يونس السيد «الضربة التي لا تميتني تقويني».. هكذا كانت حال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب عاصفة «الموجة الديمقراطية الزرقاء» التي لفحت وجهه في انتخابات التجديد النصفي دون أن تسقطه، ما جعله يتحدث عن «إنجاز هائل» له ولحزبه الجمهوري. قد يكون ترامب محقاً، مؤقتاً، ذلك أن الطوفان الديمقراطي كان يستهدف إطاحته بالضربة القاضية، أخفق في السيطرة على الكونجرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، وبالتالي فإن ما حدث هو نصف «ضربة ونصف انتصار» يقابله «نصف نجاح ونصف فشل»، حيث لم يكن «النجاح الهائل» سوى تغطية على انتكاسة مؤكدة بعدما جعل ترامب من الانتخابات النصفية استفتاء حقيقياً على شخصه. فمن جهة، عاد الديمقراطيون للسيطرة على مجلس النواب بعد غياب ثماني سنوات، وحصلوا على أغلبية بواقع 219 مقعداً مقابل 194 للجمهوريين، لكنهم تراجعوا في مجلس الشيوخ، وحصلوا على 43 مقعداً مقابل 51 للجمهوريين، ما يعني أن النتائج بمجملها جاءت لتؤكد الانقسام الداخلي والاستقطاب الحاد في صفوف المجتمع الأمريكي، ولكنها في نفس الوقت، ستدفع إدارة ترامب إلى إعادة النظر في حساباتها، خصوصاً على الصعيد الداخلي، وفي المقدمة منها قضايا الهجرة والضرائب والرعاية الصحية، وربما تؤشر إلى ما ستكون عليه الحال في انتخابات عام 2020. ليست المرة الأولى، بطبيعة الحال، التي يقف فيها البيت الأبيض في مواجهة كونجرس منقسم، لكن هذه المرة تبدو مختلفة عن سابقاتها، من حيث التناقضات الحادة بين الحزبين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والمجتمعية، ناهيك عن بلوغ المجتمع الأمريكي ذروة الانقسام، مع صعود الفاشية إلى أعلى مستوياتها، وتهديد السلم الأهلي والأمن الداخلي، وتزايد انتشار السلاح والجرائم الفردية والمنظمة. صحيح أن الجمهوريين عززوا قبضتهم على مجلس الشيوخ، ما يتيح لترامب استمرار حرية الحركة في السياسة الخارجية، لكنه سيكون تحت المجهر، وسيكون رغم ذلك مقيداً في القضايا الاستراتيجية كإعلان الحرب، إذ عليه العودة للحصول على تفويض من الكونجرس بمجلسيه، وكذلك الحال بالنسبة للموازنة، التي يتوقع أن تشهد معارك ضارية بين الحزبين. الأهم من ذلك، أنه بات بوسع الديمقراطيين فتح تحقيقات برلمانية على كل المستويات، لا سيما ما يتعلق بشبهات التدخل الروسي في انتخابات عام 2016، كما بات بإمكان الديمقراطيين السيطرة على التعيينات الداخلية، مثل التعيينات الرئاسية في المحكمة العليا والحد من السياسات الإقصائية لمعارضي ترامب وغيرها. وبالمحصلة، لا يستطيع ترامب تجاهل حقيقة خسارته مجلس النواب بعدما كان يسيطر على المجلسين، حيث حمل مسؤولية هذه الخسارة لوسائل الإعلام وللجمهوريين أنفسهم. ومع ذلك تبقى حقيقة فوز الديمقراطيين بالأغلبية في مجلس النواب، هي النتيجة الأبرز لهذه الانتخابات، التي ستؤهلهم لفرض رقابة مؤسسية على رئاسة ترامب، وهو ما من شأنه التأثير سلبياً في أجندة البيت الأبيض في تمرير الكثير من الملفات التي يعتبرها ترامب أساسية. لكن السؤال الأهم هو ما إذا كان الديمقراطيون قادرون على عكس اتجاه سياسات الرئيس الأمريكي. الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة على هذا السؤال. younis898@yahoo.com
مشاركة :