الأجهزة الأمنية تضيق الخناق على الأخوين كواشي مرتكبي مجزرة «شارلي إيبدو»

  • 1/9/2015
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

جمدت الحركة على كل الأراضي الفرنسية ظهر أمس، وتوقفت عربات المترو في العاصمة باريس، وقرعت الأجراس ونكست الأعلام وألغيت الكثير من الاحتفالات التقليدية بمناسبة العام الجديد ووقف الملايين دقيقة صمت حدادا على قتلى الهجوم الإرهابي على مكاتب صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة ظهر أول من أمس. وأعلن الرئيس الفرنسي الذي يتواجد على كل الجبهات الحداد رسميا 3 أيام. وللمرة الثانية خلال 24 ساعة دعا إلى اجتماع أمني ترأسه شخصيا في قصر الإليزيه بحضور رئيس الحكومة ووزراء الداخلية والدفاع والخارجية والعدل والاتصال والثقافة فضلا عن قادة الأجهزة الأمنية. وسيعقد صباح اليوم اجتماع آخر مشابه لتقويم ما توصلت إليه الأجهزة الأمنية والخطوات والتدابير الاحترازية التي أقرت لتدارك حصول أعمال إرهابية مشابهة وطمأنة المواطنين فيما بدأت التحضيرات لمظاهرات ضخمة ستجرى يوم الأحد القادم بمشاركة كافة الأحزاب والتيارات السياسية. ومنذ أول من أمس حرص هولاند ومعه الحكومة والحزب الاشتراكي على إبعاد التطورات الأمنية الخطيرة والتهديدات التي تواجه البلاد عن الجدل السياسي بالدعوة إلى الوحدة الوطنية والتعبير عن إرادة الفرنسيين برفض الإرهاب والإصرار على الوقوف بوجهه. ولهذا الغرض، استقبل هولاند رئيس الجمهورية السابق نيكولا ساركوزي صباح أمس، وسيستكمل اليوم لقاءاته مع مسؤولي الأحزاب والمجموعات البرلمانية إضافة إلى لقائه رئيسي مجلس الشيوخ والنواب. وفيما استمر التعبير عن التضامن مع فرنسا التي ضربها الإرهاب بالتدفق على باريس، تكاثرت المبادرات الفردية والجماعية الداخلية من المواطنين وارتسمت على كل شاشات التلفزة وفي الأماكن العامة وحتى على لافتات الطرق السريع عبارة «أنا شارلي». وخلال التجمع العفوي الكبير الذي جرى مساء الأربعاء في ساحة «لا ريبوبليك» رفعت هذه العبارة بالعربية. والغرض من هذه البادرة هو رغبة الجالية العربية والمسلمة في فرنسا في التعبير عن تضامنها مع بقية المواطنين والانخراط في تيار الوحدة الوطنية ورفض الإرهاب. وفي هذا السياق، صدر أمس عن رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية دليل بوبكر، عقب اجتماع موسع جرى في مسجد باريس الكبير وشاركت فيه الأكثرية الساحقة من المنظمات الإسلامية، بيان حث المسلمين على المشاركة في الوقف دقيقة صمت حدادا، ودعا الأئمة في فرنسا في كافة المساجد لإدانة «العنف والإرهاب بأقصى الشدة ومهما كان مصدره خلال خطبة الجمعة». أخيرا تضمن البيان دعوة المسلمين للتجمهر «بصمت» عقب الصلاة تكريما لذكرى الضحايا وكذلك المشاركة في مظاهرة يوم الأحد القادم. كذلك أصدر تنظيم الكشافة المسلمين في فرنسا ومجلس السفراء العرب في باريس بيانين منفصلين لإدانة العمل الإرهابي والدعوة إلى التعبير عن التضامن مع المواطنين الفرنسيين وذوي الضحايا. وفي بادرة تحد واضحة، وتأكيدا على أن الإرهابيين لن ينجحوا في كم الأفواه وتكسير الأقلام أو وأد الصحيفة الساخرة، أعلن محامي مطبوعة «شارلي إيبدو» جيرار مالكا أنها ستصدر يوم الأربعاء القادم وسيطبع مليون نسخة منها وهو رقم لم تعرفه أبدا في تاريخها. وأمس جرى في العاصمة تجمع جديد دعا إليه عمدة المدينة آن هيدالغو وكل أعضاء ومجموعات المجلس البلدي. بيد أن كل التدابير الأمنية والدعوة إلى الهدوء وتمالك الأعصاب وخصوصا الابتعاد عن الخلط بين المسلمين الراغبين بأكثريتهم الساحقة في العيش بسلام وهدوء في فرنسا وبين مجموعة صغيرة من المتعصبين والمتشددين لم تكن كافية. فقد سجلت الليلة ما قبل الفائتة 3 اعتداءات على أماكن صلاة ومصالح للمسلمين. وصباح أمس، قتلت شرطية بلدية بالرصاص في ضاحية «مون روج» الواقعة على مدخل باريس الجنوبي وجرح عامل بلدي عندما أطلق شخص حليق الرأس النار من رشاش حربي عليهما. وحتى بعد ظهر أمس لم تنجح القوى الأمنية في توقيف مفتعل الحادثة رغم التعزيزات الكبيرة التي تدفقت على العاصمة ومنها 800 عسكري إضافي فرزوا لباريس وضواحيها. وعمدت الأجهزة الأمنية إلى نشر رجال لها مسلحين ببنادق مع مناظير على مداخل العاصمة بعد أن وردت معلومات تفيد أن مرتكبي مجزرة صحيفة «شارلي إيبدو» شوهدوا شمال باريس وقد تعرف عليهما عامل محطة وقود. الواقع أن الحظ ساعد الأجهزة الأمنية على التعرف سريعا إلى مرتكبي مجزرة أول من أمس، إذ أنهم عثروا على بطاقة هوية أحدهم وهو سعيد كواشي البالغ من العمر 34 عاما الأمر الذي سمح لهم سريعا بالتعرف على الشخص الآخر وهو شقيقه الأصغر شريف كواشي وعمره 32 عاما. واعتمدت الشرطة على إفادة صاحب السيارة التي استولى عليها الشقيقان وعلى صور لأجهزة فيديو موضوعة في العاصمة للتأكد من هويتهما وإجراء عمليات تفتيش واسعة في باريس حيث ولدا وفي مدينة ريمس الواقعة شرق فرنسا حيث نشآ. واعترف رئيس الحكومة مانويل فالس بأن الأجهزة الأمنية كانت تعرف الرجلين وهما من أصل جزائري إذ أنهما كانا على صلة قبل سنوات بخلية متطرفة باريسية عملت على تجنيد مقاتلين وإرسالهم إلى العراق. وكان الأخ الأصغر شريف ينوي التوجه أيضا إلى العراق عبر سوريا. لكن الشرطة قبضت عليه مع مجموعة واسعة، وأحالت الجميع إلى السجن وقد حكم عليه في العام 2008 بالحبس 3 سنوات بينها 18 شهرا مع وقف التنفيذ. ويبدو أن الانتماء المتطرف للأخوين كواشي أصبح أمرا يقينيا إذ أفادت مصادر الشرطة أنه عثر في سيارة السيتروين التي وصلا بها إلى أمام مكاتب «شارلي إيبدو» واستقلاها بعد العملية للهروب على قنابل مولوتوف ورايتين تتبعان إحدى المنظمات المتطرفة، امتنعت عن إعطاء تفاصيل إضافية عنهما. وبحسب الشرطة، فإن العثور على قنابل مولوتوف يفيد أنهما ربما كانا ينويان القيام بعملية أخرى إلى جانب مهاجمة مقر «شارلي إيبدو». ولكن كيف تحول شريف كواشي من عامل مطعم صغير يقوم بتسليم البيتزا إلى المنازل ومن مرتكب لجنح صغيرة كالسرقات البسيطة أو تعاطي حشيشة الكيف إلى مرتكب لأعمال إرهابية؟ الجواب يكمن في تعرفه على شاب مغاربي نصب نفسه إماما اسمه فريد بن ييطو. وهذا الأخير كان يتدرب على يدي صهره يوسف زموري وهو إسلامي معروف طردته السلطات الفرنسية في العام 2004 كما أنه كان على علاقة مع محمد كريمي المنتمي إلى المجموعة «السلفية للدعوة الجزائرية» التي تحولت لاحقا إلى «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وهذه المجموعة كان لها تأثير كبير على شريف كواشي الذي اعتنق خطا متطرفا برز بداية في طريقة الحياة التي اتبعها ثم في استجابته لطلب المساهمة بتجنيد إسلاميين لإرسالهم إلى العراق ورغبته هو الشخصية في «الهجرة» لهذا البلد من أجل «القتال ضد الأميركيين». وبموازاة ذلك، تلقى شريف كواشي تلقينا دينيا في السجن الذي أدخل إليه وقبلها في المسجد الذي كان يرتاده (مسجد طنجة) في الدائرة التاسعة عشرة من باريس والمعروف بميوله المتطرفة. لكن شريف كواشي سعى إلى أن تتناساه الأجهزة الأمنية بعد خروجه من السجن إلى أن عاد إلى الساحة صباح الأربعاء بصحبة أخيه وشخص ثالث لم تتبين هويته حتى الآن. ما بين ملاحقة مرتكب جريمة قتل الشرطية صباح أمس وتتبع آثار سعيد وشريف كواشي والتحقق من دور الشاب رامي حميد (صهره أحد الرجلين)، الذي سلم نفسه للشرطة في مدينة شارل ميزيير (شرق فرنسا) لكن زملاء له في المدرسة أكدوا أنه كان معهم في الصف ساعة وقوع الهجوم على «شارلي إيبدو». وتكاثرت الأعباء على الأجهزة الأمنية التي خصصت الكثير من إمكانياتها لملاحقة الأخوين كواشي. وأمس، تلاحقت الأخبار عن مكان وجودهما وتنقلهما بالسيارة إذ قيل صباحا إنهما في مقاطعة «لين» الواقعة شمال شرقي باريس ثم لاحقا في مقاطعة «لواز» الملاصقة لها. وبعد أن أفاد صاحب محطة وقود في المقاطعة الأخيرة بالتعرف على الأخوين كواشي وأنه شاهد الأسلحة التي يحملانها، أرسلت قوات الدرك طوافتين من طراز بوما لملاحقة سيارتهما التي قيل إنها تتجه إلى العاصمة الأمر الذي حمل الشرطة على تعزيز حضورها المسلح على مداخل باريس. كذلك أرسلت تعزيزات أمنية من فرقة التدخل الخاصة التابعة للدرك الوطني وتلك التابعة للشرطة. وكانت الفرقتان قد أرسلتا ليل الأربعاء - الخميس إلى مدينة ريمس حيث قيل إن الرجلين يختبئان في إحدى الشقق. واللافت في الأمر أن القنوات الإخبارية كانت تنقل وبشكل دائم تحركات الفرقة الخاصة كما أنها لم تتردد في كشف معلومات حول تحركات الأخوين الأمر الذي يفيدهما بطبيعة الحال في استمرار تفلتهما من الأجهزة الأمنية. وفي أي حال، فإن القبض على الأخوين كواشي يعد أولوية الأولويات للأجهزة الأمنية التي تتخوف من إقدامهما على أعمال إرهابية إضافية فضلا من تخوفها ربما من عمليات انتحارية باعتبار أن القبض عليهما وتجريمهما بمجزرة «شارلي إيبدو» سيعني حكما السجن المؤبد. وأمس، نشرت صحيفة «لو موند» نقلا عن أحد الناجين من المقتلة تفاصيل عما حدث في مكاتب «شارلي إيبدو» حيث دخل الأخوان كواشي وقت الاجتماع التحريري الذي ينعقد مرة واحدة في الأسبوع، صباح الأربعاء ما يعني أن الرجلين كانا على اطلاع على تفاصيل الحياة الداخلية للصحيفة الساخرة. وبحسب «لو موند»، فإن الاجتماع كان قد بدأ منذ ساعة عندما اقتحم الاثنان القاعة وهما مدججان بالسلاح. وصاح أحدهما: شارب؟ (وهو اسم مدير الصحيفة والرسام الكاريكاتيري الأشهر فيها) ثم أطلق النار على الأخير. وبعدها تمت تسمية الرسامين الآخرين الذين قتلوا الواحد بعد الآخر. وتضيف الشاهدة أن الرجلين صاحا: «الله أكبر، ستدفعان الثمن لأنكما أهنتما النبي». وقالا للشاهدة: «أنت لن نقتلك لأننا لا نقتل النساء لكن عليك بقراءة القرآن». بيد أنهما قتلا زميلة لها كما قتلا مصححا طباعيا من أصل جزائري قبائلي. والمحصلة العامة كانت 12 قتيلا بينهم رجلا شرطة أحدهما مسلم و11 جريحا 4 منهم جراحهم خطيرة.

مشاركة :