أوضح الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي عبدالعزيز الحيص أن الحركات الإسلامية في الأصل لديها إشكال «ذاتي» مع الديموقراطية، وحركة الإخوان في مصر تعتبر من أنضج الحركات الإسلامية في هذا المسار، وقد وصلت لهذا المسار بعد تحقيق نجاح وامتداد شعبي واجتماعي يضاف إلى عمر طويل لها يعود إلى ما قبل تأسيس الدولة الجمهورية في مصر. وتابع: «كانت هناك جدلية طويلة للتنظيم مع السلطات المصرية المتعاقبة قبل التجربة الأخيرة بعد ثورة 25 يناير. ويُعاب على الإخوان أن مراجعاتهم السابقة لم تتضمن مراجعات ديموقراطية ومدنية، وهذا مما ولّد الشك والتوجس من داخل الحركة وخارجها، من مسألة دخولهم السباق الانتخابي في العام 2012». وتوقع أن الإخوان لو استمروا في السلطة فلربما فشلوا بسبب عدم النضج السياسي، وهو ما اتضح خلال العام الأول. وهذا الأمر كان سيرجح التباعد الذاتي عن الديموقراطية بسبب ضعف القدرة على القيام بمهماتها، لكن التدخل الانقلابي في مصر عكس كل ذلك، وقام بترجيح الأمر المقابل، وهو ارتباط والتحام الإخوان بالديموقراطية إلى حد بعيد. فكيف ذلك؟ لن تتخلى الحركة أو تتباعد عن الديموقراطية، وهذا يعود - أولاً - إلى أن الحركة اليوم تلعب في موقعها التاريخي المفضل «المعارضة»، وهو دور تجيده أكثر من السلطة، وثانياً هو أن معارضتهم وجدت اليوم أساساً متيناً لها، وهو «الديموقراطية». إن دعوى الديموقراطية لها قبول شعبي ودولي واسع، ومسائل مثل الحاكمية أو الخلافة لا يوجد لها وجه شعبي أو سياسي اليوم، لذا فخيارات المعارضة ليس لها اليوم سوى الحكاية الديموقراطية، وسيدفع الموجودين في السلطة في مصر باتجاه الديموقراطية، وسيدفع الإخوان بكل قوة لأجل سلب شرعية هذه الديموقراطية بالتركيز على دعوى الديموقراطية ذاتها. ويؤكد الحيص أن الإسلاميين في الأصل لم يكن خيارهم عنيفاً، وإنما وجدت أذرع وتفرعات داخل هذه الحركات والمنظومات اتبعت هذا الخيار، وبالملاحظة فالسلفية ككيان واسع لا تؤخذ بجريرة بعض التنظيمات، وكذلك «الإخوان» ككيان تاريخي. ويقول: «لا أرى أن التاريخ يشهد على أن الإخوان حركة ذات «نمط عنفي». يبقى التساؤل: هل ما حدث من إسقاط وما قد يأتي من استبعاد أو استئصال سيدفع الحركة إلى العنف؟ يوجد بعض التسرب إلى خيار العنف مستقبلاً، بخاصة من بعض الشباب الذين يحارون أمام الظلم الواقع عليهم! لكن ليس الحركة، فالقيادات في الإخوان دوماً مفصولة عن اختيارات الشباب، وهي قيادات مخضرمة تعرف أن أي خيار وطرح غير سلمي سيكون بمثابة انتحار، وسلب للشرعية السياسية والشعبية للحركة. وعن حال إقصاء الإسلاميين في المشهد المصري بدعوى الإرهاب ونية حلّ الجماعة وحزبها السياسي، يقول الحيص: «ليس الإخوان من خسروا الديموقراطية، بل الممارسة الديموقراطية في مصر هي من خسرهم، فحركة الإخوان كيان إسلامي سياسي براغماتي ممتد في داخل الجسد المصري. وأي تمرحل للديموقراطية في مصر سيكون مشكوكاً فيه إن أسقط تنظيماً مؤثرا في مصر كالإخوان. تتم اليوم عميلة ممنهجة ومريعة في مصر، تعتمد على التخويف وبث الرعب عبر دعاوى الإرهاب ومثيلاتها. كيف يتم الانتقال من وصف شخص أنه رئيس إلى مجرم و«إرهابي محتمل» هكذا؟ كيف يروج عن الإسلاميين الذين حازوا أغلبية في مجلس الشعب بأنهم كذلك؟ هذا يعني أن هناك مشكلة على مستوى الشعب فيما لو صحت الاتهامات الأخيرة وهي بعيدة عن الصحة. إن حملات الإقصاء الشديدة لا تعني سوى تدخل سلطوي شديد. الجيش استخدم قوته ليفرض هذا النوع من السلطوية، والمؤسف أن وجود سلطوية من هذا النوع لن تؤثر في الإسلاميين فقط، بل ستؤثر في الممارسة الديموقراطية كلها في مصر وفي العالم العربي. إن فترات الانتقال والتحول الديموقراطي من أصعب فترات الأمم، وتحتاج في كل الأحوال إلى طول صبر وتأنٍ، وهذه الفترة مثلت مناخ انقلابات في تجارب مختلفة من العالم، لذا ليس مفاجئاً ما حدث في مصر، وتجاوز هذه «القنطرة» والنجاح في عبورها لا يتمثل في الاحتماء بجانب الجيش القوي، بل بتقليم أظافره ومخالبه السياسية في سبيل سيادة القوة المدنية».
مشاركة :