قال بريت ماكغورك، ممثل الرئيس دونالد ترامب في التحالف الدولي ضدّ تنظيم «داعش»، إنه يتعيّن على «القوات الموالية لإيران أن ترحل من سورية لاستقرار البلاد»، زاعماً ان «لا أحد - حتى روسيا - يريدها هناك». ويَعتقد ماكغورك أن «أميركا تتطلع لتعميق العلاقات مع العراق لمصلحة البلد واستقلاليته». ويأتي كلام المبعوث الأميركي وسط معلومات مؤكدة حصلت عليها «الراي» ومفادها بأن فالح الفياض قائد الحشد الشعبي ووزير الأمن القومي الذي عزَله رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، سيتم تعيينه وزيراً للداخلية، وهو منصب مهمّ، يفرض التخاطب والتعاون مع القوات الأميركية الموجودة في العراق. وجرت لقاءات عدة، بين الفياض وفريق ماكغورك، كانت عاصِفةً في بعض الأحيان وكلها تتعلّق بمحاولة أميركا محاصرة إيران، وقد باءت هذه المحاولات بالفشل. وتحشد أميركا قوّتها الديبلوماسية قبل أقل من أسبوع من دخول العقوبات الشاملة الأحادية حيّز التنفيذ ضد إيران. وقد لاح في الأفق تحرّكٌ للحكومة العراقية الجديدة تَمثّل بإرسال قوات إضافية لـ «الحشد» - الذي لم يتفق قادته يوماً مع العبادي - إلى الحدود العراقية - السورية، وهي خطوةٌ كان رَفَضَها العبادي (كرمى) للطلب الأميركي بإبعاد «الحشد» عن الحدود التي تحتلّها أميركا في الجانب السوري. وتعتقد واشنطن أنه لا يمكن لخطة أميركا بمحاصرة إيران ان تنجح إلا بتواجد قوات أميركية داخل سورية والعراق. مع العلم أن الوجود الأميركي لن يعوق التواجد والنفوذ الإيراني في سورية وعلاقتها الوطيدة مع العراق خصوصاً في ضوء الحكومة الجديدة وخسارة أميركا لحصانها الأساسي العبادي. ورغم انتصار حلف الرئيس بشار الأسد (روسيا وإيران وحلفاؤها) وسقوط العبادي في العراق فإن أميركا تستطيع اللعب داخل بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام. وهناك مَن في بغداد يعتقد أن أميركا تستطيع إعادة القوّة لـ «داعش» ليفجّر ويغتال ويقتل. إلا أن هناك مَن يؤكد ان العراق قد تحصّن ضد التنظيم رغم قدرة الإرهاب على أن يضرب إينما يشاء نسبياً، والجهد الأمني العراقي المنشغل اليوم بحماية الملايين من زوار الإمام الحسين في كربلاء سيعود بقوة إلى كل المناطق التي لا يزال «داعش» يعمل فيها سراً. ولن تستطيع أميركا مجابهة «الحشد» وجهاً لوجه لخوفها من ردة الفعل ضدّ قواتها رغم أنها سمحت لإسرائيل بضرب مراكز القيادة والسيطرة الحدودية لـ «الحشد» قبل بضعة أشهر. نعم إن الخشية الأميركية في مكانها لأن واشنطن وحلفاءها خسروا الحرب في سورية بعد فشل محاولتهم لقلب النظام كما فشلوا بإيصال حصانهم إلى السلطة في العراق. وقد استخدمت واشنطن كل أساليب الترهيب في سورية من الضربة العسكرية تحت عذر «استخدام الأسلحة الكيماوية» واستخدام ورقة المهجرين بمنع هؤلاء (او فشل منعهم) من العودة إلى سورية. وكذلك فشلت بإبقاء المعابر بين سورية والأردن مقفلة في محاولة لضرب الاقتصاد السوري. وها هي اليوم تحمي «القاعدة» والمجاهدين في إدلب تحت عنوان «السكان المدنيين» وتستخدم الأكراد في الشمال الشرقي لحماية قواتها ولتبرر احتلالها لمناطق سورية. وتحاول عبر الأمم المتحدة فرض تغيير الدستور من دون جدوى لأن البرلمان هو الوحيد المخوّل بذلك. إلا ان كل ذلك لم يمنع ماكغورك من الطلب من «القوات الموالية لإيران الرحيل عن سورية لعودة الاستقرار للبلاد»، وقد تناسى المبعوث الأميركي أن قوات المارينز لم تكن يوماً مدعوّة للحضور إلى سورية وانها قوات احتلال وأن دمشق طلبت من إيران المساعدة العسكرية، وبالتالي فلا واشنطن ولا موسكو معنيتيْن بتواجد هذه القوات. ولم تعمل يوماً أميركا «لمصلحة الشعب السوري»، أولاً لأن لا أحد في سورية أعطاها الصلاحية لتتكلم باسم الشعب. ثانياً لأنها تحتلّ معبر التنف لتمنع التواصل الاقتصادي بين سورية والعراق، وثالثاً لأن أميركا هي التي حافظت على القوات التابعة «لداعش» لسنوات من دون ضربها، وها هي تسمح لها باعتقال وقتْل قوات كردية من المفروض أن تكون محمية من قبل أميركا. وكيف استطاعت أميركا ضرب الجيش السوري عند تقدّمه بضعة مئات من الأمتار داخل الشق الشرقي للفرات ولم ترَ طائراتُها المئات من «داعش» يحتلون الكيلومترات في هجين؟ من الواضح أن أميركا لا تريد الاعتراف بخسارتها العسكرية في سورية والسياسية في العراق. وها هي تستخدم ورقة العقوبات على إيران التي ستؤثر على اقتصادها بالطبع ولكنها لن تؤثّر على العقيدة التي صدّرتْها طهران إلى سورية والعراق بفضل سياسة تغيير الأنظمة الفاشلة التي تستخدمها واشنطن لتحمي نفوذها الأحادي في الشرق الأوسط.
مشاركة :