تحرك أمريكي في القوقاز.. خمسة عصافير بحجر واحد

  • 11/9/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

واشنطن تضع نصب عينيها سحب ورقة النفوذ في المنطقة من يد موسكو، بهدف:1.تعزيز حصار روسيا وتقليل فرص نشوء طريق بري يصلها بقواعدها البحرية في سوريا2.مواجهة خطة الصين التجارية الاستراتيجية، المتمثلة بإحياء "طريق الحرير" عبر المنطقة وصولًا إلى أوروبا3.التقدم نحو منطقة وسط آسيا الاستراتيجية الغنية بالموارد والمهمة لكل من روسيا والصين وإيران وجنوب آسيا4.تعزيز محاصرة إيران بالتزامن مع دخول عقوبات اقتصادية مشددة عليها حيز التنفيذ5.التحكم في طرق عبور البضائع وموارد الطاقة إلى أوروبا وبالتالي التأثير على خيارات الأخيرة السياسية والتجارية جولة أمريكية رفيعة المستوى، أعقبتها تصريحات مثيرة، بالتزامن مع تطورات سياسية واقتصادية في المنطقة؛ عناصر أشارت إلى ارتفاع رصيد الاهتمام بجنوب القوقاز في أروقة صنع القرار بواشنطن. فمن موسكو، توجه مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، جون بولتون، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى كل من أذربيجان وجورجيا وأرمينيا، لبحث ملفات أمنية واقتصادية، فضلًا عن تطوير العلاقات الثنائية. ** التوقيت جاءت الزيارة في وقت بدأ الحديث فيه يتصاعد بشأن دخول النفوذ الروسي في سوريا مرحلة "إعادة الإعمار"، وقُبيل دخول عقوبات أمريكية مشددة على إيران حيز التنفيذ، الإثنين الماضي، فضلًا عن تنامي اهتمام كل من الصين وأوروبا بالمنطقة اقتصاديًا. كما أن طهران وموسكو، في ظل ذلك المشهد، تسابقان الزمن لتثبيت نفوذهما في المنطقة، خصوصًا الأخيرة، التي تنظر إلى القوقاز باعتبارها ساحة نفوذ تقليدية. أضف إلى ذلك أن جولة بولتون، تأتي بعد أشهر من اضطراب سياسي داخلي في أرمينيا، كانت آخر فصوله إعلان القائم بأعمال رئيس الحكومة، نيكول باشينيان، منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الاستقالة من منصبه، بهدف إجراء انتخابات تعزز قبضته على الحكم. وحتى إجراء تلك الانتخابات، في 9 ديسمبر/كانون الأول المقبل، فإن أرمينيا تعيش استقطابًا شديدًا بين الليبراليين بقيادة "باشينيان"، الذين تنامى نفوذهم في البرلمان مؤخرًا، والجمهوريين، الذين قادوا البلاد منذ استقلالها عن موسكو في 1991، وتراجعت قبضتهم على الحكم مؤخرًا إثر احتجاجات شعبية. ** سحب البساط من تحت أقدام روسيا كان لافتًا أثناء زيارته إلى العاصمة يريفان، حَثُّ بولتون، أرمينيا على الابتعاد عن حليفتها التقليدية روسيا، والتقارب مع واشنطن، وإنهاء أزمة إقليم "قرة باغ" مع أذربيجان سلميًا، وشراء الأسلحة الأمريكية؛ على اعتبار أنها "أفضل من الأسلحة الروسية على أية حال". ولكن الأكثر إثارة للاهتمام كان تصريح "باشينيان"، أن بلاده تأخذ عرض واشنطن شراء أسلحة أمريكية محمل الجد، وأنها بصدد بحثه، في تلميح إلى احتمال تغيير البلاد معادلة علاقاتها الدولية، فور انتهاء عصر حكم الحزب الجمهوري تمامًا، كما هو متوقع بعد أسابيع. أثار ذلك على الفور انتقادات الكرملين، الذي وصف، الأسبوع الماضي، في بيان للخارجية، تصريحات بولتون، بـ"الوقحة"، على اعتبار أنها "تدخل في شؤون داخلية لدولة أخرى". وبإضافة زيارة أذربيجان وجورجيا إلى المشهد، حيث يمتلك الغرب بالفعل نفوذًا يزداد اتساعًا "بحذر"، فإن واشنطن تبعث برسالة مفادها أن معادلة استقرار وتوازن جديدة بالمنطقة هي في طور التشكل، ضامنها الرئيسي هو البيت الأبيض وليس الكرملين. بالنسبة إلى باكو، فإن خوض مغامرة الابتعاد خطوة أخرى عن روسيا وإيران، ودخول دائرة المساعي الغربية لتعزيز حصار الأخيرتين، والضغط عليهما في ملفات مختلفة؛ يتطلب ضمانات أمريكية بتوفير حماية وتوازن بعيدي المدى في المنطقة، وحل أزمة "قرة باغ" مع غريمتها التقليدية أرمينيا، وإلا فإنه من الأولى عدم العبث بالعلاقات الحساسة أصلًا مع مختلف دول المنطقة. أما جورجيا، التي ليس لها خيار آخر سوى الاحتماء بالغرب في ظل علاقاتها المتوترة مع موسكو منذ عقود، فإن شبح حرب 2008 مع روسيا، وانفصال إقليمي أوسيتيا الجنوبية (شمال) وأبخازيا (شمال غرب)، ما يزال يخيم على أجوائها، وهي معنية باهتمام أمريكي بعموم المنطقة على أية حال. وعلى إثر التطورات المتسارعة، التي أعقبت زيارة بولتون، أدرج موقع مركز التفكير المهم في الولايات المتحدة؛ ستراتفور، التجاذبات في جنوبي القوقاز على قائمة الرصد الأساسية للفترة المقبلة، على اعتبار أن المنطقة تشكل معبرًا أساسيًا للطاقة بين الشرق والغرب، وموقعًا استراتيجيًا مهمًا للتمركز في إطار مساعي مواجهة كل من إيران وروسيا. ** رهانات أمريكية تراهن واشنطن من خلال تحركاتها الأخيرة بانتزاع ورقة ضغط على روسيا، والقضاء على أي فرصة لنشوء طريق بري يصلها بقواعدها البحرية في سوريا، وضم المنطقة إلى منظومة حلف شمال الأطلسي "ناتو"، التي تحاصر موسكو في أوروبا غربًا وأفغانستان شرقًا. كما يتيح التموقع في المنطقة تعزيز قدرة واشنطن على مواجهة خطة الصين التجارية الاستراتيجية، المتمثلة بإحياء "طريق الحرير" عبر المنطقة وصولًا إلى أوروبا، في إطار مساعي بكين انتزاع الهيمنة الدولية. وثالثًا؛ يشكل النجاح في تحقيق ذلك الاختراق فرصة مهمة للانتقال شرقًا نحو وسط آسيا، وإحكام السيطرة على قلب أوراسيا، وهو ما يعني، إحكام محاصرة كل من روسيا والصين وإيران. وبالإشارة إلى الأخيرة، نستذكر تزامن الجولة الأمريكية مع دخول عقوبات مشددة على طهران حيز التنفيذ، إذ تشكل المنطقة متنفسًا لإيران في حال أُحكم حصارها، وطريقًا بريًا يصلها بحليفها الروسي. ورغم الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وأوروبا، فإن نفوذًا أمريكيًا قويًا في القوقاز من شأنه منح واشنطن تأثيرًا على تدفق موارد الطاقة من إيران وأذربيجان ووسط آسيا، والبضائع من الصين، نحو القارة العجوز، والتأثير بالتالي على خيارات قادة الاتحاد الأوروبي السياسية والتجارية. وإن كانت واشنطن قد تدعم مشاريع الغاز في المنطقة، حتى تتفوق على الأنابيب الروسية المنافسة، وتحقق بذلك أيضًا وعودًا اقتصادية لدول المنطقة، وخصوصًا أذربيجان، فإن موقف الإدارة الأمريكية الأخير بحرمان أوروبا من موارد الطاقة الإيرانية لابد أنه أضعف الثقة بين ضفتي الأطلسي في هذا الإطار. ** فرص النجاح قد تدفع الدعوات الأمريكية من يريفان، ورد الأخيرة الإيجابي، إلى حدوث سباق بين أرمينيا وأذربيجان بهدف تحصيل أكبر مكاسب ممكنة من واشنطن على حساب الأخرى، وبالتالي تسهيل اختراق الولايات المتحدة المنطقة. إلا أن تقديم ضمانات بعيدة المدى، لجميع الأطراف، تجنبهم عواقب خطوات روسية انتقامية، يبدو صعبًا، بل إن مناورات وتبادل أوراق بين مختلف الأطراف قد تفشل التوجه الأمريكي. بمعنى آخر، فإن روسيا لا يُتوقع أن تسلك مقاربة حادة في المنطقة، على غرار ما حدث في أوكرانيا وجورجيا خلال السنوات الماضية، وبالتالي فإنها قد تناور بأوراق اقتصادية وسياسية مع كل من أذربيجان وأرمينيا، ما يجعلنا نرى تطورات مهمة في ملفي "قرة باغ"، ومشاريع الطاقة في المرحلة المقبلة. سيكون من الصعب على الولايات المتحدة تحقيق "سحب البساط" من تحت أقدام موسكو في المنطقة قريبًا، ولكنها بالتأكيد تسعى إلى ذلك وتتلقط الفرص. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.

مشاركة :