في الوقت الذي تنشغل فيه الأقطار العربية وفي القلب منها دول الخليج بقمع ثورات الربيع العربي، تسعى إيران جاهدة لتمهيد السبل لاستكمال تطبيق استراتيجيتها الجديدة الخاصة بلعب دور مؤثر وفعال في الهلال الشيعي الخاص بها في المنطقة من خلال الحكومات الموالية لها، تلك الاستراتيجية التي تعرقلت قليلا على وقع ثورات الربيع العربي قبل أن تعاود الانطلاق وبقوة، لتصبح إيران المحرك الرئيسي للتطورات في أربع عواصم عربية هي العراق وسورية ولبنان واليمن، ولتتحول من لاعب ثانوي يحاول أن يحافظ على وجوده واستقلاله في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها في الخليج، إلى لاعب رئيسي وصاحبة الدور الأكبر والأكثر تأثيرا في المنطقة، ذلك التحول الذي أدى لحدوث تغير استراتيجي في الموقف الأمريكي تجاهها، وصل لدرجة التنسيق في بعض القضايا على رأسها الحرب التى تخوضها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الاسلامية في الشام والعراق، ليثبت أن التحركات الإيرانية تسير بخطى ثابتة وبذكاء شديد وباستراتيجية واضحة نحو تحقيق أهدافها الخاصة بالهيمنة والسيطرة على المنطقة ، وذلك على العكس من الكثير من الدول العربية التى أشغلتها الصراعات الداخلية الضيقة والصراعات الهامشية في الدول الاخرى. المشروع الإيراني يفوز بالعواصم العربية وسط الاضطرابات التطورات الداخلية والإقليمية والدولية تشير إلى حدوث تحول في الاستراتيجية الإيرانية من تصدير الثورة الإيرانية إلى العواصم الخليجية والعربية إلى لعب دور مؤثر في إدارة تلك الدول من خلال حلقاء إيران سواء كانوا أحزاب أو قوى أو حكومات في تلك الدول، فقد اعتبر مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي أن العاصمة اليمينة صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد، مبيناً أن ثورة الحوثيين في اليمن هي امتداد للثورة الخمينية. زاكاني اضاف خلال حديثه أمام أعضاء البرلمان الإيراني، أن إيران تمر في هذه الأيام بمرحلة “الجهاد الأكبر”، منوها أن هذه المرحلة تتطلب سياسة خاصة، وتعاملا حذرا من الممكن أن يترتب عليه عواقب كثيرة. وأوضح أن على المسؤولين في إيران معرفة كل ما يجري على الساحة الإقليمية، والتعرف على كافة اللاعبين الأساسيين والمؤثرين بدول المنطقة، لافتا إلى ضرورة دعم الحركات التي تسير في إطار الثورة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط، . متابعا زاكانيأنه قبل انتصار الثورة في إيران، كان هناك تيارين أساسين يشكلان المحور الأمريكي في المنطقة، “هما الإسلام السعودي والعلمانية التركية، ولكن بعد نجاح الثورة الإيرانية تغيرت المعادلة السياسية في المنطقة لصالح إيران، ونحن اليوم في ذروة قوتنا نفرض إرادتنا ومصلحتنا الاستراتيجية على الجميع في المنطقة. مشيرا إلى أن منطقة الشرق الأوسط تتجه الآن إلى تشكيل قطبين أساسيين، الأول بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من العرب، والثاني بقيادة إيران والدول التي انخرطت في مشروع الثورة الإيرانية. تأكيداً على هذا التحول الذي تشهده الاستراتيجية الايرانية أشار الزعيم سيد علي خامنئي في كلمته بمناسبة افتتاح الدورة التاسعة لمجلس الشورى الإسلامي إلى أن الاستراتيجية الايرانية تشهد تحولا جديدا، يشير لوجود صرحا قويا راسخا منبعثا من الثورة الإسلامية. و من اجل توصيل تلك الرسالة بشكل مباشر إلى العواصم العربية والعالمية أجرت إيران مؤخرا مناورات عسكرية ية ضخمة قرب مضيق هرمز الاستراتيجي شاركت فيها القوات البرية والبحرية والجوية، لاستعراض قوة إيران في الأرض والبحر والسماء، وذلك حسب تصريحات قائد القوات البحرية الإيراني حبيب الله سياري . ووفق العديد من الخبراء، تتخطي الاهداف والغايات الخاصة بالمناورات العسكرية الايرانية موضوع الردع البسيط للولايات المتحدة، إلى إعطاء إنطباع لأعداء الجمهورية الإسلامية عن وجود قوة ساحقة لدى إيران، حتى لا تفكر أي دولة خاصة الولايات المتحدة في تهديد الوجود الإيراني في منطقة الشرق الاوسط. استراتيجية الردع العسكرية هذا وتعتبر إيران الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التى تدعم استراتيجيتها السياسية باستراتيجية عسكرية قادرة على تحقيق أهدافها في المنطقة، فهي ـ. وعلى عكس العديد من الدول العربية ـ لاتكتفي باستيراد الأسلحة والمعدات العسكرية، وإنما تملك صناعة عسكرية نجحت في تقديم نماذج قادرة على الوصول إلى عمق العدو، وتحقيق أضرار فادحة بأعداء الجمهورية الإسلامية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وقواتها وبوارجها المتواجده في الخليج العربي. ومنذ إنشاء الجمهورية الإسلامية وهي تسعى للتوسع الكمي في بناء التشكيلات النظامية، وتسليحها بأحدث أسلحة ومعدات روسية وصينية وكورية شمالية. هذا اضافة إلى التوسع الأفقي (الكمي) في القوات المسلحة النظامية والشبه عسكرية، وصولاً إلى جيش العشرين مليون، تسعى إيران للارتقاء بالبعد النوعي (الكيفي) في مستوى الكفاءة القتالية؛ بالحصول على أنظمة تسليح دفاعية ذات تقنية عالية من دول متقدمة تقنيًّا -مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية- خاصة أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي، والمقاتلات، وسفن السطح والغواصات، والمركبات المدرعة، والصواريخ المضادة للدبابات، ومعدات الحرب الإلكترونية، وأنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات C3I ، C4I ، مع تحديث وتحسين قدرات وكفاءة ما لديها من أنظمة تسليح غربية تقادمت؛ وذلك بهدف تحييد عناصر القوة لدى أعداء إيران، خاصة في مجال القوات الجوية. وقد نجحت حتى الآن في تعزيز إستراتيجية الردع بإدخال السلاح النووي فيها إلى جانب السلاحين الكيماوي والبيولوجي، ووسائل إيصالهم الصاروخية والجوية لمسافات تغطي دائرة المجال الحيوي لإيران، واعتماد الصواريخ البالستية متوسطة وبعيدة المدى (من عائلتي شهاب، سجيل) كسلاح ردع إستراتيجي رئيسي يعوض التخلف الموجود في القوات الجوية في مواجهة التفوق الجوي الأمريكي والإسرائيلي. ليس هذا فحسب ، بل ونجحت كذلك في تحقيق اكتفاء ذاتي من الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية؛ من خلال بناء قاعدة صناعية عسكرية وطنية تغني إيران عن الاعتماد على الخارج، خاصة في ظروف الحظر والحصار، مع غزو الفضاء بأقمار صناعية، وبما يعزز مكانة إيران على الساحتين الإقليمية والدولية. وقد أتاحت القوة العسكرية والاقتصادية لإيران الفرصة لأن تلعب دورا مؤثرا في العديد من الدول العربية، بل وأن تصبح اللاعب الرئيس المسؤول عن تطورات الأوضاع في تلك الدول. أوراق اللعبة العراقية في يد اللاعب الشيعي منذ رحيل القوات الأمريكية عن العراق ، وإيران تعتبر اللاعب الأكبر والأكثر تأثيرا في الساحة العراقية، حتى إن رحيل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لم يكن ليحدث دون ضوء أخضر من إيران، التى حرصت بعد تفجر الاوضاع في العراق ونجاح تنظيم الدولة الاسلامية في السيطرة على المناطق السنية في العراق، على دعم حكومة ناشئة تبقى تحت سيطرة حزب الدعوة الإسلامية الفصيل الشيعي الذي يتزعمه المالكي. فقد ارتابت إيران بشكل كبير حين ألقت إدارة الرئيس الأمريكي أوباما بكامل ثقلها على النداءات التي انتشرت في ذلك الوقت وطالبت بتنحي رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي، ولم تتخذ قرارا إلا بعد أن صوتت قيادة حزب الدعوة الإسلامية على التغيير بعشرة أصوات مقابل صوت واحد، وبعد قيام أحد كبار مسؤوليها وهو الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني بزيارة العراق . وكان الملفت في هذا القرار ربط إيران حسب تصريحات آية الله علي خامنئي، بين دعمها للعبادي وبين التزامه بدعم فعّال لمشاركة فيلق القدس في كل من العراق وسوريا. فقد سبقت الإطاحة بالمالكي قيام الحرس الثوري الإيراني بإرسال أفراد من قوة القدس وطائرات للهجوم الأرضي ومجموعة متنوعة من الطائرات بدون طيار إلى العراق، لتصبح إيران في وضع فريد يتيح لها الإحاطة بأي حالة طارئة قد تنشأ في شمال ووسط وجنوب العراق. كما أفادت التقارير أيضاً أن إيران نشرت ما يصل إلى سبع طائرات من طراز سوخوي سو-25-Frogfoot في الأراضي العراقية، وهي من أثمن ممتلكات الحرس الثوري الإسلامي، إذ تلعب دوراً رئيسياً في العمليات من [قاعدتها في] جزيرة أبو موسى الاستراتيجية في الخليج العربي. ويظهر انتشارها درجة استعداد إيران للعب دور حيوي ومؤثر على الساحة العراقية. وفي هذا الصدد كشف موقع ويكيليكس عن وقوف إيران بحسب الأميركيين وراء عدد من الأحزاب التي تأتمر بأمرها، وضلوعها في التخطيط والتمويل لعمليات تصفية لخصومها، وأحيانا لمن يعتقد أنهم من مناصريها. الحرب على الإرهاب في مرمى إيران وجدير بالذكر ان الحرب الأمريكية والخليجية على الإرهاب ساهمت فى تعزيز مكانة إيران كدولة إقليمية ذات نفوذ قوي، إذ وفّرت تلك الحرب لإيران فرصة مناسبة للحصول على مكانة إقلمية ودولية؛ فبعد الإطاحة بنظامى (العراق وأفغانستان) اللذين كانا يشكلان تهديداً مباشراً لطهران، تمت مكافأة إيران بإطلاق يدها فى العراق ولبنان، وأصبح لها نفوذ فى مناطق أخرى مهمة، مثل: غزة، وآسيا الوسطى، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، فقد استغلت إيران انهيار النظام العراقى وانشغال أمريكا فى حربها فى العراق، للتحول إلى القوة الإقليمية الأبرز، وإلى فاعل سياسى فى المنطقة لا يمكن تجاوزه، وهكذا، تصبح إيران ـــ فى هذه الحالة ـــ طرفاً مهماً فى تشكيل النظام العراقى الجديد بصمة إيران في الصراع السوري الفترة الماضية شهدت تحولاً جذريًّا في الموقف الإيراني من الأحداث في سوريا، وأصبح دعمها لنظام الأسد يتم دون مواربة أو غموض، وإن أخفتْ إيران حدود هذا الدور وأهدافه؛ فقد أعلن محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني، في سبتمبر الماضي، أن قوات فيلق القدس الذي يقوم بتنفيذ العمليات العسكرية والسرية خارج إيران موجودة في سوريا. كما سبق وأن أشار قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني إلى أن فيلق القدس يسيطر على الأوضاع في العراق وأفغانستان ولبنان وسورية، مؤكدًا أنه يتعيَّن على الولايات المتحدة التفاوضُ معه لحل مشكلات الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. وتخفي هذه التصريحاتُ الإيرانية رغبةً في التغلغل في عمليات التفاوض الدولية مع نظام الأسد؛ حتى تحافظ إيران على نفوذها في الدولة السورية بعد رحيل الأسد، لا سيما أن تصريحات مسؤوليها تبعث برسالة إلى الغرب، مفادها: أن أي مبادرة لحل الأزمة السورية لا بد أن تمر عن طريق طهران، باعتبارها تمتلك أوراقَ اللعبة السياسية في سوريا، وأن أي تجاهل للدور الإيراني فيها سيؤدي إلى فشل تلك المبادرات. لذلك تحرص إيران على تقديم دعم مباشر للنظام ولسياسته في مستوى الداخل السوري، وهو دعم يشمل تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية وتكنولوجية، ولم يقتصر الأمر في هذا الجانب على إرسال أسلحة ومعدات وقروض وتمويل احتياجات النظام، ومنها صفقات أسلحة ومعدات، بل شمل أيضا إرسال خبراء في مختلف الشؤون العسكرية والأمنية والتقنية، وتدريب مئات الآلاف من عسكريين في النظام، بعضهم جرى تدريبهم في إيران وآخرون في سوريا، والهدف في كل الأحوال كان تعزيز قوة النظام وقدراته لمواجهة ثورة السوريين والتغلب عليها. وكما هو واضح فإن الهدف الأساسي للدور الإيراني الواسع في القضية السورية مستمد من استراتيجية التمدد الإيراني في شرق المتوسط، وصولا إلى الخليج، ففي هذه الحلقة تشكل الثورة السورية محاولة إخراج سوريا من سلسلة سيطرة إيرانية، تمتد عبر العراق إلى سوريا التي يحكمها بشار الأسد إلى لبنان، التي يفرض حزب الله سيطرته عليها. دور متصاعد في اليمن جاءت العمليات العسكرية التى قام بها الحوثيون فى اليمن لتؤكد أن إيران تسعى للسيطرة وبسط نفوذها على منطقة الخليج العربي، وإيجاد دولة حليف لها تنفذ سياساتها، وذلك بعد أن فشلت في تنفيذ ذلك المخطط فى مملكة البحرين حيث سعت إلى دعم بعض العناصر الشيعية في البحرين من أجل إحداث ثورة تطيح بالنظام الحالى ويتمكن الشيعة من حكم البحرين، ذلك في الوقت التي قامت ببسط نفوذها على العراق بعد احتلاله من قبل القوات الأمريكية والبريطانية، وترك الساحة السياسية شاغرة أمام الدور الإيرانى الذى استغل هذا الفراغ، وتمكنت الاستخبارات الإيرانية من التغلغل في الجنوب العراقى ودعمت عناصر مسلحة، واستطاعت أن تبسط نفوذها على أغلب المناطق التى تعتنق المذهب الشيعي. وما يؤكد حقيقة الدور الإيراني في اليمن مطالبة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إيران بعدم التدخل في اليمن، مما دعا إيران لأن تنفي دعم جماعة الحوثي المسلحة ودعم الحراك الانفصالي في الجنوب، وذلك على عكس الحقائق التي تؤكد أن هناك تدخل وانتهاك للسيادة اليمنية. ففي عام 2009 تداولت وسائل الإعلام العربية تقرير صحافي لخطة إيرانية تدعم انفصال الجنوب وإعادة الإمامة للشمال وتم تسميتها” يمن خوشحال” وتعني (اليمن السعيد)،عبر طريقين مهمين، الفوضى الجماهيرية، والتمدد المسلح. ومن الواضح أن إيران تتحرك في اليمن وفق رؤية دولتين، واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب، ولتحقيق تلك الرؤية قدمت إيران عشرات الشحنات من الأسلحة ل”الحوثيين” و”الحراك” بين (2006-2013) ، ومن ذلك سفينة (جهيان 1) التي ألقي القبض عليها في2012، وأكدت بعثة مجلس الأمن أنها قادمة من طهران. بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه طهران في تهريب الأسلحة عبر سفن مهربة إلى جزر تتبع إريتريا، ثم يتم نقل هذه الأسلحة عبر قوارب صيد على شحنات صغيرة إلى الأراضي اليمنية، حيث يقوم سماسرة السلاح بنقلها وتهريبها إلى محافظة صعده التي تسيطر عليها جماعة الحوثي. ليس هذا فحسب، بل وتشير تقارير المخابرات الغربية إلى أن إيران تقوم بتدريب المسلحين الذين ينتمون للحراك الانفصالي والحوثيين، في حين أن وكيل إيران اللبناني( حزب الله) ، يوفر بعض التمويل و التدريب الإعلامي للمجموعات المسلحة بالإضافة للتدريب العسكري اللازم. صناعة التمرد عبر الإعلام كما استغلت إيران حالة الجنوح اليمنية للديمقراطية بعد ثورة 2011 وعمدت إلى دعم أحزاب سياسية وإنشاء أخرى، وقامت بتنفيذ زيارات إلى مدن إيرانية لمئات من الشباب اليمني بعدة لافتات ثقافية ودينية وسياسية. وأطلقت كذلك ثلاث قنوات يمنية عام 2012 ونشرت قرابة عشر صحف ومولت إصدار صحيفتين يوميتين بالإضافة إلى العديد من المواقع الإلكترونية، موزعين على المحافظات الرئيسية في اليمن، وتركز إيران على اليساريين ومن يتبعون حزب الرئيس المخلوع (المؤتمر الشعبي العام)؛ إضافة إلى تدريب إعلاميين في بيروت عن طريق منظمة لبنانية تتبع شخصيات محسوبة على إيران والعمل على استمالة المبدعين من هؤلاء الإعلاميين، لتنفيذ تلك الأجندة. وتسعى إيران من خلال الأوجه السابقة لتعميق الفرز المجتمعي بالإضافة للنزعة الانقسامية من أجل إحكام السيطرة على دولة ضعيفة لا تستطيع توفير الأمن الذي باتت توفره أذرعها العسكرية بعد السيطرة عليها. وذلك من خلال الدفع بالسياسيين والجماعات التي تعمل لصالحها للسيطرة على مفاصل الدولة وأجزاء كبيرة من الحكومة، نتيجة فرض أمر واقع بقوة السلاح والإعلام، في ظل تشرذم القوى الوطنية واستفحال الصمت الحكومي وتعمق الشرخ المجتمعي والسيطرة على مناطق البلاد. هذا التنسيق الذكي، للدور الذي يقوم به أطراف المنظومة السياسية الإيرانية، هو ما يجعلنا نفهم مغزى -تصريح- محمود حسن زاده سفير إيران بصنعاء-، عندما قال -ذات مرة-: «إن إيران تنطلق من التاريخ، ومعرفة الجغرافيا، وفقاً لمصالحها الأمنية، والاقتصادية، وليس وفقاً لرؤية قاصرة، لما يدور من أحداث في صعدة مثلاً،.. والقضية بالنسبة لإيران مصيرية». مما يؤكد: أن التدخل الإيراني، لا يحقق المعادلة المطلوبة على الساحة اليمنية، بل يزيد في إضعاف كينونتها. التنسيق الإيراني الأمريكي ..العزف على سيمفونية الأعداء على الرغم من الصراع الشرس بين الولايات المتحدة وايران بسبب العراق خلال سنوات الاحتلال الأمريكي إلا أنهما اتجهتا فجأة فيما يبدو للعمل معا بينما تواجهان ما تعتبرانه عدوا مشتركا ألا وهو تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد. وتعتبر الضربات الجوية التي نفذتها إيران داخل العراق في الأيام القليلة الماضية أحدث مظاهر الدور الأقوى الذي تلعبه طهران في حرب بغداد ضد المتشددين. وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أعتقد أنه إذا كانت ايران تستهدف تنظيم الدولة الإسلامية في أماكن معينة وهو أمر مؤثر وسيكون مؤثرا فإن المحصلة النهائية إيجابية. ويذهب مسؤولون أمريكيون الى ما هو أبعد من قبول الضربات الجوية الإيرانية ويشيدون بطهران لما يقولون إنه دور مهم في المساعدة في وقف تقدم تنظيم الدولة الإسلامية من خلال تعبئة الميليشيات الشيعية العراقية بعد أن سيطر التنظيم على مدينة الموصل وأصبحت بغداد مهددة. يختلف هذا كليا عما كان يحدث في ذروة الاحتلال الأمريكي للعراق حين اتهم مسؤولون أمريكيون تلك الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران بأنها تقتل وتصيب القوات الأمريكية. وأضاف مسؤولون أمريكيون في أحاديث خاصة إن إرسال إيران طائرات حلقت فوق محافظة ديالى العراقية لا يثير قلقا داخل الحكومة الأمريكية. إيران ..هيمنة الفاعل ..وفراغ المفعول به وعموماً، فإن الاستراتيجية الايرانية الجديدة والحرب الخليجية على الإرهاب، والحرب الأمريكية فى العراق والشام ضد تنظيم الدولة، واستنزاف القدرات الأمريكية، وعدم قدرتها على ضرب أى بلد آخر، ناهيك عن مناطق التوتر الأخرى، كل ذلك ترك فراغاً، وفتح فرصاً كبرى أمام حرية الحركة والفعل الإيرانيين، مما يجعلها طرفاً فى تشكيل سياسة المنطقة، وقوة رئيسة على المستوى الإقليمى ترمى إلى إحداث تغيرات جذرية تؤدى إلى إضعاف الدور الخليجى والعربي. (المصدر : شؤون خليجية)
مشاركة :