شرف الصحافة العربية.. مواثيق حبر على ورق!

  • 11/6/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

سليمة لبال –منذ مطلع القرن العشرين صاغت العديد من المؤسسات الصحافية في أوروبا والولايات المتحدة وحتى في العالم العربي مواثيق شرف، كما حدّد بعضها مبادئ وقواعد ممارسة الصحافة، لكن يبدو أن احترام أخلاقيات الصحافة تراجع بشكل كبير لأسباب عدة، ما أفسد بعض وسائل الاعلام، وفق ما يرى كثيرون. تُرى هل تلتزم المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي بأي اخلاقيات وهل تملك مواثيق شرف، وهل تلزم صحافييها بها؟ تلك الأسئلة وغيرها أجاب عنها عدد من الكتاب والصحافيين في أحاديث لـ القبس.يقول الكاتب الصحافي الكويتي أحمد الصراف إن مهنة الصحافة فقدت الكثير من أخلاقيات المهنة، ويضرب مثالا على ذلك التشهير الذي طال الكثير من المتهمين الكويتيين في قضايا لا تزال منظورة أمام القضاء، وبعضها لم يتعد مرحلة التحقيقات على مستوى الأجهزة الأمنية.ويضيف: «تتعمد بعض الصحف في الكويت عدم ذكر أسماء متهمين، ولكنها تعمد إلى التشهير ببعضهم رغم أن القضاء لم يدنهم بعد.. أين ميثاق الشرف هنا؟ ماذا عن عائلاتهم وسمعتهم، لو برّأهم القضاء في وقت لاحق؟»ويعتقد الصراف أن المسألة معقدة للغاية وترتبط بثقافة المجتمع نفسه. ويقول: «ثقافة مجتمعنا لا تعرف هذه المعاني، نحن نُخْلف مئات المواعيد والعقود والمواثيق، لأنها لا ترتبط بالشرف في مفهومنا العام، لأن الشرف عندنا لم يخرج عن نطاقه الجنسي، وأما باقي الامور كالالتزام بالمواعيد والمشاركة في الانتخابات ودفع الضرائب وعدم الوقوف في الممنوع.. الجميع لا يعرف أن للشرف علاقة بهذه المواضيع».مهنة من لا مهنة لهفي الجزائر أثار بث صور اعتقال صحافيين وفنانين على شاشة قناة تلفزيونية خاصة قبل أيام، جدلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي ،حيث ندّد كثيرون، بينهم فنانون، بالتشهير الذي طال هؤلاء الأشخاص، الذين صدرت في حقهم مذكرات توقيف فقط، ولم تتم إدانة أي منهم حتى الآن.ويقول الإعلامي والبرلماني السابق إبراهيم قارعلي: «أكاد أقول وبكل أسف شديد أنه لم تعد توجد صحافة في الجزائر ولا ميثاق شرف يضبط الممارسة الإعلامية». ويتابع: «انتكس الاعلام في الجزائر خلال العشرين سنة الاخيرة، بعد أن اغتصبت الصحف وبعدها القنوات التلفزيونية من طرف أثرياء الأزمة الجدد وغيرهم من الفاسدين والمفسدين».ورغم هذا يؤكد ابراهيم قارعلي أن قلّة من الصحافيين لا يزالون يقاومون الرداءة في الوسط الاعلامي، بعد أن فضلت الكثير من الكفاءات الاعلامية الهجرة، ليس بسبب تردي الوضع الأمني مثلما كان الامر في البداية ولكن بسبب تردي الوضع الإعلامي.ويتحدث الصحافي الجزائري عن خطورة الفساد الاعلامي في بلاده، والذي تفوّق وفقه على الفساد المالي والسياسي، بعد أن أصبحت الصحافة مهنة من لا مهنة له على حد قوله.ويضيف: «عندما تكون هناك صحافة، وعندما يكون هناك صحافيون، يومها فقط يمكننا الحديث عن ميثاق الشرف الإعلامي».وكان ابراهيم قارعلي نائبا في البرلمان الجزائري، وتقلد منصب مقرر لجنة الاعلام التي صاغت القانون العضوي للإعلام، ويرى ان هذا القانون الذي ضبط الممارسة الإعلامية وميثاق أخلاقيات المهنة بقي حبرا على ورق بعد أكثر من خمسة أعوام من إقراره ونشره في الجريدة الرسمية.مواثيق بلا تطبيق لا يختلف الوضع في مصر كثيرا. ويقول الصحافي محمود عبد الرحيم إن مواثيق الشرف في بلاده لها طابع معنوي وليس قانونيا، حيث يتم تدريسها في الجامعات، لكن لا أحد يلتزم بها.ويضيف «طالما لا يوجد إلزام ولا عقاب، تحدث الكثير من الانتهاكات وأبرزها نشر أسماء وصور متهمين في قضايا قبل نشر صدور أحكام قضائية نهائية ضدهم ونشر صور الجثث والتشهير بالناس من دون اي سند، علاوة على الخوض في الأعراض وتصفية الحسابات الشخصية عبر وسائل الإعلام».ويثير محمود عبد الرحيم قضايا اخرى ترتبط ارتباطا وثيقا بأخلاقيات المهنة كالخلط بين الإعلان والإعلام وتوظيف القلم للتربح وتسخير المهنة لأغراض شخصية أو توجيه الرأي العام لمصلحة فئة أو حزب سياسي من دون التقيد بالموضوعية والحياد.ويرى عبد الرحيم أن الالتزام بقواعد مهنة الصحافة يتطلب تحريرها من سيطرة الحكومات وسطوة رأس المال، وألا يتم إلحاق غير الصحافيين بالمهنة، وتدريب الصحافيين باستمرار وتشكيل نقابات قوية تعمل على تطوير المهنة.نقاشات مستمرةلا يتوقف النقاش العام عن أخلاقيات المهنة في فرنسا. وعلى الرغم من أن غالبية وسائل الإعلام يملكها رجال أعمال لهم مصالحهم الخاصة، إلا فإن لكل مؤسسة ميثاق شرف يضبط علاقة الملاك بإدارة التحرير مثلما هي الحال بالنسبة إلى مجموعة لوموند.ونقرأ في ميثاق شرف مجموعة لوموند أن المساهمين لا يتدخلون في الخيارات التحريرية للصحيفة ولا يحضرون اجتماعات التحرير إلا بدعوة من إدارة الجريدة او التحرير ومن دون اي تدخل، كما يُمنعون منعا باتا من إصدار أوامر بكتابة مقال معين او تغيير آخر أو منع نشره.وأما في ما يتعلق بواجبات الصحافي، فتلزم «لوموند» صحافييها باحترام الحقيقة، والدفاع عن حرية التعبير والنقد، ونشر المعلومات المعروفة المصدر فقط، وعدم استخدام أدوات غير مشروعة للحصول على المعلومات أو الصور أو الوثائق، واحترام الحياة الشخصية للاشخاص، وعدم الخلط بين مهنة الصحافة والاعلان والترويج، وعدم قبول اي هدايا تزيد قيمتها على 70 يورو ،علاوة على عدم الرضوخ لاي ضغوط سواء من الحكومة أو غيرها.وتحرص «لوموند» على أن يختلف حجم الخط ونوعه وإخراج الصفحات الإعلانية عن الصفحات الخبرية، حتى لا يخلط القارئ بينهما، خصوصا حين يتعلق الامر بريبورتاجات إعلانية مدفوعة الثمن، كما تمنع صحافييها، وإن باسماء مستعارة، من تحرير أي مادة إعلانية أو تصميمها، ولا تمنح فرصة للمعلنين لقراءة أو التدخل في مضمون الصحيفة أو ملاحقها أو أعدادها الخاصة، التي ساهموا في رعايتها.وفي ألمانيا، تلزم جمعيات الصحافيين والمؤسسات الإعلامية صحافييها باحترام ميثاق الشرف.وتقول رئيسة تحرير مجلة «ديفا» هارييت لاغانك إن جمعية الصحافيين الالمان DJV، وهي أكبر ممثل للصحافيين الالمان، تناقش في الوقت الحالي موضوع تأثير الصياغة الآلية للمقالات والأخبار عن طريق برامج خاصة على شرف المهنة وتدخل الآلة أو الروبوت في العمل الصحافي وضرورة التمييز بين المضمون الإعلاني والمادة الإعلامية في الإعلام الالكتروني.وترى أن من بين أبرز المواضيع الجدلية التي لها علاقة بأخلاقيات المهنة في ألمانيا الآن تتعلق بالمهاجرين الذين يزيد عددهم على مليون شخص، وعما إذا كان على الصحف ذكر أصل اللاجئ ودينه، ومتى اتهم بارتكاب جريمة او الاكتفاء بذكر الحرفين الأولين من اسمه لتجنب ردود فعل الجمهور. وتقول لاغانك إن موضوع أخلاقيات المهنة يخضع لنقاش مستمر في المانيا. وتضيف: «لا تتوقف الجامعات الألمانية، التي تدرس الصحافة عن فتح نقاش في هذا الخصوص بالتعاون مع دور النشر والجمعيات ورؤساء التحرير والصحافيين والجمهور ايضا». الاستقلالية جزء من الأخلاق ترى الكاتبة الصحافية البرتغالية في صحيفة الأوبسارفادور ماريا ماركيز، إن ميثاق الشرف هو أهم ما يجب أن يتميز به الصحافي. وتقول: «هذه الاخلاقيات تضمن التعامل باحترام مع أطراف القصة الصحافية، كما تضمن للقراء بأن الصحافي أطلعهم على كل مكونات القصة، من دون التستر أو تحوير أي جزء منها كما أنها تحمي القيم، مثل الخصوصية وتضمن تمييز الصحافي بين رأيه وقناعاته ومحور القصة». وتعتقد ماركيز أن الاستقلالية ضرورية بالنسبة للصحافي ويجب ان تكون جزءا لا يتجزأ من أخلاقيات المهنة. وتتابع: «يجب ان يكون الصحافي مستقلا عن أي مصالح اقتصادية يمكن ان تؤثر في كتاباته وأفكاره ايضا، وأن يمتنع عن كتابة اي مواد صحافية ترتبط بالحزب السياسي الذي ينتمي اليه او المنظمة التي ينشط لمصلحتها». وتقول ماركيز إن المؤسسات الإعلامية البرتغالية تمنع الصحافيين من تلقي هدايا من شخصيات، هي موضوع قصتهم الصحافية، لكنها تسمح وفق تجربتها بتلقي هدايا صغيرة القيمة كعلبة شاي أو قلم أو علبة تونا ولا شيء غير ذلك. الحلول متوافرة يرى أهل المهنة أن استرجاع المهنة لشرفها يحتاج إلى عمل جبار، مختبره الأساسي هو الجامعة، حيث يتكون ويتدرب الصحافيون الجدد، وحرص المؤسسات الاعلامية على تدريب كوادرها والزامهم بميثاق شرف يحدد حقوقهم وواجباتهم. كما أن فتح نقاش عام حول اخلاقيات مهنة الصحافة بمشاركة الجمهور سيسمح بالتأكيد بتغيير بعض المفاهيم. الفرق بين المؤسسات العربية والأجنبية يروي صحافي عربي عمل في مؤسسات إعلامية عربية وأميركية موجهة للعرب وأخرى فرنسية، أن لا مؤسسة إعلامية عربية أبلغته بضرورة الالتزام بأي ميثاق شرف، فيما ألزمته هذه المؤسسات الغربية بالتوقيع على ميثاق شرف إعلامي يمتد الى عدة صفحات ويعدد نقطة نقطة ما لا يجب على الصحافي فعله، كالالتزام بالحياد وتمكين كل الاطراف من التعبير عن وجهة نظرها، وعدم استغلال الأطفال أو تصويرهم من دون إذن مكتوب من الاولياء.. إلخ. لكنه يقول إن هذه المواثيق يتم تحديثها كل مرة الى أن امتدت قبل سنوات الى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت العديد من المؤسسات الغربية تحظر على صحافييها كتابة تعليقات سياسية أو حتى ابداء الاعجاب ووضع «لايكات» على منشورات على فيسبوك تعبر على مواقف سياسية بهدف المحافظة على استقلالية المؤسسة. ميثاق الشرف يذكّر ميثاق الشرف الذي تعتمده الكثير من المؤسسات الإعلامية الصحافيين بأهم مبادئ مهنة الصحافة وهي الاستقلالية والحرية وموثوقية المعلومة وصحتها وأيضا حقوق وواجبات الصحافي والمسؤولين والملاك، وميثاق الشرف الاعلامي في المؤسسات الإعلامية الغربية ملزم لجميع الأطراف. السلوك المهين! لا يرتكب سلوك مهين إلا شخص دخيل على المهنة، ولا يحافظ على شرفها إلا من ترعرع في كنفها وخبر تحدياتها وعرف تأثيرها وقوتها وأحبها منذ البداية. ويقول صحافيون كثر في العالم العربي إن بعض الدخلاء ألحقوا العار بالصحافة بسلوكياتهم وطريقة توددهم للمسؤولين وابتزازهم لهم، بغية الاستفادة من امتيازات بسيطة. كما أن فساد بعض المسؤولين وخوفهم من الصحافة دفع الى بروز هذا النوع من الصحافيين المتسلقين الذين أفسدوا الصحافة وأساؤوا إلى هيبة السلطة الرابعة.

مشاركة :