عبدالله بن زهيان العتيبي يعتبر “التنمر” أحد أشكال الإيذاء الموجودة منذ العصور الوسطى وما قبلها، حيث عُرف في السابق باسم العدوان؛ نظراً لكونه بالفعل أحد أشكال السلوك العدواني المتعمد والمتكرر، الذي يهدف للإضرار بشخص أو مجموعة من الأشخاص جسدياً أو نفسياً. وقد بدأ الاهتمام بدراسة هذا السلوك العدواني في السبعينيات من القرن الماضي، فتنبه الباحثون إلى ملاحظة أسبابه ومسبباته التي تدفع إلى بروزه على سطح التعاملات المدرسية بين الطلبة، فصنفت هذه الأسباب التي تسهم بشكل مباشر في اكتساب الاستقواء أو التنمر إلى عوامل بيولوجية، بيئية وأخرى ذاتية. إضافة إلى الخبرات الأسرية التي تعد من أهم المؤشرات المؤثرة في النمو الاجتماعي والنفسي للفرد بوصفها مصدر خبرات الرضا وإشباع الحاجات، فضلاً عن كونها المصدر الأول للاستقرار النفسي والاتصال في الحياة؛ ويُعلق عليها كون الخلل الناتج من العلاقة بين الطفل ووالديه وأساليبهم الخاطئة في التعامل معه كالترهيب والتمييز في التعامل بين الأبناء هي أهم أسباب التنمر. يتعرض الأطفال الذين يمارسون سلوك التنمر، ومن يمارس التنمر ضدهم على حد سواء إلى خطر حقيقي متمثل بإصابتهم بالعديد من الأمراض المتعلقة بالضغط النفسي، والتي من الممكن أن تؤدي في بعض الأحيان إلى الانتحار. إضافة إلى مشاكل عاطفية أو سلوكية على المدى الطويل، من بينها الشعور بالوحدة والاكتئاب وأمراض القلب التي تؤدي إلى تدني تقدير الذات وزيادة التعرض للمرض. إن الآثار السلبية المترتبة على المرض تدق ناقوس الخطر الحقيقي وتتطلب وقفة جادة من العمل المتضامن والتعاون بين الأسرة بداية واستكمالاً من المدرسة؛ فيجب على العائلة فتح حوار هادئ مع الابن المتنمر وعدم تشجيع الطفل بأخذ حقه بيده. كما عليهم كآباء وأمهات متابعة سلوك الطفل في البيت والمدرسة والشارع والتحكم فيما يشاهده من البرامج والألعاب التي تؤثر بشكل مباشر على تكوينه النفسي والعصبي وتنعكس على سلوكياته وتصرفاته مع الأشخاص المحيطين فيه. بالإضافة إلى ما سبق فلابد من اللجوء إلى المتخصصين والاستفادة من نصائحهم وتطبيقها عملياً لتجنيب الطفل الكثير من المتاعب التي تنعكس عليه لاحقاً. ذلك من جانب، ومن جانب آخر فإن التعامل الأمثل مع التنمر المدرسي يتم من خلال تطوير برنامج مدرسي واسع بالتعاون بين الإدارة التربوية والطلبة والمعلمين وأولياء الأمور والمجتمع المدني، بحيث يكون هدف البرنامج هو تغيير ثقافة المدرسة، وتأكيد الاحترام المتبادل، والقضاء على التنمر ومنع ظهوره. ومجتمعياً فإنه يتوجب توعية المعلمين والأهالي والطلبة بماهية سلوك التنمر وخطورته، وإشراك المجتمع المدني والشركاء المؤسساتيين للمدرسة في محاربة الظاهرة. كذلك لابد من إدراج التربية على المواطنة والسلوك المدني في المناهج الدراسي، وتشديد المراقبة واليقظة التربوية للرصد المبكر لحالات التنمر، ووضع برامج علاجية للمتنمرين بالشراكة مع المختصين في علم النفس. أن مكافحة هذا السلوك العدواني هي مسؤولية مجتمعية متكاملة تستدعي وقفة حقيقية من كافة الأطراف المؤثرة في سلوك الطفل الممارس للتنمر أو المتأثر به على حدٍ سواء.
مشاركة :