«زينة» مادة دسمة للنكات في لبنان

  • 1/9/2015
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

استفاق اللبنانيون أمس على موجة من الصقيع اجتاحت معظم مناطقهم، بحيث سجلت حرارة الطقس انخفاضا ملحوظا وصل إلى درجتين على الساحل. «كيفك بهالصقعات»؟ عبارة تصدرت أحاديث اللبنانيين في اليوم الثالث للعاصفة «زينة»، فكانت بمثابة التحية التي ألقوها على بعضهم بعضا مستهلين فيها مكالماتهم الهاتفية أو لقاءاتهم اليومية. فبعد أن تفقد لبنان الأضرار التي تسببت بها «زينة» على الصعيدين البري والبحري، أخذت الأجهزة المعنية في وزارة الأشغال العامة ومديرية الدفاع المدني تلملم، على قدر الإمكان، الفوضى التي تسببت بها العاصفة التي ضربت لبنان منذ 3 أيام، فالأشجار التي اقتلعتها سرعة الرياح من ناحية، والجدران الحديدية وغيرها من المستوعبات التي تكسرت نتيجة اشتداد العاصفة، مساء الثلاثاء، من ناحية ثانية، إضافة إلى حوادث السيارات جراء الانزلاقات أو عدم وضوح الرؤية، دفعت بالأجهزة المعنية إلى اتخاذ تدابير احترازية عدة، تمثلت في جرف الثلوج المتراكمة على طرقات الجبال، وكذلك فتح الطرقات التي سدت منافذها بسبب هطول الأمطار الكثيفة. ولعل المؤتمر الصحافي الذي عقده صيادو السمك التابعين لميناء «الدالية» في منطقة عين المريسة القريبة من الروشة، كانت بمثابة أول الغيث بالنسبة للتعويضات التي بدأ اللبنانيون يطالبون بها دولتهم، كل من موقعه. ومثل الصيادين كذلك المزارعون الذين استفاقوا على مشهد فوضوي بامتياز، بعد أن وجدوا أراضيهم والخيام الزراعية قد أتت عليها العاصفة التي تسببت بخسائر فادحة، ولأن اللبناني اعتاد تحويل مآسيه إلى مادة دسمة يسخر منها على واقعه الاجتماعي، فقد اغتنم بعضهم المناسبة للقيام بـ«دوشات»، أي حمامات مياه، مباشرة على كورنيش المنارة، فوقفوا على رصيفها ينتظرون «قفشة» موجة عالية ليقفون بوجهها ويستحمون بمياهها. فيما لم تتوانَ شريحة أخرى من التقاط صور الـ«سيلفي» بواسطة هواتفها الجوالة؛ فوقفت بقرب شجرة اقتلعتها الرياح أو سيارة علقت بالمياه، أو طريق سد بالثلوج، لتبقى ذكرى عالقة في ذهنه دائما، خصوصا أنه مضى وقت طويل عليهم لم يشهدوا خلاله عاصفة مماثلة. وأطلق اللبنانيون على هذه العاصفة المنتظر أن تبقى في ضيافتهم حتى نهاية عطلة الأسبوع، «هاشتاغ».. «#زينة مطابقة للموصفات»، تيمنا بالعبارة الشهيرة التي رافقت وزير الصحة وائل أبو فاعور في الحملة الصحية التي قام بها على أصناف الطعام في المطاعم والتعاونيات. وانتشرت على الأثر تعليقات المواطنين حول العاصفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فالبعض كتب يسأل «هذه (زينة) فأين (نحول)»، متذكرين شريط الرسوم المتحركة، الذي حمل اسم الاثنين في الثمانينات ولاقى شهرة واسعة. فيما كثف البعض الآخر نشر صور تنقل نتائج العاصفة التي تسببت في تساقط الثلوج على ارتفاع 400 متر، فغطت مدنا جبلية عدة مثل زحلة واهدن وصوفر وزلايا وبعلبك وغيرها. كما نشطت روح الدعابة لدى البعض بحيث اهتم بإرسال رسائل إلكترونية حول الموضوع، فكتب أحدهم «زينة عابلادي جايي وما منعرف شو مخباية، اللي بدو يتوقاها منيح يقعد حد الدفاية». وختمها بالقول: «أرسلها إلى 10 أشخاص وسوف يسقط الثلج على منزلك هذه الليلة». ولعب البعض على اسم العاصفة ووصفها بالتالي: «سموها (زينة) على الـ(إم تي في) و(زينب) على تلفزيون (المنار) و(زينيرال) على الـ(أو تي في) و(زنوبيا)، على تلفزيون لبنان الرسمي (TL)»، ونشط موقع «التحكم المروري» التابع لمديرية قوى الأمن الداخلي على حسابه الخاص عبر موقع «تويتر» الإلكتروني، لإفادة المواطنين أينما كانوا عن حالات الطرقات المقطوعة التي تستلزم عدم سلوكها. وحددت في تغريداتها الكثيفة نوعية السيارات التي يمكنها أن تسلك هذا الطريق أو ذاك، مع الأخذ بعين الاعتبار تقديم النصيحة لسائقها بالتزود بالسلاسل المعدنية أو بالـ«أنتي جيل» لتذويب الجليد عن محركات سياراتهم. وتسببت العاصفة بعطل في شبكة الكهرباء، مما أدى إلى انقطاع التيار تماما عن العاصمة بيروت وضواحيها، وحاول اللبنانيون مقاومة انخفاض درجات الحرارة التي وصلت إلى درجتين على الساحل، من خلال العودة إلى وسائل تدفئة بدائية كالمدفأة العاملة على الغاز أو تلك التي تعمل على الخشب. أما اللبنانيون الذين كان لهم رفاهية الاشتراك بالمولدات الكهربائية، فتابعوا عبر شاشات التلفزة التي كان ينقطع إرسالها بين الفينة والأخرى، بسبب صاعقة ضربت الأجواء أو هطول الأمطار الكثيفة، أحوال الطقس التي نقلها إليهم مراسلو نشرات الأخبار، الذين قصدوا مناطق لبنانية عدة كـ«ضهر البيدر» و«بحمدون» و«زحلة» و«صيدا» و«جبيل» لإعطاء المشاهد صورة واضحة وحية عن حالة الطرقات فيها. وكانت المنطقتان الأخيرتان قد تأثرتا بشكل مباشر بالعاصفة «زينة»، خصوصا أن أمواج البحر التي وصل ارتفاعها إلى 7 أمتار، غمرت مطاعم ومحلات تجارية، واقتلعت أشجارا، وقطعت عدة طرقات وشوارع فيها. وبدا كورنيش منطقة الروشة خاليا من حركة المرور تماما، بعد أن كانت الأمواج قد غمرت أرصفته، كذلك الأمر بالنسبة لمنطقتي خلدة والأوزاعي (جنوب بيروت)، حيث غمرت مياه الأمطار طرقاتها وعلق عدد من المواطنين في سياراتهم عليها لساعات طويلة. ونشرت مؤسسة الصليب الأحمر اللبناني إحصاءات عن عدد الأشخاص الذين تم نقلهم إلى المستشفيات، بسبب تعرضهم لحوادث سير وغيرها، فذكرت أنه تم نقل 249 حالة، بينها جثتان و9 حالات إنعاش قلبي ورئوي. وطالبت قوى الأمن الداخلي المواطنين اللبنانيين، أكثر من مرة، بعدم سلوك طرقات معينة للمخاطر الكثيرة التي تحملها، وبينها طرقات ضهر البيدر وقب إلياس، إضافة إلى أخرى في منطقة كسروان، حيث علقت بعض السيارات بين بلدتي ميروبا واهمز، بسبب انهمار الثلوج. وعانى سكان المناطق الجبلية صعوبة في تأمين غذائهم اليومي، لا سيما الخبز، كما أن بعضهم ممن لم يخزن كميات كافية من مادة المازوت وجدوا صعوبة في الحصول عليه، بسبب الطرقات المقطوعة والثلوج المتراكمة. وفي «حي السلم» جنوب بيروت فاض نهر الغدير المحيط بمساكن أهله، فتركها بعضهم، فيما اتهم قسم منهم أجهزة الدولة بتقاعسها عن تنظيف قنواته. وفي اتصال مع مركز الرصد الجوي في مطار بيروت، أكد مديره مارك وهيبة بأن العاصفة مستمرة حتى مساء اليوم الجمعة، وأنه من المرجح أن يشهد غدا (السبت) موجة هطول أمطار جديدة. كما أنه من المتوقع أن تصل الثلوج إلى ارتفاع 400 و500 متر، واشتداد البرودة لتصل مساء اليوم (الجمعة) إلى درجتين على الساحل. أما فيما يخص سرعة الرياح، فمن المتوقع أن تشهد تراجعا لتصل إلى 65 كلم في الساعة، بدلا من 100 كلم، التي سادت اليومين الأولين من العاصفة. وتم تحذير المواطنين من تكدس الثلوج على الطرقات وتراكم طبقات الجليد التي ستشهدها المناطق الجبلية في الـ24 ساعة المقبلة فتتسبب بحوادث الانزلاق. وأوضح مارك وهيبة في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن هذه العاصفة ضربت لبنان متأثرة بكتل هوائية وصلت إليه من القطب الشمالي مرورا بأوروبا الشرقية واليونان وصولا إلى منطقة البحر المتوسط. وأشار إلى أنه من المتوقع أن تتحول في الأيام القليلة المقبلة شرقا لتجتاح سوريا والعراق.

مشاركة :