تتجاهل السلطات الليبية الأزمات المعيشية والأمنية التي يشهدها الجنوب رغم مناشدته المتكررة بإنهاء معاناته، وهو ما دفعه للتلويح بوقف ضخ النفط في أكبر حقلين تستغلهما شركة إيني الإيطالية، ما يشكّل إحراجا حقيقيا لحكومة الوفاق المدعومة بقوة من قبل روما. سبها (ليبيا) – أعلن حراك غضب فزان عزمه إيقاف ضخ النفط في محاولة للفت انتباه السلطة التي تتجاهل مطالبهم بـ”رفع التهميش والإقصاء”. وقال محتجون من الحراك في بيان مصور إن “هذه الخطوة جاءت لتحقيق مطالب إقليم فزان بالعيش الكريم”، مستعرضين الظروف القاهرة التي يعانيها سكان المنطقة “من ظلم الحكومات المتعاقبة، وانقطاع الكهرباء، إلى جانب شح السيولة النقدية، الأمر الذي أفضى إلى نزوح أهالي فزان إلى مناطق الشمال”. وقدم الحراك اعتذاره للشعب الليبي مشددا على أنه مضطر لإيقاف ضخ النفط بداية من 11 نوفمبر القادم، احتجاجا على “الظروف القاهرة التي يكابدها أهالي فزان، والتي تحولت من التهميش إلى الإقصاء”. ويتركز في الجنوب الليبي اثنان من أبرز الحقول النفطية وهما حقلي الشرارة والفيل. وفشلت مفاوضات جرت مساء الخميس بين معتصمين في حقل الشرارة النفطي ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله. وطالب المحتجون بنصيبهم من المحروقات وتأمين منطقتهم التي تشهد توترا مستمرا بسبب هجمات تنفذها مجموعات مسلحة محسوبة على المعارضة التشادية، وتعيين شباب الجنوب الخرّيجين في الحقول النفطية والشركات. ويحرج قرار إيقاف ضخ النفط من حقلي الشرارة والفيل اللذين تشرف عليهما شركة إيني الإيطالية، حكومة الوفاق خاصة وأنه يأتي قبل يوم من عقد مؤتمر باليرمو بشأن الأزمة الليبية. وتدعم إيطاليا بقوة حكومة الوفاق. وسبق لكتيبة محلية تابعة لحرس المنشآت النفطية فرع المنطقة الجنوبية أن قامت بقفل صمام حقل الشرارة في منطقه الرياينة في نوفمبر 2014 الذي يغذي مصفاة الزاوية وصمام حقل الفيل احتجاجا على انقلاب المؤتمر الوطني على نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2014. وقد بلغت الخسائر المالية المتراكمة التي لحقت بالبلاد جرّاء هذا الإغلاق، حسب موقع شركة إيني الايطالية، أكثر من 27 مليار دولار أميركي. وتقلّص تدخل الدولة لمساعدة السكان في مواجهة صعوبة الحياة ودعم المستشفيات بالأدوية التي تلزمها، نتيجة لحالة الانقسام السياسي، وهو ما جعل المدنيين يعيشون حياة معزولة يواجهون فيها مشاكلهم بأنفسهم. ويشكو سكان الجنوب خاصة من تردي الخدمات الصحية، إذ أن أغلب المستشفيات لا تعمل أو بصدد الصيانة، باستثناء البعض على غرار مركز سبها الطبي الذي يقدّم خدمات سيئة جدا. وتتقاسم قوات الجيش الموالية لسلطات الشرق ومجموعات مسلحة موالية لحكومة الوفاق، السيطرة على إقليم فزان. ويعتقد البعض أن بُعد الجنوب الذي يسمّى تاريخيا بإقليم فزان عن الساحل والعاصمة طرابلس، جعل منه غير مؤثر على اتخاذ القرارات السياسية ما حوله إلى إقليم هامشي، غير فاعل في القرار السياسي رغم ثرائه بالموارد الطبيعية. ويقول متابعون للشأن السياسي الليبي إن هذا التصعيد يمثّل رسالة للسلطات في طرابلس وللمجتمع الدولي وبعثة الأمم المتحدة، مفادها أن الجنوب تنازل بما فيه الكفاية، وسيكون رقما صعبا في المعادلة السياسية في المستقبل. ويرى هؤلاء أن الجنوب فشل على مدى سنوات في فرض نفسه كطرف ثالث في الأزمة الليبية وهو ما يعكسه تجاهل المبعوث الأممي غسان سلامة لمطالب محلية بزيارة الجنوب للوقوف على الأوضاع فيه والاستماع إلى سكانه مباشرة. ومنذ توليه لمهامه في يونيو 2018 لم يزر سلامة إقليم فزان، في حين زار مرارا المنطقة الشرقية حيث مقر مجلس النواب في طبرق والقيادة العامة للجيش في منطقة الرجمة، كان آخرها الزيارة التي قام بها الخميس رفقة نائبته ستيفاني ويليامز. وبحث المسؤولان الأمميان مع القائد العام للجيش خليفة حفتر آخر المستجدات على الساحة السياسية الليبية. ويشهد الجنوب الليبي منذ نحو أسبوعين توترا أمنيا بسبب مواجهات بين مجموعات مسلحة تابعة للمعارضة التشادية، وشباب المنطقة، وسط تجاهل تام من قبل حكومة الوفاق. ويستعد الجيش بقيادة خليفة حفتر لعملية عسكرية واسعة تستهدف تطهير منطقة الجنوب الليبي من العصابات المسلحة الوافدة من خارج البلاد، بمشاركة قوات من المنطقة الشرقية للمرة الأولى. وسبق للجيش أن خاض معارك ضد جماعات إرهابية انتهت بطردها من قواعد عسكرية مهمة كقاعدة الجفرة وبراك الشاطئ وتمنهنت. وقاد تلك المعركة اللواء 12 الذي يتزعمه العقيد محمد بن نايل. وأعلنت إدارة الدعم والتوجيه المعنوي بالقوات الخاصة، الخميس، في بيان عبر صفحتها على موقع فيسبوك، أن حفتر أمر القوات الخاصة (الصاعقة)، التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي، بالاستعداد من أجل التوجه إلى الجنوب، والمشاركة في معركة تحريره من الميليشيات الأفريقية المتمركزة فيه. وشاركت قوات الصاعقة بشكل أساسي في تحرير مدينتي بنغازي ودرنة من الجماعات الإرهابية. وكان حفتر، أعلن الجمعة الماضي، إطلاق عملية “حوض مرزق” بالتنسيق مع عمليات المناطق العسكرية “الوسطى وسبها وبراك وأوباري وغات ومرزق والكفرة، بهدف ملاحقة العصابات الأجنبية المسلّحة حتى طردها إلى بلدانها الأصلية، وتحرير منطقة الجنوب بالكامل”. وزار خليفة حفتر الأسبوع الماضي تشاد حيث التقى الرئيس إدريس ديبي، في زيارة غير معلنة.
مشاركة :