الأثرياء والفقراء في ميانمار يدخرون معا الذهب من أجل الآخرة

  • 1/7/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يجثم عاليا فوق جدار متجر البائع يو زاو وين في العاصمة يانجون صندوق صغير من الصفيح متواضع الشكل. وهذا الرجل الذي يبلغ من العمر 41 عاما ويعمل بائعا لإكسسوارات السيارات ويدير مشروعا تجاريا متواضعا بضاحية مايانجوني بالمدينة، اعتاد طوال 15 عاما بوازع من المشاعر الدينية على استقطاع حصة من أرباحه اليومية ليضعه داخل هذا الصندوق. ويقول مشيرا إلى الصندوق الموضوع فوق مذبح يقع بجوار تمثال صغير لبوذا، وإلى فازتين مملوءتين بالأزهار «إنني لم أنس أبدا ادخار النقود اللازمة للهبات». ويقدر الرجل أن الصندوق يحتوي على نحو 30 ألف دولار تم ادخارها على مدار سنين، وهذا المال مخصص بأكمله لأعمال التجديدات في «معبد شويداجون» أكثر المواقع البوذية قداسة في ميانمار. وهذا الضريح المشيد على شكل قبة ويبلغ ارتفاعه مائة متر ويعلو فوق مباني يانجون التي تعد أكثر مدن ميانمار ازدحاما بالسكان، تحيط به حاليا سقالات من أعواد الخيزران، حيث يقوم العمال بتلميع الغطاء الذهبي الذي يكسو القبة، وإحلال عدد من الصفائح الذهبية الرقيقة والصلبة التي تزين الأجزاء العليا من المعبد. ويقول زاو وين ووجهه يتألق بالرضا إنه تبرع للمعبد بكمية من الذهب تزن إجماليها 45 كياتا، وحيث إن كياتا وهو مقياس للأوزان في بورما يساوي تقريبا 33.‏16 غرام فإن الوحدة منه من الذهب تساوي حاليا نحو 600 دولار. وأوضح زاو وين قائلا إنه «بادخار مبلغ صغير من المال كل فترة، فإنني أتبرع بما قيمته 3 كياتا من الذهب كل عام لصالح تجديد معبد شويد اجون». ويتم تمويل أعمال تجديد المعبد من التبرعات الفردية من الناس العاديين، بالإضافة إلى الجمعيات الدينية في مختلف أنحاء ميانمار. ويدفع كثير من الأشخاص في هذه الدولة التي يدين غالبيتها بالبوذية جزءا كبيرا من دخولهم لصالح الأغراض الدينية أو الخيرية، بهدف تحسن حظوظهم في الحياة الأخرى. وأشار تقرير للبنك الدولي صدر هذا الأسبوع إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في ميانمار يبلغ 1105 دولارات فقط، كما أن معدل الفقر فيها من بين أعلى المعدلات في منطقة جنوب شرقي آسيا حيث يبلغ 5.‏37 في المائة. غير أن كثيرا من الأسر لا تزال تستطيع ادخار مبلغ يتراوح ما بين 600 إلى 3600 دولار لشراء صفيحة ذهبية حسب حجمها، وذلك من أجل تجديد المعبد البوذي. وأوضح سين وين أونج رئيس مجلس أمناء صندوق معبد شويداجون أن «ثمة أعمال تجديد تجرى كل عام، غير أننا نقوم في العام الحالي بعملية تجديد كبرى تحدث مرة واحدة كل 5 أعوام». وقال إنه يتم إحلال 15 ألفا على الأقل من الصفائح الذهبية للمعبد التي يبلغ عددها 22 ألفا، وهي عملية تحتاج إلى 735 كيلوغراما من الذهب. وأضاف: «ولهذا السبب يتطلع الناس بشغف للتبرع هذا العام». ومن ناحية أخرى أشار أونج تون سكرتير جمعية «ياداناتايا ثاماجا» الدينية بضاحية سانشاونج بالعاصمة يانجون إلى أن هذه الجمعية وضعت أكثر من 1800 صندوق صغير من الصفيح بداخل المتاجر والمقاهي في جميع أنحاء الضاحية لجمع التبرعات للمعبد هذا العام. وقال إن الجمعية تبرعت بأكثر من 2.‏3 كيلوغرام من الذهب، وإن التبرعات التي تحصل عليها الجمعية تأتي أساسا من صناديق الادخار المخصصة منذ عدة عقود، مضيفا أن الجمعية ظلت تتبرع لصالح المعبد لمدة 64 عاما متواصلة. وأشار تقرير أصدرته الشهر الماضي مؤسسة المعونة الخيرية ومقرها بريطانيا إلى أن مواطني كل من ميانمار والولايات المتحدة ينفقون أعلى معدل للأموال والوقت في العالم على الأعمال الخيرية. وأوضح التقرير أن الدين والثقافة يلعبان دورا في هذا الاتجاه، كما أن أكثر من نصف مليون راهب بوذي في ميانمار يتعيشون أساسا على هبات الأفراد. ويتبرع زهاء 91 في المائة من مواطني ميانمار بالمال وهو معدل يفوق أي دولة أخرى، وفقا للتقرير الذي جاء به أن ما نسبته 51 في المائة من المواطنين يتطوعون للقيام بأعمال خيرية منفقين وقتهم، وما نسبته 49 في المائة منهم يقدمون يد المساعدة للغرباء. وتذهب بعض التبرعات لصالح التعليم الديني أو للخدمات الاجتماعية ذات الأساس الديني، غير أن كثيرا من هذه التبرعات يذهب لصالح الذهب الذي يسطع فوق قباب آلاف المعابد البوذية في ميانمار. وأوضح الراهب البارز في ميانمار سيتاجو سيادو آشين نيانيسارا أن التبرع بالمال يعد من المعتقدات المهمة في البوذية. وتعد البوذية هي الديانة الغالبة في ميانمار، ويعتقد أتباعها بانبعاث أرواح الأموات في حياة جديدة إما على شكل بشر أو حيوانات. وقال الراهب «حيث إن الثواب من أساسيات البوذية، فإن منح الهبات يعد ممارسة شائعة في بلادنا». وأضاف: «إن الحصول على الثواب يعني الحصول على الجزاء الحسن مما يجلب الحظ الجيد لك في الحياة الدنيا وكذلك في الآخرة». ومع ذلك فإن التبرعات المالية الصغيرة هي أدنى أشكال الحصول على الثواب كما يقول الراهب نيانيسارا، مؤكدا أن الأعمال الخيرة الأخرى مطلوبة أيضا لضمان عودة المتوفى إلى الحياة مرة أخرى في شكل جديد مميز. غير أن الراهب أعرب عن أسفه «لأن معظم مواطنينا فقراء، وبالتالي فهم يجمعون الأموال اللازمة للتبرع ببطء بطريقة نطلق عليها (آسانا كان) أي الثواب اليومي وهي تشبه ادخار المال في الحياة الدنيا من أجل المستقبل».

مشاركة :