختلفة فمنهم من يطمح في التخلص من السمنة ومنهم من يبحث عن لياقة بدنية وجسم مفتول ومنهم من يسعى ليكون ذا عضلات منتفخة وجسم حديدي وبطل في رياضة كمال الأجسام، وللتعامل مع هذه الفئات لا بد أن يكون المدرب ذا خبرة ودراية ولديه معرفة واسعة بالجسم البشري وفهم تركيب ووظائف أعضاء الجسم وأجزائه وكيف تقوم بعملها، كما لا بد أن يكون المدرب ملما بكيفية تفاعل الجسم مع التمارين والتدريبات «فسيولوجية الجسم» ليحقق أفضل النتائج، وفي الوقت نفسه، فإن عليه أن يقوم بتطوير برامج اللياقة البدنية ومراقبة خطة التدريب الرياضي لكل متدرب، كل هذه المهارات لا بد أن تبنى على دراسة علمية متخصصة في هذا المجال وليس مجرد ممارسة ثم يتحول بقدرة قادر إلى مدرب. هناك أمر آخر وهو البروتينات والمنشطات التي يتناولها الشباب بغرض تضخيم عضلاتهم والحصول على جسم رياضي، فإنه لا بد على المدرب أن يوعي الشباب بترشيد تناول هذه المواد من دون إسراف قد يؤدي بهم إلى مضاعفات صحية، وعلى مدرب اللياقة البدنية فهم ذلك جيدًا فالمدرب لا يبيع سلعة تجارية قابلة للترويج ولكنه يتعامل مع جسم بشري يختلف من شخص لآخر. لذا فإن ترك مهنة «مدرب اللياقة البدنية» من دون وضع معايير وضوابط واشتراطات لمزاولتها بلا شك سوف يؤدي إلى سوء استخدام أو إفراط في تقديم البرامج التدريبية لمرتادي هذه المراكز أو الأندية، وضعف خبرة المدرب وعدم كفاءته للقيام بهذا الدور في تشكيل الجسم البشري قد يتسبب بمضاعفات كالتمزق العضلي أو تمزق الأربطة أو كسور في الذراع أو الساق وحتى الظهر نتيجة القيام بتمارين لا تتناسب والبنية الجسدية لكل شخص، وقد رأينا البعض منهم أصيب بتمزقات عضلية نتيجة لممارسة برنامج غير مناسب لبنيته الجسدية أو نتيجة لرغبته في زيادة قوة وحجم عضلاته في وقت قياسي، ما يدفع المدرب لتكثيف الأوزان ويتسبب له بكسور أو انفجار شرايين وما إلى ذلك من إصابات هذه الرياضة، وهذا يعود إلى عدم احترافية المدربين أو أنهم غير مؤهلين لهذه المهمة. إصدار قرار ينظم آلية عمل وتسجيل المدربين في أندية اللياقة البدنية أمر مهم جدًا والأهم من ذلك وضع رخصة ذات معايير دولية لمزاولة هذه المهنة، فكما نعلم أن البحرين بلد المؤسسات والقانون، ويجب أن تخضع جميع جوانب الحياة المدنية لقوانين تنظم عملها بصورة تكفل حقوق الجميع وتحد من الاستغلال وتضمن تحقيق جودة في الأداء والمخرجات، ومنها الأندية ومراكز اللياقة البدنية أسوة بالدول الأخرى التي قطعت شوطًا في هذا المجال ومنها إمارة أبوظبي؛ إذ أصدر مجلس أبوظبي الرياضي في مارس 2018م لائحة تنفيذية تنظم إجراءات تراخيص الأندية الصحية «تراخيص وتسجيل المدربين في أندية اللياقة البدنية» وفقًا لمؤهلاتهم وشهاداتهم العلمية، وللمجلس الحق في ترخيص وتنظيم أنشطة هذه المراكز والإشراف عليها بحسب الشروط والمواصفات المقررة لذلك. أما في الأردن فقد أقر المجلس الأعلى للشباب شروط التقدم للحصول على هوية مدرب لياقة بدنية/صحية: بحيث يكون لائقا صحيًا بموجب شهادة طبية، وحاصلا على الشهادة الجامعية الأولى في تخصص التربية البدنية وعلوم الرياضة، ويجب عليه اجتياز ما نسبته 60% من الساعات المقررة لطلبة مستوى السنة الثالثة والرابعة. وعليه فإننا نأمل من المجلس الأعلى للشباب والرياضية ووزارة الشباب والرياضة وضع ضوابط لممارسة هذه المهنة بحيث لا يسمح لأي شخص بمزاولتها ما لم يتم الحصول المسبق على ترخيص رسمي من جهة رسمية معتمدة، على غرار مزاولة مهنة التدريب الرياضي والتحكيم في المباريات الرياضية الذي طبقته وزارة الشباب والرياضة منذ سنوات. وموضوع أهلية المدربين يجرنا إلى سؤال لا بد من طرحه: هل هناك رقابة ومتابعة على الخدمات التي تقدمها المراكز وأندية اللياقة البدنية وما يدور داخل هذه الصالات، وهل تقوم بالفعل بتأدية نشاطها بصورة صحيحة بما يكفل حماية العملاء؟ هذا ليس تشكيكا، بل لضمان جودة مخرجات هذه المنشآت الرياضية.
مشاركة :