كان الدم بالنسبة لللاجئ السوري أغياد مالك يرمز إلى شيءٍ واحدٍ: الموت، إذ كان ينظر إلى الشوارع المضرّجة بالدماء على أنها "كابوسٌ حقيقي"، حتى أن التفكير في الدم كان أمراً مروعاً بالنسبة إليه، وبالرغم من الأوضاع السياسية الصعبة التي تدفع البعض، على غرار مالك، إلى ترك أوطانهم بحثاً عن مكانٍ آمنٍ وسقفٍ يحميهم من شبح الموت، فإن مشهد الدماء سيتخلّى عن طابع العنف ويتحول إلى عملٍ فني ضخم يحمل في طياته رسالة إنسانية مفادها: لا فرق بين المشاهير واللاجئين، فالدماء تجري في عروق الجميع دون استثناء. "الملحمة" تحرك أزمة اللاجئين "سواء كنا سوداً أم بيضاً أم أياً كان لون بشرتنا.. دم جميعنا في النهاية أحمر. إننا متحدون"، هذا ما قاله "أغياد مالك" وهو واحدٌ من 5 آلاف سيتبرعون بدمهم لمصلحة عمل فني جديد يعود للفنان البريطاني "مارك كوين" ويحمل إسم Odyssey أي الملحمة. مارك كوين هذا المشروع، الذي سيتم عرضه خارج مكتبة "نيويورك" العامة اعتباراً من سبتمبر المقبل، هو غير ربحي، والهدف منه تسليط الضوء على أزمة اللاجئين، بالإضافة إلى جمع مبلغ 30 مليون دولار للتبرعات بهدف التخفيف من وطأة الأزمة. وفي التفاصيل التي نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية، أن العمل على مشروع Odyssey قد استغرق 3 سنوات، فقد كانت الفكرة في البداية عبارة عن مجرد رسم "سكيتش" على ظهر غلاف لوح شوكولا، ومن ثم تطورت فكرة "كوين" وأصبحت عبارة عن مكعبين يحوي كل منهما طناً من الدم المجمّد.الدماء توّحد الجميع في حين أن أحد المكعبين سيحتوي على دماء اللاجئين، فإن المكعب الآخر سيضم دماء أشخاص غير لاجئين من بينهم مشاهير عالميين على غرار كيت موس والسير بول مكارتني. أقوال جاهزة شاركغردسيحتوي أحد المكعبين على دماء اللاجئين، والمكعب الآخر سيضم دماء أشخاص غير لاجئين من بينهم مشاهير عالميين على غرار كيت موس والسير بول مكارتني. شاركغرد"الدم في صندوقٍ معروض في مكانٍ عام، وفيه ترى أناساً من جميع الأجناس والأحجام والأشكال. والشيء الوحيد الذي يميز الدم هو أنه يبقى نفسه بالنسبة إلى الجميع". كيت موس والمفارقة أنه لن يتم إخبار الجمهور عن الفرق في المكعبين، مما يجعل الحاضرين يتأملون في أوجه التشابه التي نتشارك بها جميعاً كبشر. "إن النقطة الرئيسية في هذا العمل هي أننا جميعاً متشابهون تحت الجلد"، هذا ما أكده "كوين" الذي بدوره يجهل دماء من في المكعبين:"سترون مجسمين مصنوعين من الدم لكنكم لن تعرفوا ممن أتت الدماء". يحب "مارك كوين" أن ينظر إلى مشروعه Odyssey على أنه "أول عمل فني مهاجر" في العالم، ويخطط لعرضه في لندن وفي أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط. وبحسب ما تشير إليه الصحيفة البريطانية، فإن كل شخص يتبرع بالدماء سيساهم أيضاً بإرسال رسالةٍ قصيرةٍ مصورة ستظهر على لوحات الإعلانات في نيويورك. إلا أن رسائل المشاهير النابضة بالإيجابية تختلف كلياً عن القصص المروعة التي يرويها اللاجئون، على غرار قصة زهراء إسماعيلي، وهي لاجئة أفغانية عاشت مع المافيا الروسية حين كانت في الثالثة عشرة من عمرها، وقصة "هاس هاغيلي"، الذي فرّ من كلية الطب في ليبيا بعد أن كشف عن مثليته الجنسية. ولكن ما سبب إشراك المشاهير في عملٍ فني يهدف إلى تسليط الضوء على معاناة اللاجئين؟ أراد "كوين" ضم المشاهير إلى العمل لجذب اهتمام الناس خاصة الذين لا يستمعون عادةً إلى قصص اللاجئين، وللتأكيد أيضاً على فكرة أن الدم يرمز إلى المساواة:" إن الأمر متعلق بكيفية تقييمنا للبشر"، مشيراً إلى أنه أراد وضع المشاهير جنباً إلى جنب مع بعض الأشخاص الأقل قيمة في العالم على منصات متساوية و"إعطاءهم صوتاً متساوياً". وتعليقاً على هذا المشروع الفني، قالت العارضة "كيت موس": "أن يحمل المرء عائلته بأكملها وينقلها هو محاولة لإيجاد حياةٍ في مكانٍ آخر. أعتقد أن Odyssey هو مشروع لم ير الناس مثيلاً له من قبل"، مشيرةً إلى أن العمل يجسّد صورةً قوية جداً: "الدم في صندوقٍ معروض في مكانٍ عام، وفيه ترى أناساً من جميع الأجناس والأحجام والأشكال. والشيء الوحيد الذي يميز الدم هو أنه يبقى نفسه بالنسبة إلى الجميع".أكمل القراءة الدم في خدمة اللاجئين بالإضافة إلى رفع منسوب الوعي لدى الناس، يهدف مشروع "الملحمة" إلى جمع تبرعاتٍ ضخمةٍ لدعم قضايا اللاجئين، وعليه تم إنشاء جمعيةٍ خيريةٍ تحت إسم Human Love "الحب الإنساني"، وعقد اتفاقية تعاون مع لجنة الإغاثة الدولية، بالإضافة إلى التعاون مع العديد من المؤسسات الخيرية، من أجل جمع ما بين 10 و12 مليون دولار من تسويق العمل الفني، بالإضافة إلى جمع مبلغ 20 مليون دولار من حملات التبرعات. بالنسبة إلى "كوين" فإن الفن يلعب دوراً مهماً في تذكير العالم بالفظاعات والأزمات: "نتذكر غرنيكا لأن بيكاسو رسمها، وإلا لبقيت مجرد معركةٍ أخرى من حرب إسبانيا الأهلية"، وعن موضوع اللاجئين قال:"بالنسبة إلي، فإن أزمة اللاجئين يجب أن تبقى عالقة في الذاكرة الجماعية للعالم". الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها "مارك كوين" الدماء في أعماله الفنية، ففي العام 1991 أنتج عمله الفني Self، وهو عبارة عن تمثال لرأسه مصنوع من 10 أكياس من دمه، ومغطى بالسيليكون المجمد. وبعد نجاح المشروع ذاع صيت "كوين" فأراد العمل على مشروعٍ آخر يرتكز أيضاً على الدماء، ومع بروز قضية اللاجئين وجد أن مادة الدم تناسب الموضوع تماماً، فقام في العام 2016 بزيارة برلين حيث التقى بعدد من اللاجئين وإستطاع أن يلمس ترحيبهم بالفكرة واهتمامهم بالتبرع بالدم. ويأمل كوين في الحصول على إذنٍ من بعض الجهات المانحة لتتبع الحمض النووي الخاص بها وذلك بغية استلهام أعمالٍ فنيةٍ أخرى في المستقبل، مثل تتبع أنماط الهجرة لكل مكعب. اقرأ أيضاًماذا يمكن أن يعلمنا آندي وارهول عن الاستهلاكية العربية؟تصوير الحب والإيروتيكية والنرجسية في الفن عبر التاريخ... ما علاقة آدم وحواء بتطبيق "تندر"؟لندن تتعمّق بالفن الإسلامي في معرض "جائزة جميل 5"معرض ريم الجندي وصديقها الخيالي "باخوس" رصيف 22 رصيف22 منبر إعلامي يخاطب 360 مليون عربي من خلال مقاربة مبتكرة للحياة اليومية. تشكّل المبادئ الديمقراطية عصب خطّه التحريري الذي يشرف عليه فريق مستقل، ناقد ولكن بشكل بنّاء، له مواقفه من شؤون المنطقة، ولكن بعيداً عن التجاذبات السياسية القائمة. كلمات مفتاحية الفن اللاجئون التعليقات
مشاركة :