بغداد - لا يزال العراق يشكل بؤرة من أهم بؤر الصراع الأميركي الإيراني المتصاعد في المنطقة؛ وتتنافس إيران والولايات المتحدة منذ ما بعد غزو العراق عام 2003 على تحقيق مساحة نفوذ أوسع لكل منهما على حساب الآخر بالاعتماد على القوى الحليفة لهما دون الدخول في صراعٍ مباشر ودون احترام للسيادة العراقية. ويشدد أبرز مسؤولي الإدارة الأميركية من الدائرة المحيطة بالرئيس، وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، على تحذير إيران من عواقب التعرض المباشر أو عبر أذرعها بالوكالة للمصالح الأميركية وإصرارها على انتهاج دور تخريبي قائم على الفوضى والطائفية للتوسع على حساب أمن دول الخليج وأمن المنطقة العربية ككل. وحذرت واشنطن إيران من مواصلة أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة وطالبتها بضرورة وقف مثل هذه النشاطات والتصدي لها بالتنسيق مع الدول الحليفة. لكن الدعوات الأميركية الأخيرة لإيران لم تأت بجديد، ففي مايو 2018، وبعد أقل من أسبوع على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من لجنة العمل المشتركة (اتفاق الملف النووي عام 2015) في 8 مايو، أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن 12 مطلبا على إيران الامتثال لها لتجنب العقوبات ضمن السقف الزمني لسريانها المحدد في 4 نوفمبر 2018. وكي تتصرف إيران كدولة “عادية” يجب على نظامها، من وجهة نظر واشنطن، الامتثال للمطلب السادس المتضمن احترام سيادة الحكومة العراقية، والسماح بنزع سلاح “الميليشيات الطائفية” وتسريحها وإعادة دمجها، في إشارة إلى فصائل الحشد الشعبي. وجددت وزارة الخارجية الأميركية في 30 أكتوبر الماضي، على حسابها في موقع تويتر، تذكيرها لإيران بأنه “قبل 6 أيام من دخول العقوبات حيز التنفيذ، أن هذه هي الشروط الستة، المترتبة على النظام الإيراني من أجل أن تعامله واشنطن كدولة عادية” قبل الموعد النهائي للعقوبات في 4 نوفمبر، وأنه “يجب على النظام الإيراني احترام سيادة الحكومة العراقية والسماح بنزع سلاح الميليشيات الطائفية وتسريحها وإعادة دمجها”، دون تفاصيل أخرى. ونقلت تقارير في نهاية أغسطس الماضي أنّ إيران أرسلت صواريخ باليستية قصيرة المدى لبعض فصائل الحشد الشعبي، وأنها تطور قدراتها على بناء المزيد من الصواريخ في العراق لردع الهجمات المحتملة على مصالحها ولضرب خصومها في المنطقة. وبحسب هذه التقارير الإعلامية فإن تزويد إيران لكتائب حزب الله العراقي بالصواريخ الباليستية قصيرة المدى ونشرها في مناطق قريبة من الحدود السعودية والسورية، يشكلان تهديدا مزدوجا لأمن السعودية، وفي الوقت نفسه تهدد طهران أمن الخليج العربي عبر ممارسات استفزازية للميليشيات الحوثية التي تواليها في اليمن. وفي تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في الأول من سبتمبر الماضي، ردا على الخطوة الإيرانية اعتبر ذلك مثار قلق لبلاده وانتهاكا صارخا للسيادة العراقية. سليماني هو الذي سيدير دولة الحشد الشعبي التي لن تكون في المرحلة المقبلة دولة ظل بقدر ما ستكون دولة حماية تطوي هيمنتها على الشارع كل أحلام العراقيين بالتغيير والانتقال إلى دولة مدنيةسليماني هو الذي سيدير دولة الحشد الشعبي التي لن تكون في المرحلة المقبلة دولة ظل بقدر ما ستكون دولة حماية تطوي هيمنتها على الشارع كل أحلام العراقيين بالتغيير والانتقال إلى دولة مدنية وسبق لوزير الخارجية أن أعلن في 8 مايو اثنا عشر مطلبا على النظام الإيراني الامتثال لها في مقابل رفع العقوبات والسماح بتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية تحت إشراف دولي وإعادة إدماج إيران اقتصاديا وسياسيا في المجتمع الدولي. وأعلن مايك بومبيو أنّ بلاده ستتحرك فورا إذا تعرضت مصالحها لأيّ هجوم من جانب إيران أو حتى من قبل وكلائها، وسيكون الرد على الفاعل الأساسي، أي على إيران. قد لا تكون الصواريخ الباليستية التي أرسلتها إيران إلى فصائل مسلحة حليفة لها ذات قيمة عسكرية عالية، لكنّها بكل تأكيد تبعث برسائل مباشرة إلى الولايات المتحدة بأن إيران قادرة على تهديد واشنطن وحياة الجنود الأميركيين في العراق وسوريا، وكذلك الدول المجاورة لها كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة لتخفيف الضغوطات الاقتصادية والسياسية التي تصاعدت مع موعد سريان العقوبات في نوفمبر الجاري. ويعتقد وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أنّ محاولة إيران تحويل العراق إلى دولة تابعة لها “لن تجدي نفعا، وهو مجرد إهدار للموارد التي يمكن أن تساعد الناس في إيران لو كانت الحكومة الإيرانية تهتم لأمر شعبها”. ولا تزال إيران تستغل ما لديها من نفوذ في العراق لسحبه بعيدا عن الإرادة الأميركية في الالتزام بالعقوبات المفروضة عليها، والحفاظ على هيئة الحشد الشعبي وعدم المساس بها انطلاقا من رؤية المرشد الأعلى علي خامنئي التي طرحها على رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في لقاء جمعهما في يونيو 2016 بالتحذير من “اتخاذ أيّ إجراء يمكن أن يؤدي إلى إضعاف فصائل الحشد الشعبي”. وتعطي استقلالية قرار الحشد الشعبي إمكانيات غير محدودة لإيران في توظيف مقاتلي الحشد لإنفاذ المشروع الإيراني في سوريا بالقتال إلى جانب قوات النظام السوري، وفي العراق لمزيد من التهديد للمصالح الأميركية والجنود الأميركيين بغية الضغط على الإدارة الأميركية للتخفيف من العقوبات الاقتصادية والتراجع عن سياساتها في بناء تحالفات استراتيجية للتصدي للنفوذ الإيراني ووقف التدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة، إضافة إلى تقويض إمكانية استخدام الأراضي العراقية منطلقا لتهديد المصالح الإيرانية من قبل الولايات المتحدة أو توجيه ضربات عسكرية ضدّ إيران. ودون إثارة ردود فعل دولية أو أميركية، يمكن لإيران استخدام الميليشيات التي تواليها لتهديد المصالح الدولية في المنطقة، سواء ممرات الشحن البحري عن طريق جماعة أنصارالله (الحوثية) أو الجنود الأميركيين في العراق وسوريا أو غيرها من المصالح الأميركية، بما فيها أمن إسرائيل والدول الحليفة بالمنطقة. ويرى المحلل السياسي العراقي فاروق يوسف أن إيران قد حسمت الأمور لصالحها بشكل كامل في العراق من غير أن تدفع بالتيار الموالي لها إلى موقع الصدام الذي سيحتله آخرون.. هم ليسوا أقل ولاء لها غير أنهم لا يرفعون شعاراتها علنا بالرغم من أنهم لا يملكون الإرادة ولا القدرة على الوقوف ضد تمددها وهيمنتها على القرار السياسي في مرحلة قد تؤدي بالعراق إلى أن يكون ساحة حرب تجريبية بينها وبين الولايات المتحدة التي يبدو انسحابها من الساحة العراقية كما لو أنه جزء من مشروع العقوبات. ويعتقد يوسف أن “ما حدث في العراق على المستوى السياسي لا يمكن حصره في هزيمة ما سمي بمشروع الإصلاح ومحاربة الفساد المستشري في بنية الدولة، بل يتجاوز ذلك إلى رسم صورة كالحة لمستقبل العراق، حيث يتحتم على الحكومة العراقية، بسبب ضعفها، أن تعود في كل قراراتها، الداخلية والخارجية إلى قاسم سليماني باعتباره مرجعا، يحفظ لها بقاءها في خضم ما يمكن أن يشهده الوضع الداخلي من تدهور جراء التراجع عن مشروع الإصلاح”. وتابع بقوله “فسليماني هو الذي سيدير دولة الحشد الشعبي التي لن تكون في المرحلة المقبلة دولة ظل بقدر ما ستكون دولة حماية تطوي هيمنتها على الشارع كل أحلام العراقيين بالتغيير والانتقال إلى دولة مدنية”. تبعا لذلك لا تبدو إيران مكترثة بالتهديدات الأميركية طالما لا تزال ردود الأفعال الأميركية في إطار تشديد العقوبات الاقتصادية دون المساس المباشر بالمجموعات المسلحة الحليفة لإيران، وهي عنصر القوة الذي تعتمد عليه إيران في وضع الولايات المتحدة في موقع الدفاع عن النفس.
مشاركة :