الديوانية (العراق) – خاضت مدربة المنتخب العراقي النسوي المختص في المصارعة الحرة نهاية ظاهر تجربة تشبه تحديات العديد من النساء حين يتمسكن بطموحاتهن في مجالات الدراسة والعمل وممارسة الرياضة لاقتناعهن بأنهن لا يرتكبن أخطاء ولا يعتدين على حق أي شخص آخر، ويجدن أنفسهن في صراع مع الثقافة المجتمعية الرافضة لذلك. وفي الكثير من الأحيان عندما تجد الواحدة منهن نفسها في موضع الاختيار بين تحقيق ذاتها وبين رفض واستهجان عائلتها والمجتمع ككل لما تقوم به فإنها تتمسك بحلمها وقناعتها وتخوض معركة التحدي التي قد تستمر لمدة طويلة إلى أن يقبل المجتمع بما تفعله ولو نسبيا. تفرض المجتمعات والأسر المتشددة والمحافظة جدا ضغوطا إضافية على الفتاة والمرأة خصوصا إذا اختارت أن تمارس نوعا معينا من الأعمال أو الرياضات مثل المصارعة الحرة، بحيث تجابه الفتاة المتدربة كما مدرّبها ضغوطا مضاعفة، إلى جانب غياب الدعم وعدم التفهم ونقص الموارد المالية، حيث إنها قد تتعرض إلى الرفض من العائلة والمجتمع، ويمكن أن يصل هذا الرفض إلى درجة التهديد. لقد تغلبت نهاية ظاهر على اليأس في مشوارها لتشكيل أول منتخب عراقي نسائي مختص في المصارعة الحرة، قبل أكثر من عام ونصف العام، متحدية إلى جانب الصعوبات البدنية، عادات وتقاليد مجتمعية قاسية في جنوب البلاد العشائري المحافظ الذي لا يقبل تواجد المرأة في رياضة مثل المصارعة. وبدأت المشرفة التربوية في الرياضة نهاية ظاهر (52 عاما) في مدينة الديوانية، التي تبعد نحو 180 كيلومترا إلى جنوب العاصمة بغداد، تشكيل نواة هذا المنتخب في منتصف العام 2016 بطلب من الاتحاد الفرعي لرياضة المصارعة. وتقول “لم نواجه في البداية صعوبة في اختيار عناصر المنتخب، بل الصعوبة كانت في إقناع المجتمع هنا. فالتقاليد تتعارض مع هذا التوجه”. وتضيف ظاهر التي تعمل مع فريق نادي “الرافدين” منذ ما يقارب السنتين “بدأنا بعدد من المتدربات في المصارعة الحرة لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، أما الآن فهناك أكثر من عشرين لاعبة. وتضطر نهاية لترك والدتها المقعدة في البيت ثلاث مرات أسبوعيا من أجل القيام بواجبها تجاه الفريق وتدريب اللاعبات. وتحضر اللاعبات للتدريب بملابس محتشمة وسط حماس كبير، تحت أنظار المدربة في قاعة بنوافذ كبيرة مفتوحة للتخفيف من حرارة الصيف، وعلى حلبة زرقاء وحمراء. ولكن حين يخرجن من القاعة، يرتدين ملابس تراعي العادات والتقاليد في المدينة، من الحجاب وصولا إلى عباءات تصل حتى أخمص القدمين، وهو اللباس السائد في جنوب البلاد ذي الغالبية الشيعية. وتقول نهاية ظاهر “نحن نعمل ضمن مجتمع عشائري… تعرضت للتهديد بشكل مباشر وغير مباشر من الكثير من الأشخاص الذين لم يقبلوا عملي ولا دخول الفتيات لممارسة رياضة المصارعة الحرة، لكننا صبرنا كمجموعة وأثبتنا وجودنا كفريق”. وتقول مساعدة المدربة نادية صائب “لهذا، كان على نهاية القيام بأكثر مما تفعله المدربات الأخريات”. وتؤكد نادية (47 عاما) أن “عائلات اللاعبات أصبحت جزءا من اهتماماتنا. وعلاقتنا مع تلك الأسر أصبحت متينة بعدما نمت الثقة بيننا وبينهم”، مضيفة “نحن حريصتان على اللاعبات نأخذهن من منازلهن ونعيدهنّ تحت إشرافنا أيضا، بل نتابع مستوياتهن وتحصيلهن الدراسي أيضا”. المدربة نهاية ظاهر "نحن نعمل ضمن مجتمع عشائري، تعرضت للتهديد، لكننا صبرنا كمجموعة وأثبتنا وجودنا كفريق"المدربة نهاية ظاهر "نحن نعمل ضمن مجتمع عشائري، تعرضت للتهديد، لكننا صبرنا كمجموعة وأثبتنا وجودنا كفريق" وتقول علياء حسين اللاعبة ونجمة الفريق البالغة من العمر 26 عاما، والتي تسعى أيضا لإكمال دراستها في المرحلة الثانوية الأخيرة بعدما توقفت لمساعدة أهلها في الديوانية “بدأت اللعبة تدريجيا تلقى قبولا داخل المجتمع″ وكان ذلك بعد ازدهار رياضة المصارعة في العراق. وتشير علياء حسين صاحبة الشعر القصير إلى أنها وصلت إلى مرحلة متميزة في المنتخب وتمكنت من الحصول على الميدالية الفضية في بطولة دولية أقيمت ببيروت، وتضيف بإصرار أنها تسعى للمحافظة على هذا المستوى… وتطمح إلى الالتحاق بكلية التربية الرياضية في ما بعد. وتلقى علياء دعما من والدتها انتصار، التي تؤكد أن ابنتها “لا ترتكب خطأ.. نحن على قناعة بما تفعله” في إشارة إلى أنها تتفهم شغف ابنتها بالمصارعة. وفي الآونة الأخيرة، عاد الفريق من بطولة عالمية أقيمت في بيروت حصد خلال مبارياتها أربع ميداليات في أول ظهور أمام منتخبات من دول أخرى مثل إيران وإيطاليا وكازاخستان وأوكرانيا وغيرها من الدول. ورغم النجاحات يشكو الفريق من قلة الموارد المالية. وبرر أمين سر الاتحاد العراقي للمصارعة عدم صرف رواتب منتظمة للاعبات “بعدم وجود تخصيصات مالية للمنتخب في الدورة الحالية”. وأشار إلى أنه في العام الماضي “كانت كل لاعبة تتقاضى 50 ألف دينار، أي ما يعادل 40 دولارا شهريا”. ولم يشكل غياب الموارد المالية والرواتب عائقا أمام المدربة واللاعبات اللاتي واصلن العمل وتحصلن على ميداليات ومن بينهن علا ظاهر، التي توجت بميدالية برونزية من بيروت. وقالت علا “طموحي أن أكون بطلة آسيا، لذا أريد أن أواصل تجربتي بكل حماسة… لأننا قطعنا شوطا مهما وتغلبنا على الكثير من المصاعب”. ولا يعد تشبث اللاعبة الشابة بتحقيق حلمها في بطولة آسيا للمصارعة الحرة أمرا غريبا طالما أنها تدربت على يد امرأة تحدّت ظروفها الخاصة والأسرية وتحدت مجتمعا بأكمله لتسهر على تدريبها وزميلاتها، فروح التحدي للعادات والتقاليد والتشبث بالطموح جمعت عناصر المنتخب النسوي لأنهن جميعا عانين في بداية مشوارهن الرياضي من رفض أسرهن أو المجتمع ولأنهن آمنّ بحظوظهن وبروح الفريق وحقه في الفوز فما تعرضن له من صعوبات لم يحبط عزائمهن ولم يجعلهن يتوقفن عن مشوارهن الرياضي.
مشاركة :