ذاكرة المطر.. مرة أخرى

  • 11/2/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

وتعود بنا الأيام إلى تلك السنين البعيدة.. إلى طفولة تعشق المطر، و«تخوض في لنقع» وهي تردد «زيده وارحم عبيده». تلك أيام خلت، في مدرسة الزياني الجنوبية، وهو بيت قديم للمرحوم خميس الزياني، وذاك داعوس طويل كيف تحول إلى ملعب كرة لتلاميذ المدرسة وكيف كان الاستاذ يوسف بقامته الطويلة وبالثوب والغترة والعقال يحكم مباراة مدرستنا في ذلك الداعوس. وفراش المدرسة «سعيد» ذلك العماني الطيب الذي يحنو على الأطفال بابتسامة أبوية ويرافقهم حين يسقط المطر لاجتياز مستنقعات الداعوس الطويل أو بالأدق الذي كان أيامها طويلا بالنسبة لنا نحن الأطفال، فحين اخذتني قدماي إليه قبل بضع سنين وجدته طريقا عاديا، فأين ذهب طوله الطويل؟! لم نكن نهرب من المطر بل كنا معه اصدقاء يبعث فينا الفرح ويدفع الينا بطاقات من المرح، ولم يكن الأهل ليزجرونا حين نلعب في «نقع» المطر، ومحظوظ مزهو ذلك الذي يملك «بوت مطر» يخوض به «لنقع» بثقة أن لن يتبلل، وكنا نضع «لخياش» فوق الرؤوس لاتقاء الامطار وعذرا لنا لنلعب حتى نكل من التعب. وكانت البيوت جميعها معتادة على «خرير» المطر وتسربه إلى كل زوايا المنزل وغرفه ومرافقه، وكان الأمر عاديا ان تسمع «سيمفونية الخرير» في الأواني النحاسية طوال الليل وننام على صوتها تعزف لحن المطر. جيلنا جيل صديق للمطر وله معه ذكريات تطول وتتحدد كلما انهمر المطر من المزاريب «المرازيم» التي كنا نفرح ونحن نأخذ حماما تحت «الشاور» الموسمي الجميل. واليوم إذ نستذكر نحن ابناء المحرق نستذكر «الصخير» أيام ما بعد المطر، حين تزهو الأرض هنا بالأخضر والاصفر، ولأننا من مناطق بحرية، فإن المنظر الطبيعي يسرقنا عن كل ما عداه من مناظر، وما يكاد «باص» الرحلة يتوقف حتى نتقافز إلى ذلك الفضاء الملون بالاخضر والاصفر ونفترش الارض الطبيعية بافتتان طفولي ولا أروع، ونبدأ بالتصوير بالأسود والأبيض فلم نكن نعرف الملون من الصور الا في المجلات المصرية مثل المصور وآخر ساعة والكواكب. وكان جبل الدخان يلوح من بعيد عن روضة لصخير وكان العزم الطفولي قد قرر بنا ان نقطع الطريق إليه «واجبا» سنويا نؤديه في رحلة الشتاء. هي رحلة واحدة فقط لا غير، وهو يوم واحد أو بالأدق نهار واحد فقط لا غير، وهي ذكرى انغرست في الوجدان وفي الذاكرة ولم تبارح صورها القلب العاشق لزمن المطر القديم، فقد كانت لنا معه أيام وأيام وشقاوات صبية هم اصدقاء للمطر آنذاك. كان المطر يغرق الدواعيس والزرانيق وكانت بقايا الأحجار هي المساعد والمعين لرحلة العبور والوصول إلى البيت الذي تحيط به المستنقعات، ويظل الخيال سارحا وراء تلك اللحظة التي لم نكن فيها نشتكي ولا نتململ أو نتأفف، فهذه كانت حياتنا التي تأقلمنا مع صعابها ومشاقها، بل كانت تلك الصعاب وتلك المشاق تبدو جميلة وخصوصا لاطفال نشأوا مع كل صعب وشاق و.. جميل. وحده سوق المحرق القديم كان في ذلك الزمن يمر بظروف صعبة علينا نحن الصغار والاطفال العبور واجتياز المستنقعات التي تمنع وتحول بيننا وبين دكاكينه، ولعلنا كنا نستخدم المطر هنا عذرا وحجة نتحجج بها امام الأهل لعدم الذهاب إلى السوق وتلبية طلبهم لنا بشراء «اغراض للبيت» ولو قالوا لنا اذهبوا لتشتروا لكم «كرة» لذهبنا واجتزنا تلك المعوقات بلذة وفرح ودون عناء..!! وكان المطر فقط يعوق مباراتنا في الكرة التي نعشقها عشقا ما بعده عشق، ولذا كنا ننزل بعد المطر إلى «البطح» ونعني به البحر في حالة الجزر، حيث نختار مساحة مفتوحة في البحر غادرتها المياه في لحظة الجزر لنلعب فيها ونمارس هواياتنا الافضل «كرة القدم». ألم أقل تلك أيام وتلك ذاكرة المطر وتلك لمحات من حياة جيل الستينات؟

مشاركة :