في مقاله* لـDW عربية يشرح علاء الأسواني العلاقة بين التدين المنتشر في مصر وقمع النظام. الدكتور عبد الخالق فاروق مفكر اقتصادى كبير له دراسات في غاية الاهمية عن الاقتصاد المصري. لو كانت مصر دولة ديمقراطية لكانت استفادت من علمه الغزيز لكن نظام السيسي، مثل كل الأنظمة المستبدة، يقدم الولاء على الكفاءة وبالتالي يمنح المناصب للمنافقين حتى لو كانوا بلا كفاءة ويحجبها عن الأكفاء وأصحاب العلم. منذ أسابيع أصدر عبد الخالق فاروق كتابا بعنوان "هل مصر بلد فقير فعلا ؟" أثبت فيه ان مصر تتمتع بموارد هائلة لكن سوء الادارة هو الذي يفقرها، وضرب أمثلة عديدة على الفساد الحكومي واهدار المال العام الذي يستنزف مليارات الجنيهات سنويا. قامت مباحث أمن الدولة بمصادرة الكتاب وتم القبض على عبد الخالق فاروق ووجهت له النيابة تهمة نشر أخبار كاذبة والحض على كراهية الدولة إلى آخر هذه التهم الوهمية المطاطة المعتادة. بدلا من الاستفادة من علم عبد الخالق فاروق تحولت أبحاثه العلمية إلى جريمة. القبض على الناس بهذه التهم الوهمية تجعلهم في حكم القانون معتقلين حتى لو تمت محاكمتهم. هناك معتقلون كثيرون مرضى: عبد المنعم أبو الفتوح ووائل عباس ومعصوم مرزوق وأحمد دومة وهشام جعفر وهشام جنينه وغيرهم كثيرون يحتاجون إلى رعاية طبية لكن نظام السيسي يمنعها عنهم وكأنه يريدهم أن يموتوا في السجن. أضف إلى ذلك المختفين قسريا وآخرهم الدكتور مصطفى النجار عضو محلس الشعب السابق، في مصر عشرات الألوف من معتقلي الرأي وشباب الثورة قابعون الآن ظلما في السجون. هكذا يمارس نظام السيسي سياسة قمعية هي بلا شك الأسوأ في تاريخ مصر. هؤلاء المعتقلون لم يقتلوا ولم يسرقوا. جريمتهم انهم عارضوا ما يفعله السيسي ودافعوا عن حقوقنا. كانوا يريدون أن تكون مصر بلدا محترما يتمتع فيه المواطنون جميعا بالمساواة والحرية والكرامة. كتبت كثيرا عن معتقلى الرأي على تويتر وفيسبوك وشعرت دائما أن تضامن المصريين معهم أقل مما يجب بكثير. منذ أيام كتبت على تويتر أن من حق الدولة أن تمنع النقاب في أماكن العمل لأن من حق الانسان أن يرى وجه من يتعامل معه. فوجئت بآلاف التعليقات الغاضبة دفاعا عن النقاب. معظم التعليقات كان عبارة عن سباب فاحش بذىء من العجيب أن يصدر من المتدينين. الغريب ان غضب هؤلاء المتدينين دفاعا عن النقاب أكثر بكثير من غضبهم لاعتقال آلاف الناس ظلما وتعذيبهم وحرمانهم من الدواء وقتلهم ببطء في السجون. كيف لا يتخذ الانسان موقفا ضد الظلم والاعتقال وتزوير الانتخابات وتبديد موارد الدولة ومنح جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للسعودية لكنه في نفس الوقت يثور بشدة اذا انتقد شخص الحجاب أو النقاب..؟ هذا التناقض يعود إلى طبيعة الفكر الوهابي الذي وفد الينا من الخليج وانتشر في مصر على مدى أربعين عاما مدعوما بأموال النفط. انه نوع من التدين الآمن لا يستوجب أي موقف للدفاع عن الحق أو مواجهة الظلم وبالتالي لا يكلف المسلم أي تضحية. التدين الآمن يحرم الخروج على الحاكم المسلم من الأساس ولا يعترف بالعمل العام ويجعل المتدين أسيرا لعالمه الصغير المحدود: عمله وأسرته فيكون كل همه أكل العيش وتربية العيال. ينحصر التدين الآمن في مجموعة اجراءات: صلاة وصيام وزكاة وحجاب ونقاب. لا مناصرة للمظلومين ولا مقاومة للظلم ولا دفاع عن الحق ولا يحزنون، التدين الآمن أيضا يمنح أصحابه احساسا بالتميز عن الآخرين فالمنقبة تحس أنها أفضل من المحجبة التي تشعر بدورها انها أفضل من غير المحجبة. أصحاب التدين الآمن يؤمنون انهم وحدهم يمثلون الدين ويحتكرون الحقيقة وبالتالي من حقهم أن يهينوا المختلفين معهم ويشتموهم ببذاءة لأنهم وقد تجسد الدين فيهم لهم كل الحقوق أما المعارضون لهم فهم كفار وفاسقون وأعداء الاسلام. أصحاب التدين الآمن يبحثون دائما عن معارك بديلة سهلة تلفت اليهم الأنظار وتشعرهم بدفاعهم المزعوم عن الدين وفي نفس الوقت لا تكلفهم أي تضحية. انهم يسبون ويلعنون ويقيمون الدنيا ويقعدونها لأن شخصا قال رأيا ضد النقاب أو لأن مشهدا في فيلم سينمائي ظهرت فيها البطلة عارية وهم في أماكن عملهم يحرصون عادة على عمل زوايا للصلاة في كل مكان ولابد أن يؤذنوا للصلاة بأصواتهم حتى لو كانت قبيحة ومؤذية. ان الدين عندهم يتحقق فقط باعلانهم لتدينهم وكثيرا ما تكون معاملاتهم الانسانية سيئة مع الآخرين ومعاملاتهم المالية غير مستقيمة تنم عن كذب وجشع. ان مظاهر الدين عندهم هي الدين ذاته. انتشار التدين الآمن في مصر سبب رئيسي في خضوع المصريين للظلم، عندما يعيش الانسان مقهورا ذليلا في ظل سلطة قمعية تسرقه وتحرمه من حقوقه الانسانية وتعتقله وتعذبه وقد تقتله في أي لحظة، وبعد ذلك لايجد المؤمن في كل هذه المظالم ما يستحق اعتراضه ثم يغضب بشدة دفاعا عن النقاب أو بسبب مشهد سينمائي فلابد انه يكذب على نفسه وعلى الناس وهو برغم تدينه المعلن أبعد ما يكون عن الدين. الدين الحقيقي يأمرنا بالدفاع عن الحق والعدل ومقاومة الظلم والدفاع عن حقوق المستضعفين، هذا جوهر الدين وكل ماعدا ذلك أقل أهمية. الدفاع عن معتقلي الرأي أهم بكثير من الدفاع عن النقاب والحجاب. ان حرية الانسان وكرامته أهم بكثير من الثياب التي يرتديها. التدين الآمن يخدعنا ويخدر مشاعرنا الدينية بمعارك فارغة بعيدا عن الصراع الأهم بين الحق والباطل، أما الدين الصحيح فيأمرنا بالثورة دفاعا عن حريتنا وانسانيتنا. الديمقراطية هي الحل draswany57@yahoo.com * المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.
مشاركة :