تعلم الادخار .. في الوقت المناسب

  • 11/2/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يرتبط الادخار بالوقت، إذ تُجنب فيه الأموال لبعض الوقت حتى يمكن استخدامها بشكل أفضل لاحقا؛ لكن فوائده أكثر من ذلك، إذ يساعد على جعل الاستهلاك الحالي أكثر كفاءة والاستهلاك المستقبلي أكبر قيمة. كثيرا ما تأتي محاولات الادخار متأخرة. نعظم حينها من مشكلة التأخير حتى نغير رأينا ونقول "خلاص ما في فائدة"، ثم نقلل من أهمية الادخار وفائدته، وهذه معضلة كبيرة ووهم ساحق لمن يتورط فيه، يجعله يفوت قدرا كبيرا من الكفاءة والقيمة الحياتية. رأينا جميعا "هذا إن لم نجرب فعليا" قوة تأثير الموقف في السلوكيات المالية عندما ارتفعت الأسعار، وأرقام متاجر التجزئة ونشاط المطاعم توضح ذلك بشكل جلي، حتى إن البعض وصف ذلك وكأنه العلاج بالصدمة. وهذا يتفق مع أحدث الدراسات التي تؤسس للأساليب الجديدة في التوعية المالية والتأثير في السلوك المالي، وهو ما يربط التعلم المالي وتغيير السلوك بصنع القرار المالي، أي بتأثير الموقف أو الحدث المالي في السلوك. وبشكل مبسط، تقترب الممارسة الجديدة من التحقق إذا تأثرت بعامل يؤثر في واقع الشخص بشكل مباشر؛ إذا تم إجبار الفرد على تغيير أسلوب حياته أو أتيحت له فرصة تجربة منفعة جديدة أو شعر بالضغط على غير العادة، وتوافرت بعد ذلك العناصر المساعدة الأخرى مثل: الحل المناسب، والمثال الجيد، والظروف المواتية سيتغير السلوك ويتحسن الواقع. تحذير الناس من أمور لا يتخيلونها ولا يعيشونها أداة منطقية لكنها متواضعة التأثير. تطورت على مدى الـ 30 سنة الأخيرة البرامج التي تسعى إلى إحداث نقلة في الإدارة المالية الشخصية، بافتراض أن تحسين الممارسات يؤدي إلى تحسين حياة الأفراد ويرفع من الإنتاجية الكلية للمجتمع، وهو افتراض منطقي ومعقول، لكن الاكتشاف المفاجئ في نظري، أن التربية المالية وهي إحدى أهم الأدوات التي تهدف إلى المساعدة على الوصول إلى تحسين الممارسات والسلوكيات المالية لم تثبت فاعليتها في تحقيق هذا الهدف بشكل كاف، بل إن هناك من الدراسات ما يذكر بأن برامج التربية المالية - على الرغم من تنوعها - لم تصنع أي فارق، وهذا يعني أن هذه الأدوات غير ملائمة أو أنها لم تنفذ بشكل جيد. لكن، باعتبار أن الأبحاث في هذا الموضوع تعتبر نسبيا جديدة، لا يزال هناك حيز كبير للنظر في التفاصيل بشكل أفضل وربما تحديدا طرق ووسائل أكثر فاعلية في تحقيق هذا الهدف، وتحديد الأقل فاعلية لاستبعاده، خصوصا أن برامج التربية والتوعية المالية تتغير كل يوم - محليا وعالميا - وهناك اتجاهات جديدة في تنفيذ هذه البرامج. من البدائل المناسبة لتحقيق هذه الأهداف ما يسمى أسلوب "في الوقت المناسب" Just In Time على غرار مفهوم إدارة العمليات الشهير. بشكل مبسط، في هذا المفهوم تتعلم عن القرض عندما تحتاج إليه وتبدأ في البحث عنه، وتحرص على دراسة موضوع الرهن العقاري أو خيار شراء المسكن أو استئجاره حين تعزم على القيام بذلك، وهكذا، التعلم في الوقت المناسب. وجدت أبحاث التربية المالية التي تدرس مدى تأثير عملية التعلم في السلوك أن الفاعلية ترتفع بشكل واضح إذا كان التعلم المالي يحدث في الوقت المناسب، أي عندما تكون هناك حاجة فعلية إلى اتخاذ قرار. ولهذا تتم اليوم دعوة الجهات التي يتعامل معها الأفراد حين يتخذون قراراتهم المالية إلى المساهمة في التوعية بشكل مباشر أثناء اتخاذ القرار، وهذا يشمل المصارف ودور الاستثمار وجهات العمل والمؤسسات العقارية. لكن هناك تعارض مصالح واضح، إذ إن التعلم المالي الجيد قد يضيع على هذه الجهات بيع منتجاتها أو خدماتها. لهذا يجب أن يتم تفعيل هذا الدور من جهات مستقلة، وهذا تحد كبير. المشكلة الثانية المرتبطة بهذا المفهوم أن تأثيره ممتد لكن استخدامه ظرفي زمانيا، وهذا يعني أن الظروف قد لا تكون نفسيا أو حتى لوجستيا مناسبة للحصول على التعلم الكافي عندما يبدأ الفرد في الاستعداد لاتخاذ القرار. وثالثا، هناك قرارات مصيرية تحدث للإنسان لبضع مرات في حياته، لكن ماذا عن القرارات المالية التي تحدث بشكل يومي؟ هل سنستطيع أن نحصل على جرعات تعليمية بشكل عملي ومؤثر مع كل قرار، أشك في ذلك. وأخيرا، التربية اللحظية أو التوعية الظرفية تتطلب بعض التأسيس والإعداد، وهذا يعني أن هناك دائما حدا أدنى من التربية المالية لا يمكن الاستغناء عنه. إجمالا، لا بد من قاعدة تبنى عليها هذه التأثيرات التي نتمنى أن تحصل في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، وهذا ما يؤكد الحاجة إلى التربية المالية المستمرة والمبكرة، التي لا تحصل بأي حال بشكل جيد حتى اليوم. وإلى أن تتجسد هذه الحلول المهمة، لا بد أن يلتزم كل فرد باستراتيجيتين مهمتين ويقرنهما ببعضهما البعض، الأولى تعزيز الوعي المالي الشخصي والتأسيس للمفاهيم المالية الأساسية التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالتعلم المخطط له أو بالتجربة القاسية، والثانية بالتركيز على تحسين مهارات التعلم السريع والبحث الهادف أثناء اتخاذ القرارات المهمة، حتى تبنى على اطلاع ومعرفة.

مشاركة :