في خريف عام 1907، وُلد «مورافيا» أشهر أدباء إيطاليا في هذا القرن وأغزرهم إنتاجا، وأمتعهم فكرا وأجملهم عبارة، وألصقهم بنبض الشارع الإيطالي بصفة خاصة، والشارع الأوروبي بصفة عامة، وأكثرهم تغلغلا بين الطبقات الكادحة والأحياء الفقيرة، وأدقهم تعبيرا عن معاناة إنسانها في «سنوات القلق» بين «الحربين»، وفي «س في خريف عام 1907، وُلد «مورافيا» أشهر أدباء إيطاليا في هذا القرن وأغزرهم إنتاجا، وأمتعهم فكرا وأجملهم عبارة، وألصقهم بنبض الشارع الإيطالي بصفة خاصة، والشارع الأوروبي بصفة عامة، وأكثرهم تغلغلا بين الطبقات الكادحة والأحياء الفقيرة، وأدقهم تعبيرا عن معاناة إنسانها في «سنوات القلق» بين «الحربين»، وفي «سنوات الضياع» بعد الحرب الثانية، وأعرضهم حضورا على مستوى العالم. فقد تُرجمت جميع أعماله إلى أكثر من 30 لغة، الأمر الذي مكّن له من الانتشار وتوسعة قاعدة قرائه، وإخراجهم من دائرة الألوف إلى الملايين، وهو ما لم يتح إلا للقلة من أدباء العالم العظام، حتى لأحسب أنه لا يوجد مثقف -على مستوى العالم- إلا وقرأ أو شاهد عددا من أعماله، أو في الأقل قرأ واحدا من أهم 3 أعمال في حياته الأدبية الواسعة: «المرأتان»، و«امرأة من روما»، ورواية «زمن اللامبالاة» كما ترجمها الإنجليز، أو «السأم» كما ترجمها العرب. فهو كـ«سارتر» بين الفرنسيين، وكـ«تولستوي» بين السوفييت، وكـ«ديكينز» بين الإنجليز، وهو في النهاية يقف إلى جانبهم رأسا إلى رأس، وكتفا إلى كتف، لا سابقا عليهم، ولا متخلفا عنهم. في الخريف جاء، وفي خريف هذا العام رحل، وبين الخريفين عاش «مورافيا» 82 عاما لم تعرف الخريف. فقد كانت حياته «صيفا» من الأفكار، و«ربيعا» من الإبداع، و«شتاء» من عواصف النضال ضد «الفاشية» والاحتجاج على «النازية». في الزمن الذي كان فيه «الدوتشي» زعيم الفاشية سيد الزمان والمكان في إيطاليا، وفي الزمن الذي كان فيه «الفوهر» -زعيم النازية- سيد الزمان والمكان في ألمانيا. كان «الحفل المقنع» أول كتبه، وأول عواصفه على «الفاشية» غمزا، فَمُنِعَ من أن يوقّع مقالاته باسمه. وكانت رواية «زمن اللامبالاة» هي ثاني عواصفه الصريحة ضد الفاشية والنازية معا، ضد الحزب الواحد، والرأي الواحد، ومصادرة الحريات وتأليه الزعيم ووضع المواطنين كعربات قطار فوق القضبان. فمُنع من الكتابة، ولكنه أخذ يواصل كتاباته بأسماء مستعارة. على كل مقال اسم، وعلى كل كتاب اسم، إلى أن جاء النازيون لاحتلال روما أو لحمايتها عام 1943. ففر من «روما» المدينة التي أحبها وعشق بحرها ونهرها وتوله في حب أهلها، إلى الجبال ليعيش حياة لم يعرف فيها غير سغب العيش وقسوة الشتاء ومرارة الحرمان من روما، إلى أن دخلها الحلفاء ليعود إليها ثانية ويكتب رائعته الخالدة: «امرأة من روما» التي لم تكن مفاجأة للإيطاليين وحدهم، بل كانت مفاجأة لأوروبا كلها. لقد كانت تلك الرواية هي فجره الجديد، وهي طلائع أيام مجده الآتية. فقد حققت له تلك الرواية حجما من الانتشار والذيوع يفوق حلم الحالمين من الكتاب والمؤلفين، إذ بيعت منها مئات الآلاف من النسخ، وتُرجمت إلى عشرات اللغات، وقرأها ملايين القراء. لقد حملته إلى المكانة التي هو جدير بها، وأعطته لقب أفضل روائي إيطالي، وجعلت منه «دانتي» الراوية الإيطالية. تماما كـ«دانتي اليجيري» شاعر شعراء إيطاليا الذي امتدت مكانته الأدبية إلى كل أنحاء العالم، خلال رائعته الشعرية الفريدة: «الكوميديا الإلهية»! لقد عاش «مورافيا» طويلا وعميقا، بقلبه وعقله، بمشاعره وفكره، وجاب العالم من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، من غابات «جاوا» إلى شلالات «نياجرا»، ومن سهول الصين وأصقاع سيبريا إلى ساحل العاج، وشواطئ الباسفيك. فقد كان حبه لـ«السفر» أصيلا وعميقا ومسببا، بل كان أكبر من حبه لـ«الحياة نفسها، فقد كان السفر -بالنسبة له- شوقا ومتعة وثقافة وآفاقا رحبة يداوي به شعوره الدفين بـ«الوحدة»، ويطرد به تلك «الهوة» التي ظل يشعر في أعماقه أنها ما زالت تفصله عن الآخرين. والتي كانت الثمرة السوداء لسنوات طفولته ويفاعته، وحيدا على فراش المرض. فقد أصيب في الخامسة أو السادسة من عمره بـ«سل» في العظام، لم يبرأ منه إلا عندما بلغ الثامنة عشرة، فكان سرير المرض طوال تلك السنين، هو بيته وحديقته ومدرسته التي قرأ وتعلم فيها، وتثقف وبدأ أولى محاولاته الأدبية. لقد تألم كثيرا، وتأمل طويلا، ولكنه عاش تلك السنوات الحالمة والدافئة في صقيع «الوحدة» تماما، إلا من زيارة أبويه وأساتذته الذين جاءت بهم والدته لتعليمه وتثقيفه، فكان السفر بالنسبة له «دواء» من حرمانه من الآخرين، وكانت الكتابة بالنسبة له «جسرا» يتواصل به مع الآخرين. ولذلك، وكما سافر «مورافيا» كثيرا، كتب كثيرا: مئات المقالات وعشرات عشرات القصص والروايات التي تتقدمها، إلى جانب ما سبق ذكره -روايات «الفردوس» و«الأكذوبة» و«الاحتقار» و«العصيان» و«الانتباه»- بعمق تحليلها، وتقاسيم الحرية في بنائها، وجيشان التمرد في نسيجها الاجتماعي. لقد جمع في قلمه عظمة «دانتي» ودرامية «شكسبير» وتحليليلة «فيدورودوستوفيسكي» و«جيمس جويس»، فكانت رواياته فتوحات أدبية جديدة، ومنجما غرفت منه «السينما» لعشرات من أفلامها، فكانت تلك إضافة جديدة وحلقة أوسع لانتشاره وتواصله مع «الآخرين» ليعيش مجدا أدبيا حافلا عريضا لا يضاهيه فيه إلا القلة. وهو عندما يموت اليوم في هدوء، ويودع الحياة وسأمه منها، في المدينة التي أحبها وعلى ضفاف النهر الذي أحبه، وفي البيت الذي أحبه، إنما يموت قرير العين شهرة ومكانة وإنتاجا ومجدا، إلا من غصة تخطي منحه جائزة نوبل لـ«الآداب» التي رفضها «سارتر» عام 1964، وخاف منها «بوريس باسترناك» عام 1958، ومُنحت لمن لا يستحقها «ونستون تشرشل» عام 1953. لقد كان اسمه دائما على قائمة المرشحين للجائزة، ولكن عندما حان دور إيطاليا ذهبت إلى الشاعر الإيطالي المغمور «كوازيمودو» ولم يجد سكرتير اللجنة ما يقوله لـ«موارفيا» عندما سأله عن أسباب منحها لـ«كوازيمودو»، إلا أن قال له «إننا نحب سيلفادور كوازيمودو»! إنني ما زلت أذكر قولته المترعة بالشجن عن نفسه، عندما التقيت به في منزله في 27 سبتمبر 1990، هذا الذي أغمض عينيه فيه: «إنني ابن مهندس فنان أساءت الدنيا استقباله»! فهل تسيء الدنيا «وداعه» كما فعلت عند استقباله؟! إنه أحد القلائل الجديرين بـ«وداع» حافل يليق بعطائهم. فقد كان فنانا عظيما، كان إنسانا كبيرا. «شيء من الفكر» كتاب غائبون ومقالاتهم حاضرة عبدالله مناع ولد في مدينة جدة عام 1358، ودرس مراحل التعليم الأولية في مدارسها حصل على بكالوريوس طب وجراحة الفم والأسنان عام 1381 أسس عيادة طبية خاصة بالأسنان عام 1381 تقلد رئاسة تحرير مجلة «اقرأ» الأسبوعية التابعة لمؤسسة البلاد للصحافة والنشر 1381-1384 شغل منصب مدير إدارة مطابع مؤسسة البلاد للصحافة والنشر، ورئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب يشغل منصب رئيس تحرير مجلة «الإعلام» تقلد رئاسة تحرير مجلة «الإعلام» عضو مجلس إدارة بجريدة «الوطن» من أعماله الأدبية «لمسات» قصص 1380، «أنين الحيارى» قصص 1386، «ملف الأحوال» مقالات 1972، «الطرف الآخر» مقالات، «خطوات على الجسر» 1969، «العالم رحلة» رحلات 1409، «شيء من الفكر بين السياسة والأدب» مقالات 1414، «المستقبل» محاضرة، «الصحافة والحقيقة» محاضرة، «الجهل كارثتنا» محاضرة، «أثر الموسيقى في حياة الشعوب» محاضرة.
مشاركة :