بلومبيرجهل تضرّر مستقبل السيارات الكهربائية من الفوضى المحيطة بشركة «تيسلا»؟ بالطبع لا. فما تمر به الشركة حالياً لا علاقة له بمستقبل القطاع الذي لا يتوقف على ما يحدث في ولاية كاليفورنيا؛ بل على قرارات يتم اتخاذها على بعد 6000 ميل في بكين.كان صيفاً قائظاً أمضاه رئيس تيسلا إيلون ماسك. وقد أدت مشاكل الإنتاج إلى تأخير تطوير السيارة طراز «تيسلا إس»، مما أسفر عن زيادة التكاليف وإطالة دورة تمويل عمليات الشركة. وشاعت أخبار أطلقها ماسك، تفيد بأنه سيحولها إلى ملكية خاصة ما أنعش سهم الشركة، إلا أنها واجهت مؤخراً مشاكل قانونية بسبب تلك الأخبار، حيث تجري وزارة العدل الأمريكية تحقيقاً حول محاولة ماسك تضليل المستثمرين.وإذا كانت «تيسلا» قد نجحت في تأجيل مشاكلها لهذا الموسم، إلا أن العديد من المشاكل المالية المتراكمة ستحول دون إفلاتها لاحقاً، تضاف إلى ثقة المستثمرين المهتزة في ماسك وفي مجلس الإدارة، بعد أن انخفضت الأسهم أكثر من 20 في المئة في الأشهر الإثني عشر الماضية.وتزامناً مع محن تيسلا، ينتقل قطاع السيارات الكهربائية من نجاح إلى نجاح، لكن ليس في الولايات المتحدة بل في الصين. فمن أصل 3 ملايين سيارة كهربائية أنتجت في جميع أنحاء العالم، هناك مليوني سيارة تم تصنيعها واستخدامها في الصين. وقد ارتفع إنتاج السيارات الكهربائية وغيرها من المركبات التي لا تعمل بالوقود الأحفوري في الصين، إلى 500 ألف سيارة في النصف الأول من هذا العام. ولكن حتى الآن، لا يشكل ذلك سوى نسبة صغيرة في سوق السيارات والشاحنات الصغيرة العالمي، البالغ عددها 1.1 مليار سيارة.ولا شك أن الخطوة الصينية التالية ستكون حاسمة. فبعد أن أصبحت السلع الاستهلاكية جزءاً مهماً من الاستراتيجية السياسية في الصين، حيث حل التركيز على تحسين مستويات المعيشة وتوفير السكن والسيارة، محل التركيز على الديمقراطية، لا بد أن تُقر الحكومة خطة اعتماد السيارات الكهربائية التي نجحت الصين في تصميمها وتصنيعها.ومع تطور وازدهار الصين، اتسعت دائرة ملكية السيارات وأصبحت الآن في متناول الطبقة الوسطى المتنامية، حيث ارتفعت نسبة امتلاكها من 20 سيارة لكل ألف صيني في مطلع القرن، إلى أكثر من 100 لكل ألف. ويزيد عدد تراخيص المركبات الجديدة على 1.5 مليون رخصة في الشهر. وقد أسهم هذا في تفاقم مشكلة التلوث وزيادة واردات البلاد من النفط، التي ارتفعت إلى ما يقرب من 9 ملايين برميل يومياً. ويستمر الطلب في النمو، حيث لا تزال نسبة ملاك السيارات في الصين أقل من ربع مثيلتها في الاتحاد الأوروبي.وتقدم السيارات الكهربائية حلولاً عملية لأعقد مشاكل الصين. فهي أكثر نظافة (على الرغم من أن 80 في المئة من الكهرباء في الصين لا تزال تأتي من الفحم، ما يقلص تأثيرها الإيجابي)، ويمكنها أن تخفض الطلب على النفط. والأهم من ذلك، أن لدى القطاع القدرة على أن يكون مصدراً جديداً للوظائف ولعائدات التصدير للبلد.ويحظى إدراج شركة «نيو» الصينية لصناعة السيارات الكهربائية على الاكتتاب العام الأولي في بورصة نيويورك، باهتمام بالغ من قبل مئات الشركات الصينية الناشئة في مجال صناعة السيارات الكهربائية. ولم تفلح «نيو» التي تحظى بدعم شركة «تينسنت» العملاقة للتقنية، سوى في جمع نصف المبلغ المستهدف من الإدراج، وهو 1.8 مليار دولار، لكن أسهمها ارتفعت بنسبة 76% في أول أيام تداولها.ويكمن مفتاح النمو السريع والمستدام لقطاع السيارات الكهربائية الصيني، في طبيعة قواعد تنظيمه. فعلى سبيل المثال، إذا أصرت الصين على منح ربع التراخيص الجديدة لإنتاج السيارات في البلاد، لشركات السيارات الكهربائية خلال السنوات الخمس المقبلة، فسيتم إضافة ما بين 25 و30 مليون سيارة كهربائية إلى العدد الإجمالي العالمي. ولتسريع وتيرة التغيير، يمكن فرض ضريبة على السيارات القديمة التي تعمل بمحركات انفجارية أو حظر إنتاجها. وفي بعض المدن، قد تكون التراخيص مقتصرة على السيارات الكهربائية فقط. وتعرض كثير من المدن الصينية الكبرى، حوافز وتضع القيود لدفع تطوير السيارات الكهربائية قدماً.وفي بيئة مشجعة كهذه، لا بد أن تفتح أبواب تصدير السيارات الكهربائية الصينية إلى أسواق العالم، بدءاً من آسيا مروراً بإفريقيا، ثم إلى أمريكا اللاتينية. ومما يعزز فرص نجاح هذا القطاع، التطور الذي سجلته الصين في مجال صناعة البطاريات، حيث يبلغ إنتاجها منها ثلاثة أضعاف ما ينتجه العالم.وعلى الرغم من استمرار الجهود الأمريكية والأوروبية في تطوير صناعة السيارات الكهربائية، إلا أن الصين مرشحة لقيادة هذا القطاع عالمياً؛ نظراً لما تمتلكه من معطيات خاصة بها، ليس أقلها عدد السكان، والتكلفة التي تضمن لها شروطاً تفضيلية في دول العالم الناشئة.
مشاركة :