لم ينل على بن سعيد بن حزم الأندلسى حظه فى نشر مذهبه الفقهى والفكرى فى زمنه، وحديثا اتجهت الأقلام لتظهره بعدما أحدث كتابه «طوق الحمامة» فى الشرق والغرب ضجة كبيرة، وهو دراسة قيمة عن عاطفة الحب، وخلالها تكلم بجرأة كبيرة عن صفة الحب وأعراضه وأسبابه ودرجاته.ابن حزم، والذي تحل ذكرى ميلاده اليوم الأربعاء، كان قد ولد في 7 نوفمبر994م، بمدينة قرطبة بالأندلس، وتوفي في 15 أغسطس 1064م.شكل ابن حزم ظاهرة فريدة فى عصره، وكانت له معارضات ومناظرات مع خصومه اتصفت بالشدة من جانبهم، وبالحكمة والاتزان من جانبه، فحين وقع خصام بينه وبين أحد أصدقائه، وبدأ الأخير فى إفشاء أسرار ابن حزم وتشويهه، كتب له ابن حزم يخبره أنه لن يفشى أسراره مثما فعل هو.وتميزت شخصية ابن حزم بالعقلانية والانفتاح على الثقافات المغايرة، مما جعله يدخل فى صراع مع علماء عصره، ولقد شنع البعض عليه وعارضوه فى قراءة كتب الدهرية وأصحاب المنطق وكتاب إقليدس والمجسطى وغيرهم من أرباب الفلسفة والمنطق، وكان رده عليهما غاية الحكمة والاتزان فلقد وجه لهم سؤلا يقول: «أخبرنا عن هذه الكتب أطالعتها أيها الهاذر أم لم تطالعها؟ فإن كنت طالعتها فلماذا تنكر على غيرك مطالعتها كما طالعت أنت؟ هلا أنكرت ذلك على نفسك؟ وإن كنت لم تطالعها فأنت لا تعرف ما فيها فلما تحاجون ماليس لكم به علم؟».وحين انتشر المذهب المالكى بالمغرب العربى والأندلس، خالف ابن حزم الناس بالتأصيل للمذهب الظاهرى، وقال إن الفتوى تخص صاحبها بالإضافة لذمه التقليد والتبعية الفكرية، فزاد ذلك فى الهجوم الذى تعرض له، فكانوا أشبه بسرب الصقور وقع على حمامة منحولة الريش، وخاطبه أحدهم محتدا: «أنائم أنت يا رجل؟ بل أنت مفتون.. فقال ابن حزم: لله الحمد نحن أيقاظ إذا استيقظنا ونيام إذا نمنا وأما الفتنة فقد أعاذنا الله منها فله الشكر كثيرا لأننا لا نتعصب». وذلك يبرز مرونة ابن حزم فى التعاطى مع المتعصبين من أهل المذاهب الأخرى.ولقد تمتع أيضا بعلاقات طيبة مع مخالفين له فى المذهب الفكرى والفقهى وأيضا فى الملة والدين، وكانت تجمعه صداقة برجل يهودى من أهل بلدته فكان يجالسه ويتجادلا فى قضايا الدين ثم ينصرف عنه ضاحكا، وروى الرجل فى رسالته التاريخية «نقط العروس فى تواريخ الخلفاء» بعض المواقف التى استحسنها مثل: «محارب بن دثار أحد أئمة أهل السنة وعمران بن حطان أحد أئمة الصفرية يرى رأى الخوارج كانا صديقين مخلصين، زميلين إلى الحج لم يتحاربا قط». وروى أيضا: «سليمان التيمى إمام من أهل السنة والفضل الرقاشى إمام المعتزلة كانا صديقين إلى أن ماتا متصافيين».
مشاركة :