يعبّر عن أهـمية المعلومات في العصر الحديث في أربع مسميات رئيسية ترتبط بالاقتصاد: اقتصاد المعلومات، اقتصاد المعرفة، اقتصاد الشبكة والاقتصاد الرقمي. كما يعبّر عن تلك الأهمية في ثلاث مسميات ترتبط بالمجتمع: مجتمع الشبكة، مجتمع المعلومات مجتمع المعرفة. تنبع أهمية المعلومات، المشتقة من البيانات، من كونها وما يشتق منها من معرفة أصبحت السبيل الحديث للثروة. تدّعي النظريات الحديثة، أن للمعلومات و المعرفة المستمدة منها أهمية فائقة، حيث أصبحتا من ضمن الأصول الرئيسيّة البديلة عن أصول العصر/المجتمع الصناعي المتمثّلة في الموارد المادية [ الأرض، المكائن …]، المالية والبشرية. تأتي هذه المسميات ضمن دراسة الباحثين لأثر شبكة الإنترنت على الاقتصاد والمجتمع آخذين بعين الاعتبار الهرم المعرفي والذي عادة ما يستخدم لوصف رحلة البيانات الى معلومات ومعرفة.. الخ. يعنى الهرم المعرفي في الأصل بتطور الفائدة/العائد الذي يجنيها مستخدم المعلومات من مخرجات نظم المعلومات التقليدية [ يتكون من خمس مراحل تشكل البيانات قاعدته ويليها المعلومات >>المعرفة >>الذكاء >> الحكمة/البصيرة في رأس الهرم ]. *شبكة الإنترنت والشبكة العنكبوتية والمجتمع ينظر إلى شبكة الإنترنت على أنها “شبكة ضخمة من الحواسيب المترابطة تتيح للمستخدم الاتصال بالشبكة العنكبوتية والتي تكون في مجملها نظام معلوماتي ضخم يحتوي بشكل أساسي على المحتوى الرقمي”. يبني الباحثين مفاهيم مجتمع المعلومات ومجتمع المعرفة على طريقة النظر السابقة إلى شبكة الإنترنت آخذين في الاعتبار أن الشبكة العنكبوتية هـي نظام معلوماتي ضخم له مدخلات يقوم بإدخالها ملايين المستخدمين حيث يقومون بإنشاء ” المحتوى الرقمي ” [ مقالات، صور، مقاطع فيديو …]، ومخرجات تظهر على شكل معلومات بصور مختلفة [ مقالات، صور، مقاطع فيديو ….] والتي بدورها تستخدم من قبل المستخدمين وذلك عبر الإتصال بالمواقع الإلكترونية. عبر هـذه المعلومات المستخدمة من قبل أفراد المجتمع ، يصبح المجتمع أما مجتمع معلومات [ المعلومات = البيانات + المعنى ] *١ أو مجتمع معرفة [ المعرفة = المعلومات المختزنة + القدرة على استعمال المعلومات ]*١. *طغيان التقنيّة مع السعي الحثيث للكثيرين في مجتمعنا على اقتناء المنتجات الرقمية، مثل الهواتف الذكية، الحواسيب اللوحية والحواسيب الشخصية ومع طغيان التقنية الواضح للعيان و هذا الإفراط الغير متزن في تعامل الكثيرين مع التقنيات الحديثة والإقبال الشديد على الشاشة في كل مكان وربما كل زمان، يلح على ذهـني سؤالين أود أن أشارك القارئ في محاولة إيجاد اجابة عليهما: الأول: أين موقعنا كمجتمع من مجتمع المعلومات أو مع مجتمع المعرفة ؟ الثاني: ماهـي المعلومات وما هـي المعرفة المستمدة من المحتوى الرقمي الذي يتعامل معه الجمهور ويقضون ساعات النهار والليل في تداوله؟. *المعلومات وتحولها إلى أفكار! أدركنا أم لا، فالأخبار والمعلومات التى نحصل عليها من الشبكة العنكبوتية تتحول إلى أفكار ومن ثم تتحول إلى ذخيرة فكرية تكون مسؤولة عن تصوير من نحن وترسم صورة العالم الذي نعيشه. بعد أن كانت الكتب والمقالات الجادة أحد المصادر الرئيسية التي نستمد منها المعلومات والمعرفة الضرورية لثقافتنا والتي تحدد سلوكنا، تقوي من ارادتنا أو تحد من مبادراتنا… أصبح المحتوى الرقمي على الشبكة العنكبوتية هو الذي يستمد البعض منه المعلومات و ربما المعرفة! والذي يشكل فكره و مزاجه اليومي، بالرغم أن هذا المحتوى لايصل إلى مستوى يجعل منه مصدر موثوق يمكن أن تستمد منه الفائدة المثلى، خاصة مع تعدد تلك المصادر، تنوعها وكثافة ما نحصل عليه من معلومات. في سياق أخر، تمثل الأفكار غذاء للعقل، ولكن نختلف باختلاف درجات فعاليتنا في معالجة المعلومات والأفكار التي نحصل عليها، ومن ثم تفسيرها التفسير الصحيح. نحن البشر مع الكائنات الأخرى كوننا نعيش على الكرة الارضيّة نستنشق نفس الهواء، نفس الأكسجين ليساعدنا على الحياة. لكن للعلماء رأي اخر. بالرغم أن الهواء متوفر للجميع إلا أن البشر يختلفون في درجة معالجته، وذلك باختلاف درجات فعالية الرئة. كذلك الحال مع طرق معالجتنا للمعلومات، فاذا ما توفر الوعي المعلوماتي فنحن قادرين على التمييز والاختيار ومن ثم الانتقال درجة أعلى في سلم الهرم المعرفي، إلى المعرفة. *وجهات نظر ضد التيار يعتقد مفكرو تقنية المعلومات عبر مسمى ” مجتمع المعرفة ” بامكانه تكوين مجتمع معلومات ومجتمع معرفة، بينما أخرون، خاصة بعض الفلاسفة، المفكرون، علماء الاجتماع و من هم في مجال التعليم العالي يشكون في ذلك بل يحذرون من التساهل في عملية الاستنتاجات السهلة بهذا الخصوص. في الإشارة إلى طغيان التقنية في المجتمعات المعاصرة ، يقول إغناطيوس دي تيران ” يتكون جيل جديد من البشر المتعودين على استلام معلوماتهم عن طريق ” القراءة السريعة ” أو مطالعة ” الومضات المبتسرة ” … وليس القراءة المتأنية والبحث والتأمل فيما نتعاطى معه من معطيات ” ، ويكمل بالقول ” هـذه الظاهرة مدينة إلى أقصى حد لذيوع مقاربة جديدة لمهمة القراءة تتحمل شبكة الانترنت والتقنية الحديثة المسؤلية عنها ” .*٢ ايضآ يقول الباحث الفرنسي برنارد ستيغلير ” قد تكون الشبكة العنكبوتية مثالآ على انحراف التقنية ذاتها حين تستعمل استعمالآ غبيآ ” . ويرجع ستيغلر السبب إلى أن ” تميل دراستي التقنية إلى القتامة لان التقنية وسلطانها لايكف عن التعاظم، تعملان تصديعآ في بنية النظم الاجتماعية والذكاء الجماعي اللذين كانا مصدر هذه التقنيات ذاتها. فتتناسل وقائع وقائع تفتقر إلى المشروعية الحقوقية والمعيارية… فالمشكلة ليست التقنية إنما الغباء .فهي ما يصيبنا بالغباء.. وما يجيز لنا مكافحة غبائنا. ولا ينبغي لفظ التقنية او إلقاء الجرم عليها، بل الحرس بِنَا هو تفكرها وتدبرها وتعلم التفكير معها “.*٣ *الختام لاشك أن مجتمعنا ومعه مجتمعات كثيرة قد أبلت بلاء حسنا في التبني السريع لمجتمع الشبكة الذي وفرته تطبيقات الشبكات الاجتماعية، لكني أشك في تحول مجتمعنا، في هذه المرحلة، إلى مجتمع معلومات أو مجتمع معرفة. إن الانهماك المتزايد للكثيرين على الشاشات لا يعني بالضرورة أننا قد تحولنا إلى مجتمع معلومات ناهيك عن مجتمع معرفة، لأن هذا يتطلب منا الجهد الشخصي لتحديد خياراتنا في نوعية المعلومات التي نريد أن نحصل عليها وفِي الوعي المعلوماتي الذي يمكننا من اكتساب المعرفة. أن مايتابع لما يدور في وسائل الشبكات الاجتماعية مع مايواضب الجمهور على متابعتة من مواقع إلكترونية سيشك في قدرة المجتمع الحالية على تبني الممارسات التي تؤهله ليصبح مجتمع معلومات و من ثم يصبح مجتمع معرفة. إن اختزال شبكة الإنترنت على التسلية، اللهو ، السباب، الشتائم والتعليقات الصاخبة على تويتر وفيسبوك وعروض الأفلام والمسلسلات على الشبكة العنكبوتية لا يؤدي إلى مجتمع معلومات أو مجتمع معرفة . هذه دعوة للانتقال من طغيان التقنية إلى العالم الرحب لمجتمع المعلومات ومجتمع المعرفة حيث يكون للمعلومات والمعرفة قيمة لدى أفراد المجتمع والذي يؤدي في نهاية المطاف إلى الارتقاء الذاتي والارتقاء المجتمعي. منذ أكثر من أربعة قرون قال فرانسيس بيكون ” أن المعرفة قوة ” ، لكن بالتأكيد لم يكن يقصد المعرفة المشتقة من المعلومات كما هي في التداول لدى البعض.
مشاركة :