إن ظاهرة الغياب وعدم الالتزام بالدوام من قبل بعض الموظفين في العديد من الجهات الحكومية سيما الخدمية أضحت مع شديد الأسف ظاهرة سيئة وتلقي بظلالها على تدني مستوى الأداء، وانخفاض الإنتاج، وتعطيل مصالح الناس، وتأخير إنجاز معاملاتهم. المواطن بات يعانى معاناة مؤلمة عندما تكون لديه "معاملة ما" لدى بعض الجهات الخدمية، تبدأ المعاناة من بداية المعاملة بالذهاب إلى مقر عمل الجهة وقد يستغرق الوقت للوصول إلى مقر العمل الساعة أو أكثر نتيجة لازدحام الطرق وبطء حركة سير المركبات، ناهيك عن صعوبة إيجاد مواقف للمركبات لدى مقر الجهة وخاصة بمحافظة كمحافظة جدة، ثم وعند مقابلة موظف الاستعلامات أو موظف الإدارة المعنية بمعاملتك تبدأ معاناة أخرى، وستكون محظوظا وتحمد الله إن وجدت في استقبالك موظفا دمث الخلق واسع الصدر لديه وازع ديني وأخلاقي يعلم أنه ما وجد إلا لخدمتك وخدمة غيرك من المراجعين، وإذا وجدت شخصا عكس ذلك يتحدث معك بفوقية أو لا مبالاة، فهذا قدرك، وإذا لم تجده فستسمع الكلمات والعبارات التالية: عنده إجازة اضطرارية، لديه حالة وفاة، أو انتظره ذهب ليصلي، هو في اجتماع، لم ينتهِ من الاجتماع، راجعنا بكره، أو بعد أسبوع، أو خذ رقما عبر الحاسب الآلي للمعاملة.. وغالبا ما يستمر المواطن في معاناة تستمر لأسابيع أو شهور وأحيانا سنوات، وأحياناً يضطر بعض القادرين ماديا إلى الدفع من تحت الطاولة، أو عن طريق وسطاء لإنهاء معاملة! أما بشأن الشخصيات العامة أو الوجهاء فغالبيتهم تُحل معظم معاملاتهم وهم ماكثون في منازلهم أو مكاتبهم من دون عناء، والمواطن البسيط العادي، أو المسن، أو حتى المعاق هم من يواجهون المعاناة في ظل غياب المتابعة والمساءلة، ولو وضع الموظف نفسه مكان المراجع لشعر بالمرارة والمعاناة. ظاهرة التسيب الوظيفي تعتبر من أخطر وأكبر التهديدات التي تواجه مسيرة التنمية على مستوى أي دولة وهي عنصر من أبرز عناصر الفساد الإداري. والمتابع لمثل تلك الظاهرة غير الصحية يجد ثمة أسبابًا لها بعضها يرجع إلى أسباب شخصية من حيث التعليم والثقافة ومدى الإدراك والحالة النفسية، وأخرى تنظيمية إدارية من حيث الأنظمة واللوائح والحوافز وطبيعة الإشراف والمتابعة والرقابة الإدارية والمالية، وهناك بطبيعة الحال بعض الحلول التي منها تفعيل الأجهزة الرقابية، ورأب صدع الأحوال الإدارية لبعض الأجهزة الحكومية، والعمل على وضع عقوبات مانعة ونافذة، والعناية كذلك بدعم الوازع الديني، وتعزيز الرقابة الذاتية، والنظر إلى سياسة الرواتب والحوافز والترقيات، وعدم المساواة بين موظف ملتزم وآخر غير ملتزم كما هو جار الآن. معهد الإدارة العامة وعقب دراسة ميدانية أجراها على عدد 182 مؤسسة حكومية وجد أن 69% يتغيبون بدون عذر، و59% يخرجون قبل نهاية الدوام، و54% يتهربون من العمل، و68% يخرجون من العمل ما بين ساعة إلى 3 ساعات يوميا، كما أن 47% من المسؤولين لا يتابعون دوام موظفيهم، فيما أشارت الدراسة إلى أن المتزوجين هم الأكثر غيابا وتهربا من العمل. إن مثل هذه الدراسة المعدة من قبل معهد الإدارة العامة لتلقي بظلالها على الأجهزة الحكومية خصوصاً بغية الاستفادة منها والأخذ بها. ثم إنه في ظل انعدام المساءلة والمحاسبة حتماً سيبقى الوضع كما هو عليه، ولحين اكتمال برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية (يسر) الذي بدأ العمل به وبمشاركة من كل من وزارة المالية ووزارة الاتصالات عام 1426هـ، ورغم صدور عدة أوامر سامية بسرعة الإنجاز، ورغم توفر واعتماد الموارد المالية إلا أن تأخر مثل هذا المشروع لم يكن غريبا أسوة بغيره من المشروعات المتعثرة الأخرى التي نشاهدها ونسمع عنها في وسائل الإعلام المختلفة! في حين أن دولا مجاورة لنا بدأت مرحلة الحكومة الذكية بعدما انتهت من الحكومة الإلكترونية، ناهيك أن قياس الأداء للحكومة الإلكترونية يشير إلى أن 26% فقط من الأجهزة الحكومية سجلت أداء متميزا من أصل 146 جهة، وأن 6 جهات تخلفت عن الرد (جريدة المدينة ص 9 عدد 18878). ويتضح لنا وبعد التعامل المباشر مع عدد من الوزارات كوزارة الداخلية، ووزارة التجارة -رغم عدم اكتمال برامجها- إلا أنها أدت دورا ممتازا وفقا لإشادة جل المتعاملين معها، أما باقي الجهات الحكومية فهي في مرحلة الإتاحة والسماح. والإشكالية في أن المواطن سيظل يعاني من البيروقراطية، وتعقيدات الروتين، وثبات في وتيرة الإنجاز، وتفاقم معاناته لحين الانتهاء من الحكومة الإلكترونية التي زادت مدة العمل عليها والانتهاء منها واعتمادها على 10 سنوات، والسبب راجع في الغالب إلى غياب المتابعة الحقيقية أو الرقابة والمساءلة الدقيقة من قبل الجهات ذات العلاقة. Hussain1373@hotmail.com
مشاركة :