تتواصل في ليبيا الضغوط على رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة لدفعه إلى تسليم السلطة للحكومة المكلفة من البرلمان برئاسة فتحي باشاغا باستخدام ورقة النفط، في خطوة رآها مراقبون قد تأتي بنتائج عكسية، إذ إن النفط مصدر الدخل الوحيد لليبيا ومن شأنها أن تزيد من معاناة المواطنين. وأعلنت مجموعات قبلية وشبابية بليبيا مساء الأحد، وقف إنتاج النفط وتصديره من الحقول الموجودة بمناطقها الواقعة بجنوب وجنوب شرقي البلاد. جاء ذلك بحسب بيانين منفصلين صدرا عن المكونات الاجتماعية والقبلية في الجنوب الليبي من داخل حقل "الشرارة" النفطي، وعن مجموعة عرفت نفسها باسم "شباب الواحات" (جنوب شرق) من داخل حقل "النافورة". وفي بيانها، قالت مكونات الجنوب "نعلن إيقاف إنتاج النفط وتصديره من حقل الشرارة (نحو 900 كلم جنوب غربي طرابلس)". و"الشرارة" هو أكبر الحقول النفطية ويقع في صحراء مرزق، وينتج 300 ألف برميل يوميا، ويمثل إنتاجه أكثر من ربع الإنتاج الليبي من الخام البالغ حاليا مليون و200 ألف برميل، بحسب تصريحات رسمية. أما مجموعة "شباب الواحات" فقالت في بيانها "نقرر قفل الحقول النفطية الواقعة في نطاق المنطقة قفلا كاملا، مع إيقاف ضح النفط إلى الموانئ النفطية حتى تتم الاستجابة لمطالبنا". ويقع حقل "النافورة" بين مدينتي "جالو" و"إجخرة" (جنوب شرق) ويضخ ما يقارب 60 ألف برميل يوميا من الخام، بينما تحوي تلك المنطقة حقولا أخرى بينها حقل "الآمال" الذي ينتج حاليا 10 آلاف برميل يوميا. وحمل البيانان ذات المطالب بشكل متطابق في الصيغة والكلمات، والتي منها "خروج حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة من المشهد وتسليمها السلطة للحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا". وطالب البيانان أيضا بـ"ضمان التوزيع العادل للموارد النفطية بشكل متساو بين المناطق الليبية كافة، ودعم الجهات المختصة للوصول إلى الانتخابات المقبلة بعيدا عن طمع حكومة الدبيبة". كما طالبا أيضا بـ"إقالة مصطفى صنع الله رئيس مؤسسة النفط". ويأتي البيانان بعد 24 ساعة فقط على إعلانات مماثلة صدرت مساء السبت عن أعيان منطقة الزويتينة (وسط) وأعيان الجنوب، أعلنوا فيها "إيقاف إنتاج النفط وتصديره من الحقول والموانئ بمناطقهم، إلى حين تسليم حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة السلطة لحكومة باشاغا". والأحد كانت وزارة النفط بحكومة الوحدة، قد دعت جميع الليبيين إلى "إعلاء المصلحة الوطنية وعدم الاستجابة لأي طرف سياسي للزج بقطاع النفط في أتون المعركة السياسية لتحقيق مكاسب". وقالت الوزارة في بيان إنه "سينجم عن تلك الإقفالات خفض الإنتاج قسرا، ما يمنع الحصول على عوائد مجزية منتظرة من بيع النفط والغاز مستفيدين بالارتفاع الحاصل في الأسعار العالمية". وتابعت "ذلك يشكل تفويت فرص ربحية وإضاعة دعم الخزينة العامة والاحتياطي النقدي بالعملة الصعبة". إضافة إلى أن ذلك أيضا ستكون له "أضرار بموقع المؤسسة الوطنية للنفط في الأسواق العالمية نتيجة لعدم تمكنها من تنفيذ التزاماتها، وكذلك الإضرار بالمكامن والبنية التحتية والتسهيلات السطحية للمنشآت النفطية، التي هي في حالة حرجة وتعاني من مشاكل فنية عدة وبحاجة إلى أعمال للصيانة". وأكد المحلل السياسي جمال الفلاح في تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية، "أن هذا الابتزاز غير مقبول سواء من لجنة 5+5 أو من أي طرف آخر، لأنه يزيد من معاناة الناس". وأضاف "نتفق على أن هناك إهدارا للمال العام وفسادا، وسبق أن قام مجلس النواب باتخاذ خطوة وهي تجميد عائدات النفط في المصرف الليبي الخارجي، وأن لا تحال إلى مصرف ليبيا المركزي، حتى يتم حل هذه الإشكاليات". واعتبر أن "مسألة إغلاق النفط في أمور سياسية والمساومة باستلام حكومة باشاغا، عبث سياسي وتجاذبات تزيد من معاناة الناس". وتابع "أنا ضد هذه الأمور، وإن كانت هناك مطالبات يجب أن تكون بشكل قانوني، وأن يكون الإجراء الصحيح هو تجميد إيرادات النفط في حساب المصرف الليبي الخارجي، ولا تتم إحالتها إلى المصرف المركزي، حتى تتم انتخابات مجلس النواب ورئيس الدولة، أما هذا الابتزاز فهو أمر مرفوض ولا يجب استغلال معاناة الناس في مثل هذه التجاذبات السياسية". والأحد أيضا أعلنت مؤسسة النفط الليبية "حالة القوة القاهرة" بحقل الفيل النفطي (جنوب)، بسبب توقف الإنتاج الناجم عن إعلان قفل النفط بالحقل السبت. وحالة القوة القاهرة هي حماية قانونية ضد المسؤولية المترتبة على عدم قدرة أطراف التعاقد في قطاع النفط على الإيفاء بالالتزامات، نتيجة أحداث خارجة عن سيطرة تلك الأطراف المتعاقدة. و"الفيل" أكبر حقل نفطي في حوض مرزق جنوب غربي ليبيا بقدرة إنتاجية 125 ألف برميل يوميا، بينما تحوي منطقة الزويتينة (وسط) حقولا نفطية، إضافة إلى أكبر وأهم موانئ التصدير في البلاد وهو ميناء "الزويتينة" النفطي. وتأتي هذه التطورات بعد ساعات على إعلان أسامة حماد، وزير التخطيط والمالية بحكومة باشاغا، أن حكومته فوجئت بتحويل المؤسسة الوطنية للنفط ستة مليارات دولار أميركي إلى حساب وزارة المالية بحكومة الدبيبة المقالة لدى مصرف ليبيا المركزي، مشيرا إلى أن هذا الإجراء "مخالف لصحيح القانون" وجميع التعليمات الصادرة من جهات الاختصاص بهذا الشأن. وحمّل بيان مالية باشاغا مصرف ليبيا المركزي ومؤسسة النفط المسؤولية الكاملة وما سيترتب على ذلك من تشوهات في الاقتصاد الوطني، مطالبا إياهما بأن ينأيا بنفسيهما عن استخدام مركزيهما في الصراعات السياسية. وخاطبت الوزارة أجهـزة الدولة الرقابية والقضائية المتمثلة في النائب العام ورئيس هيئة الرقابة الإدارية – رئيس ديوان المحاسبة – هيئة مكافحة الفساد بإيقاف هذه التصرفات لـ"خطورة" هذا الإجراء، واعتباره "تعديا صريحا على المال العام"، بحسب البيان. ورغم الإغلاقات المتواصلة احتجاجا على حكومة الدبيبة ورفضها التسليم، إلا أن ليبيا ما زالت تستعد لشحن مليون برميل نفطي إلى بريطانيا. وكشف مصدر مسؤول في ميناء الحريقة النفطي في طبرق الأحد أن الناقلة النفطية "فرونت سافانا" رست على أرصفة الميناء. وأشار المصدر في تصريحات صحافية إلى أن الناقلة النفطية ستقوم بشحن مليون برميل من النفط الخام إلى بريطانيا.
مشاركة :