فاقداتُ أطرافٍ فتحنَ قلوبهن لـ«القبس»

  • 10/26/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مي السكري | فاقدات أطراف، تحدين الظروف بثقة عالية بالنفس، ليقهرن المأساة التي بترت سيقانهن أو أيديهن إلى الأبد.. وانتصرن على ذاتهن بقوة الإرادة وإرادة القوة، وأغلقن أبواب اليأس وشرعن- بالطموح- بوابات الأمل. لم يمنعهن ما بتر منهن من مشاركة الآخرين «جمعاتهن» ومناسباتهن والاهتمام بأنوثتهن واختيار أزيائهن الجميلة خجلاً من أجسادهن، بل فرضن وجودهن على المجتمع بأطرافهن الصناعية التي تحاكي الطبيعية وافتخرن بها وكأنها جزء لا يتجزأ منهن. ورغم أنهن فئة اجتماعية ظاهرة للعيان، تعشق الحياة وتتناسى مراراة الواقع، فإن ثقافة المجتمع السلبية تجاههن جعلت الكثير منهن يظنن أن هذا هو القدر الذي لا مناص منه، فبتن يقبلنَ بالتهميش، وبقيت الفجوة بين الحقوق القانونية ونظيرتها الاجتماعية واضحةً جداً، تعيشها مبتورات الأطراف بدءاً من «أحلامهن المبتورة» وضياع فرصهن في تكوين عائلة أو الاندماج في العمل، وانتهاء بتقبل المجتمع لهن كفئة قادرة على مواصلة الحياة بلا انتقاص أو شفقة. القبس التقت عددًا من بنات هذه الفئة من مختلف الأعمار والظروف، حيث طالبن بتوفير مركز فني شامل لمبتوري الأطراف يضم عيادات للتأهيل النفسي والاجتماعي، وأخرى لمتابعة الحالات الصحية، فضلاً عن توفير أجهزة تعويضية إلكترونية ذكية، إلى جانب ندائهن بضرورة تفعيل بنود القانون الخاص بذوي الإعاقة من جميع الجهات والوزارات المعنية. تعيش شهد الصايغ، وهي في ربيعها الـ26، بيد واحدة بعدما بترت يمناها نتيجة عيب خلفي منذ الولادة ونقص في نمو أطراف اليد والقدم، لكنها لم تجزع ولا يئست يومًا، بل انكبت صابرة بقضاء الله وقررت مواجهة المجتمع بإعاقتها وعدم الخجل منها. تقول الصايغ لـ القبس ببسمة لم تُفارقها: لم أشعر بالعجز أوالنقص يومًا، تحديتُ إعاقتي وتعايشت مع الطرف الصناعي ومارست حياتي بشكل طبيعي وقيادة السيارة بيدي اليسرى. ولفتت إلى أن الأمل لا يستمد من الجسد، بل من الروح المؤمنة بالقضاء والقدر، التي تجاهد لإثبات ذاتها، مشيدة بدعم والديها الدائم لها لتجاوز إعاقتها ومواصلة حياتها بشكل طبيعي، والاعتماد عليها في جميع الأمور لتكون بمنزلة الذراع اليمنى لوالديها. وتضيف: أفتخر بطرفي الالكتروني الذي لا أستغني عنه، وإعاقتي جعلت لحياتي نكهة يفتقدها كثيرون. وعبرت عن اعتزازها باعاقتها وأنها تلقت تعليمها في مدارس التعليم العام وواصلت دراستها الجامعية والعمل موظفة في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي. وطالبت بتوفير مركز خاص وشامل للأطراف الصناعية، يوفر جميع الأجهزة والمواد المتطورة لتسهيل عناء السفر وتخفيض التكاليف على الدولة. حققتُ أمومتي بدورها، قررت زكية مدي إبعاد الأحاسيس السلبية واكتفت بكل ما هو إيجابي لتتجاوز اعاقتها، في ملحمة ملهمة من قصص الكفاح والاصرار، خصوصًا أنها أمٌ وجدّةٌ وموظفةٌ متقاعدة، فقدت ساقها منذ الصغر في حادث مروري. تقول مدي لـ القبس: لم تعد الساق المفقودة بالنسبة لي إلّا مجرّد جزء صغير من أشياء كثيرة ما زلت أنعم بها في حياتي، معربة عن اعتزازها بتجربتها، وأنها أجرت عملية البتر وكانت من أوائل الذين استخدموا الطرف الصناعي عام 1973 وهي في الرابعة عشرة من عمرها. وتابعت: أجريت عمليات عديدة قبل البتر، باءت كلها بالفشل وساءت حالة القدم مما اضطرني إلى الموافقة على إجراء عملية البتر فوق الركبة وكنت وقتها في عمر المراهقة والنضوج، وبعد استشارة كادر طبي أجنبي رفضت اسرتي الفكرة في البداية، إلا أن إصراري أجبرهم على الموافقة. وأشارت الى انها لم تواجه صعوبة عند البتر، لأنها كانت مؤهلة نفسيًا على تقبل ذلك فهي لم تكن تستخدمها لمدة تسعة أعوام قبل البتر، لكنها واجهت صعوبة في عمل توازن في الحركة والمشي. وقالت انها بدأت بعد ذلك مرحلة التأهيل لاستخدام الطرف الصناعي والتعايش معه بشكل طبيعي من دون استخدام الأجهزة التعويضية (العكاز او الكرسي المتحرك)، وكان لدي دافع قوي لاعتمد على نفسي بمساعدة الطرف الصناعي وأن أتعامل معه وأنه جزء مني. ولَم تؤثر الإعاقة في مسيرتها التعليمية والوظيفية، حيث مارست حياتها بشكل طبيعي في كل المراحل العمرية حتى أنهيت مرحلة المتوسطة والتحقت بمعهد الموسيقى وحصلت على شهادة الثانوية الموسيقية وبحثت عن وظيفة. واسترسلت: عندما كنت موظفة قبل الزواج، كنت افتخر باعاقتي ولَم أخجل منها وكنت ارتدي الملابس العادية التي تكشف إعاقتي. فلم تعق الإعاقة حلمها في تحقيق الاستقرار الأُسَري، حيث تزوجت عام 1986 ونجحت في حياتها الزوجية أماً وجدة، ولم تُنكر أن البداية كانت صعبة عليها. وأشارت مدي إلى أن زوجها ارتبط بها لقناعته بأن الإعاقة ليست حاجزا عن تكوين أسرة، وأن رفض والدتها فكرة ارتباطها في البداية كان خوفا عليها من إساءة معاملتها، لكنها نجحت في تحقيق حلم الأمومة وإدارة منزلها بمفردها وتربية أبنائها. واختتمت بقولها ان خجل بعض الأسر من اعاقة بناتهن والخوف الزائد عليهن يدفعان العديد من الفتيات إلى رفض الارتباط، داعية إلى دعمهن وزرع الثقة لديهن وعدم وصفهن بعبارات جارحة تؤثر عليهن نفسيا واجتماعيا. مواجهة حتمية استهلت حصة الدلماني حديثها لـ القبس بقولها: «إعاقتي لم تعق طموحاتي وأهدافي، بل كانت سبباً لتميزي ونجاحي»، وهي تعاني من فقدان يدها منذ الولادة. ورأت الدلماني أن الإعاقة ليست اعاقة الجسد بل إعاقة الفكر والعقل والهمة، مشيدة بدور والديها ودعمهما الدائم لها لتجاوز إعاقتها وممارسة حياتها بشكل طبيعي دون أن يؤثر ذلك فيها نفسيا واجتماعيا وتعليميا. واستذكرت أول طرف صناعي تم تركيبه لها، حيث كانت في قمة سعادتها وقتها وكانت تظن أنها ستعتمد عليه، وأنه سيكون جزءا لا يتجزأ منها، غير أنها لم تستطع التكيف معه، الأمر الذي دفعها إلى الاستغناء عنه، في حين كان اعتمادها الأكبر على الطرف الصناعي التجميلي في المناسبات. وأبدت أسفها من نظرة المجتمع الدونية تجاه ذوي الإعاقة القائمة على الشفقة والعطف، وقالت «رغم انتمائي لمجتمع إسلامي متقدم ومتعلم، إلا أنه رجعي في نظرته للمعاق». ودعت أقرانها وقريناتها من فاقدي الأطراف إلى مواجهة نظرة المجتمع بشكل حتمي، وعدم الانغلاق على أنفسهم والاندماج مع الآخرين، قائلة: «الوطن يريدنا ويريد عطاءنا، ونحن قادرون على تقديم الكثير، فقدموا وحلقوا بطموحاتكم وأهدافكم». تحديات وصعاب لخصت مبتورات الأطراف أبرز التحديات التي تواجههن في نقاط عدة، منها: ـ العادات والتقاليد ونظرة المجتمع الدونية، تبتر طموحاتنا وتحرمنا من أبسط الحقوق. ـ عدم دعم الأسر لبناتها من ذوات الاعاقة الحركية في المشاركات الاجتماعية والرياضية والثقافية. ـ لا مراكز متخصصة مزودة بفنيين متخصصين في تركيب الأطراف الذكية وبرمجتها، ولا ورش للصيانة. ـ المواد المستخدمة في تصنيع الأطراف قديمة ولا تواكب التطورات الحديثة المتبعة في الخارج. ـ توفير مبان مؤهلة إنشائيا وبيئيا للجمعيات المعنية بحقوق ذوي الاعاقة من حيث المصاعد والرامات لتيسر إمكانية الوصول. طرف صناعي في شهر العسل كشفت مدي عن تركيب أول طرف صناعي حديث لها في شهر العسل في ألمانيا خلال ثلاثة أيام، كما قامت بتركيب أول طرف إلكتروني. واستذكرت أول وظيفة لها عندما كانت «مشرفة موسيقى» في دور الرعاية الاجتماعية – قسم المعاقين، حيث كانت تشاركهم همومهم وتحاول رسم البهجة على وجوههم من خلال الموسيقى والترفيه. اللجان الطبية تحدثت مدي عن معاناة مبتوري الأطراف من تقييم حالاتهم في اللجان الطبية في المراكز الصحية والمستشفيات، فضلا عن صعوبة الموافقة على ابتعاثهم للدول التي توفر الأطراف الإلكترونية المتطورة التي تناسب ظروف كل حالة وصيانتها. إكسسوارات مختلفة ذكرت زكية مدي أنه لا يوجد اختلاف في أجهزة الطرف الصناعي سواء كانت يدا أو ساقا بالنسبة للذكور والإناث، مشيرة إلى تباين الإكسسوارات الإضافية مثل شكل القدم الذي يأخذ شكل الجلد الطبيعي القريب للون بشرة صاحب البتر، فهناك طرف مزوّد بشعر للرجال، وآخر بأنامل قابلة للصبغ للفتيات. نادٍ ترفيهي تمنت شهد الصايغ توفير ناد رياضي ترفيهي وثقافي واجتماعي لاستيعاب ذوي الاعاقة، مشيرة إلى أن نادي المعاقين الرياضي الحالي لا يوفر كل ما يحتاجه المعاق بشكل عام والمبتورون بشكل خاص من حيث الخدمات الترفيهية والتثقيفية، فضلا عن ارتفاع تكاليف العضوية. غرِّد ويانا الموسوي يدخل «غينيس» بارك فريق «أصدقاء المعاقين» في تغريدة على «تويتر» للغواص العالمي فيصل الموسوي، وهو من ذوي الاعاقة الحركية، بمناسبة دخوله موسوعة غينيس للأرقام القياسية في «أسرع غوصة» في العالم لمسافة 10 كيلومترات محققاً زمناً قدره 5 ساعات و24 دقيقة. أعمال ممتازة انتقد مغردون القرار الصادر مؤخراً بشأن حرمان ذوي الإعاقة من الأعمال الممتازة، معتبرين أنه يخالف الترتيبات التيسيرية التي تنادي بها الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص «ذوي الإعاقة» والقانون 2010/8. وطالبوا بإعادة دراسة القرار وأخذ ظروفهم الصحية بعين الاعتبار. التشكيك في الإعاقة أشار الناشط في مجال الإعاقة عيسى القلاف في تغريدة له إلى أن بعض الجهات بدأت بالتشكيك في ذوي الإعاقة، مضيفا «بدلا من خدمتهم ومساعدتهم أضحت تضايقهم وتنتزع حقوقهم».

مشاركة :