كثيرا ما يرتبط مفهوما اللياقة والرشاقة عند الكثيرين بضرورة الالتزام بنظام غذائي صارم وممارسة الرياضة بشكل مكثف. وتطول حرب إنقاص الوزن باستخدام كل السبل، دون أن يدرك الحالمون بالجسم الجميل أن ما يتلاءم مع غيرهم قد لا يناسب خصائصهم الوراثية والعضلية وحتى النفسية. لندن – ظهرت موجة جديدة من الشركات التي تعمل على تغيير نظرة الناس إلى أجسادهم وتدفعهم إلى التركيز على الأداء البدني أكثر من الشكل، فالجسم الرشيق أو النحيل الخالي من الفيتامينات اللازمة أو ضعيف البنية والقدرة على التحمل لا يمكن أن يكون نموذجا جيدا لما ينبغي أن نكون عليه. نجاح النظام الغذائي في تخفيض الوزن ليس نهاية الطريق وإنما أوله، حيث يرى المتخصصون في اللياقة والتغذية أن حرق الدهون يتطلب تعويض الجسم لما خسره من السوائل والأملاح المعدنية، علاوة عن ضرورة ممارسة التمارين الرياضية المناسبة لشد مناطق الجلد المترهلة بعد التخلص من السعرات الحرارية، بالإضافة إلى العمل على الحفاظ على الوزن الجديد، دون أن يؤثر ذلك على الطاقة والنشاط، لأطول وقت ممكن طوال اليوم. وللنجاح في ذلك، تحذر بعض الشركات الجديدة من اتباع أي نظام غذائي ورياضي بشكل عشوائي وتعرض طريقة حديثة في تكييفهما وفق خصائص كل شخص. وحسب تقرير نشر بالموقع الأميركي (ذي أتلانتيك)، أوضحت شركة “فيوم” للرعاية الصحية أن المشتركين يحصلون على فرصة لاستكشاف وتحسين نظام الميكروبات النافعة التي تعيش في أجسامهم، حيث تستخدم الشركة تكنولوجيا حديثة لإنشاء “ملفات جزيئية فريدة” تحتوي على مؤشرات أنظمتهم الغذائية. وتعتمد الشركة في ذلك على فحص عينات من البراز تساعد في إعادة ضبط النظام الغذائي وإنقاص الوزن. هذا الأسلوب يخبر الكثير عن كيفية قيام شركة “فيوم” وعدد متزايد من شركات الأنظمة الصحية الجديدة بتشجيع الناس على التفكير والتحدث عن التغذية، كمشكلة شخصية، حيث فقدان الوزن ليس تجربة للحرمان، ولكن للتحسين، لا يختلف تماماً عن زيادة عمر بطارية هاتف “آيفون” لمدة عام آخر أو تصنيع سيارة تعمل دون وقود. لا تصنف شركة “فيوم”، وغيرها من الشركات الناشئة في نفس المجال، نفسها كشركات معنية بالحمية الغذائية، لكن كشركات معنية بالوزن وغيرها من المخاوف الصحية المرتبطة بالتغذية. ويعرض التقرير أيضا حث شركة “توينتي ثري آند مي” الناس على تناول الطعام وممارسة الرياضة وفقا لعلم الوراثة الخاص بهم. وتريد شركة “بوليت بروف” أن تغيّر روتين القهوة الصباحية لزيادة أداء العمل والحد من الجوع. أما شركة “هابيت” فتعنى بدراسة المؤشرات الحيوية الشخصية الخاصة بكل فرد لرسم خطة تغذية تناسبه هو. يرى الأخصائيون أن اتباع نظام غذائي لم يعد مشكلة في حد ذاته، كما تم وصفه تاريخياً، بقدر ما أصبح مشكلة معرفة وكفاءة. وهو ما يشكل تحولا كبيرا في الكيفية التي يفكر بها الناس في أنفسهم. ففي الماضي كانت الأجساد تصور على أنها معابد شخصية، أما الآن صارت مجرد أجهزة أخرى يمكن إدارتها. نحن نعمل على تحسين أداء أبداننا بدلاً من النظر إلى أشكالنا، ونقود النظام البيئي الخاص بنا بدلاً من مجرد تناول طبق سلطة. استيعاب الأشخاص فكرة أن تغيير الجسم ضروري سيفاقم المخاطر بالنسبة لأولئك غير القادرين على فعل ذلك يفسر التقرير أن جميع هذه الخدمات الجديدة عادة ما تقوم باختزال التعليمات المفصلة والمكلفة من حيث تناول كمية أكبر من عنصر غذائي ما وكمية أقل من عنصر غذائي آخر، أو أنها تقوم بإضافة أو استبدال نظام غذائي من شأنه أن يفتح إمكانات الجسم الحقيقية. وإقناع المستهلكين بأن هذه الموجة الجديدة من الأنظمة الغذائية تختلف نوعًا ما عن تاريخ صناعة النظام الغذائي الطويل، تعتبر مهمة شاقة. وبالنسبة إلى الشركات الجديدة، فإن استخدام التكنولوجيات الجديدة في تغيير صورة الممارسات الغذائية التقليدية، يوفر إمكانية الحصول على كل ما هو جديد في علم التغذية بالنسبة إلى أخصائيي الحميات الغذائية، وكذلك تسهّل الوصول إلى المستهلكين الذين لم يهتموا أبداً باتباع نظام غذائي. تطرقت الكاتبة أماندا مول إلى فكرة تأنيث تاريخ صناعة الحمية الحديثة في أميركا وهو ما يعني ترك الرجال حتى وقت قريب سوقًا محتملة غير مستغلة بشكل نسبي، وهو ما يعرف بـ”التلوث الجنسي”، كما صاغه الباحث في جامعة هارفارد، جيل أفيري، “عندما يصبح منتج أو فكرة مقتصرة فقط على الإناث بحيث لم يعد الرجال مستعدين للتعاطي معها”. وبينت مول أن النساء هن أسهل فريسة تستهدفها صناعة الحمية الغذائية لأنهن دائما على استعداد للتباهي بمظهرهن وقيمتهن الاجتماعية مقابل اتباعهن لأنظمة غذائية غير صحيحة ولا تتناسب مع خصوصياتهن. وفي دراسة أجريت عام 2015، وجد الباحث في جامعة مانيتوبا، لوقا تشو، أن الصور النمطية للغذاء المرتبط بجنس معين كانت شديدة العمق لدرجة أنه ومن أجل جعل الأطعمة الصحية تبدو ذكورية، كان على المسوقين أن يذهبوا إلى أبعد من ذلك وأن يربطوا بين الغذاء الصحي والأفكار المفرطة الذكورة مثل تحسين الأداء، وهو تماما ما تفعله شركات النظام الغذائي التي تتبع التكنولوجيات الحديثة. وإذا استطاع الرؤساء التنفيذيون لشركات التكنولوجيا الغذائية هذه أن يعرّفوا جيداً ما هو الجسد المثالي – إذا قرروا تحديد مفهوم تحسين الجسم البشري، ثم وضعوا مواردهم الكبيرة خلف تطبيع هذا التعريف وبيع المنتجات التي تهدف إلى مساعدة الناس على تحقيقه – فإن الكثير من المستهلكين يمكنهم بذلك تخطي العديد من العقبات الفعلية التي تقف في طريقهم. فالأشخاص البدناء، على سبيل المثال، يواجهون بالفعل نوعا معينا من التمييز الاجتماعي، حيث وجدت دراسة نُشرت في عام 2016 أنهم أقل قبولا في الوظائف الجديدة من الأشخاص الأقل وزنا. فوزنهم الزائد يعني أنهم لم يعودوا مهتمين بالحصول على الرعاية الطبية الهامة. ويتطلب فقدان الوزن صعوبة جسدية وعاطفية، وهناك ارتفاع في نسبة الأدلة العلمية التي تشير إلى أن فقدان كمية كبيرة من الوزن يعتبر أمرا مستحيلا بالنسبة إلى هؤلاء الذين يتم تصنيفهم مرضى سمنة من الناحية الطبية. وشدد التقرير على أن استيعاب الأشخاص فكرة أن تغيير الجسم أمر ضروري مثل عملية تنظيف الملفات القديمة على جهاز الكمبيوتر، سيجعل المخاطر بالنسبة لأولئك غير القادرين على فعل ذلك أكثر حدة. النساء أسهل فريسة تستهدفها صناعة الحمية الغذائية لأنهن يتباهين بمظهرهن مقابل اتباع أنظمة غذائية غير صحيحة وهناك أيضًا ظاهرة أخرى تأخذ طابعاً نسائياً إلى حد كبير في الثقافة الأميركية، إلى جانب اتباع نظام غذائي وهي اضطرابات الأكل. ويعد فقدان الشهية أخطر أنواع ظاهرة اضطراب الأكل، والذي غالبا ما ينطوي على الاهتمام الدقيق بالتفاصيل عندما يتعلق الأمر بالسعرات الحرارية والمواد الغذائية الأساسية، فضلا عن الفرص المحدودة بشدة لتناول الطعام. ويمكن أن يسوء الأمر ويتحول إلى مرض، فقد حذرت أخصائية الطب النفسي الألمانية كورا فيبر، وفق الموقع الألماني دويتشه فيله، من أن تراجع الوزن بنسبة 15 بالمئة عن الوزن المثالي لمتوسط عمر الشخص، تعني أيضا تحول الأمر من مجرد البحث عن الرشاقة إلى حالة مرضية. لذلك من المهم في هذه الحالات فحص الجهاز الهضمي بشكل دقيق لاستبعاد وجود مشكلة طبية تتطلب العلاج. وقد لا تكون أنظمة الصيام المتقطع واستبدال الوجبات وخطط الحمية التفصيلية على الدوام من أعراض اضطراب الأكل في حد ذاتها، ولكن مظهرها الخداع من الناحية الطبية والعلمية يمكن أن يخفي ميل هذه السلوكيات إلى أن تصبح ضررا جسديا ويمكن أن يجعل تدخل أفراد العائلة والأصدقاء حينها أكثر صعوبة. لقد أوضح العلم بالفعل أن الأنظمة الغذائية الصحية تتضمن تناول نظام غذائي متنوع يعتمد أساسا على تناول قدر كاف من الخضروات والأطعمة الطازجة على مدار حياة الشخص. لا تساهم سهولة هذه النصيحة في التسويق بقدر كبير لمنتجات بعينها، ولكنها تأخذ في الاعتبار شيئا قد تحاول لغة التكنولوجيا حجبه عن مجال التغذية، فشركة “فيوم” لا ترغب في خلط الأمر بين النحافة والصحة، على الرغم من أنها تدرج السمنة ضمن الأشياء التي يعتزم نظامها الغذائي معالجتها، وهذا ما تسعى كل الشركات الناشئة إلى تحقيقه. لكن ما يحتاجه الناس قد لا يكون المزيد من المنتجات لجعل أجسامهم تبدو أفضل ولكنهم يحتاجون فقط لفكرة أوسع عن مفهوم النموذج الأفضل.
مشاركة :