تفجّر الوضع الأمني في مخيم “المية ومية” للاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان الخميس بعد يوم واحد من استكمال الجيش اللبناني انتشاره حول المخيم وتموضعه عند مداخله، حيث اندلعت اشتباكات مسلحة بين عناصر من حركة “فتح” وعناصر من جماعة “أنصارالله”، فيما نفى الجيش اللبناني إطلاقه للنار على المخيم. ورغم ما تكشفه الاشتباكات عن تواصل خلافات الفصائل الفلسطينية، إلا أن مراقبين يشيرون إلى أنه صراع خفي بين الجيش اللبناني وحزب الله بأدوات فلسطينية. بيروت - تتخوّف أوساط لبنانية من أن تكون اشتباكات مخيم المية ومية للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان مقدمة لتدهور الأوضاع الأمنية في مخيمات أخرى في الجنوب اللبناني. وبالمقابل تستبعد أوساط أمنية انتقال الاشتباكات نحو مخيمات أخرى وتؤكد أن اشتباكات “المية ومية” محلية غير مرتبطة بخلافات سياسية بين كبرى الفصائل الفلسطينية. لكن بعض التحليلات ترى أن للأمر أهدافا غير مرئية. وقالت المعلومات إن الاشتباكات اندلعت حين شنت قوات تابعة لحركة فتح هجوما ضد المربع الأمني الذي يتحصن به الأمين العام لتنظيم “أنصارالله” جمال سليمان. وترددت معلومات عن مشاركة الجيش وقيامه بالرد على مطلقي النار، إلا أن مصدرا نفى صحة ذلك وأكد أن الجيش يعمل على اتخاذ كل الإجراءات والتدابير الكفيلة بوقف الاشتباكات ومنع تجددها نهائيا. غير أن بعض الأوساط لمحت إلى أن تحرك فتح العسكري تم بالتنسيق مع مخابرات الجيش اللبناني. صفقة القرن تشمل لبنان لفت المراقبون إلى محاولة حركة حماس اغتنام فرصة الاشتباكات هذه للعلب دور تمثيلي قائد للحراك الفلسطيني في لبنان. ورأى هؤلاء أن حماس تتحرك بدعم كامل من حزب الله لتبوّء موقع القيادة وسحب ذلك من حركة فتح وقيادتها في رام الله. وفيما نشطت قيادة حماس في غزة للتواصل مع السلطات اللبنانية، استغربت الأوساط المراقبة غياب هذا الجهد عن قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله. وبحث إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الجمعة، مع الرئيس اللبناني ميشال عون، الأوضاع في مخيم “المية ومية” للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان. وقال بيان عن مكتب هنية إن الأخير هاتف عون “وذلك في إطار الجهود المتواصلة لوقف الأوضاع المتدهورة في مخيم المية ومية”. جماعة أنصارالله كانت دخلت إلى مخيم المية ومية قبل عشر سنوات بدعم من حزب الله، وكانت الغاية من ذلك حينها محاولة الحزب تفخيخ المخيمات الجنوبية بموالين له كتدبير استباقي وعلم أن هنية قد تواصل مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي ورئيس الحكومة سعد الحريري، للغرض نفسه. ورأى مصدر فلسطيني مراقب لـ”العرب” أنه “يبدو أننا دخلنا المرحلة النهائية من تسوية الوضع النهائي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، إن كان تحت سقف ما يسمّى بصفقة القرن أو مشروع محور المقاومة، والواضح أن كل مشروع له أدواته الفلسطينية وداعموه الإقليميون والدوليون وأصبح الفلسطيني بكل مكوناته أدوات في هذا المشروع أو ذاك”. ولفت المصدر إلى أن “ظاهر الصراع في مخيم المية ومية هو بين فتح وأنصارالله”، منوّها إلى أن فتح تحظى بدعم الجيش اللبناني فيما تحظى جماعة أنصارالله بدعم حزب الله. وأضاف أن “هذا يؤشر إلى أن الصراع الحقيقي هو بين الجيش وحزب الله بأدواته الفلسطينية بأسمائها المختلفة”. وقال المصدر إن “الاشتباكات تخفي صراعا بين حماس وفتح يندرج تحت سقف الصراع مع إضافة مضمون صراع من يمثل الفلسطينيين”. حزب الله يدعم أنصارالله هدوء حذرهدوء حذر تذكر المعلومات أن جماعة أنصارالله كانت دخلت إلى المخيم قبل حوالي عشر سنوات بدعم من حزب الله، وكانت الغاية من ذلك حينها في سياق محاولة الحزب تفخيخ المخيمات الجنوبية بموالين له كتدبير استباقي سببه تخوف جدي من أي تحرك في المخيمات الفلسطينية ضد حزب الله قد يقطع طريق الضاحية-الجنوب، على خلفية تصاعد التوتر السنّي-الشيعي في لبنان. وتقول المعلومات إن محاولة فتح إنهاء ظاهرة “أنصارالله” دون عقبات إقليمية ترتبط بالدعم الذي تلقاه الجماعة من قبل حزب الله تاريخيا كما الدعم الحالي الخفي من قبل حركة حماس. وكان ممثلون عن حركة فتح وجماعة أنصارالله قد توصلوا إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في اجتماع برعاية حزب الله في الضاحية الجنوبية بعد فشل اتفاق آخر عقد برعاية حركة أمل في حارة صيدا في الجنوب. ونصت بنود الاتفاق على وقف إطلاق النار والإشراف على تنفيذه، وتشكيل لجنة من الأطراف المعنية كافة لسحب المسلحين، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه وإجراء مصالحات بين مختلف الأطراف ومعالجة الأسباب والنتائج التي أدت إلى حصول الأحداث. وتحدثت المعلومات عن أن حصيلة الاشتباكات التي اندلعت عصر الخميس بين “فتح” و”أنصارالله” أدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى بينهم جنديان في الجيش، بالإضافة إلى أضرار جسيمة في الممتلكات ونزوح عدد كبير من العائلات إلى خارج المخيم. وتسببت الاشتباكات بشلّ الحياة في مدينة صيدا، وسقوط الرصاص الطائش في عدد من أحيائها فيما أعلن عن إقفال معظم مدارسها وجامعاتها بسبب الوضع الأمني في المية ومية. وتأتي هذه الاشتباكات تتويجا لحلقات من التوتر سادت علاقة حركة فتح بجماعة “أنصارالله” التي يتزعمها جمال سليمان، القريب من حزب الله. أي حل لقضية شائكةأي حل لقضية شائكة وتتحدث أوساط المخيم عن سعي حركة فتح للسيطرة على أمور المخيم وإنهاء حالة الأمر الواقع التي تفرضها جماعة جمال سليمان داخل المخيم. وقالت مصادر حركة فتح إن “أنصارالله” تحاول من خلال هذه الاشتباكات وضع اليد على المخيم وبالتالي السيطرة عليه والإطاحة بكل القوى السياسية الموجودة، وهو مسلسل الغاية منه وضع اليد على المخيم واستغلاله في بازارات خارجة عن القضية الفلسطينية. ونقل عن مصادر فتحاوية أن جماعة “أنصارالله” تعمل على فرض نفسها بديلا أو منافسا، متهمة (المصادر) الجماعة بأنها أصبحت “بندقية للإيجار لاستهداف مكانة حركة فتح”. وأكد عضو المجلس الثوري لحركة فتح جمال أشمر أن فتح ستدافع عن مواقعها وستسعى لاسترجاع بعض النقاط بعد الهجوم المباغت للمجموعات. وأكد أنه عندما طرح وقف إطلاق النار “سارعنا إلى القبول لأننا نعتبر أن الصراعات الداخلية لا تخدم إلا إسرائيل وبالتالي ليست هناك مصلحة فلسطينية من هذه الصراعات، وعندما طرحت قيادة الجيش اللبناني الدخول والتموضع في بعض النقاط رحبنا وسهلنا الإجراءات، نحن متعاونون مع الدولة اللبنانية لأقصى الحدود ونعتبر أن الأرض لبنانية والسيادة سيادة لبنانية وبالتالي كل ما يتطلبه العمل المشترك مع الدولة اللبنانية والتعاون معها نحن جاهزون له”. جدير بالذكر أن للمخيم موقعا جغرافيا استراتيجيا له أهمية خاصة، فمن يسيطر عليه يسيطر على منطقة صيدا بأكملها وخاصة طريق الجنوب ذات الحيوية الاستراتيجية، إضافة إلى أهميته بالنسبة لمخيم عين الحلوة دون إهمال أهميته بالنسبة إلى موضوع الغاز والنفط في البحر بمنطقة الجنوب.
مشاركة :