قالت وكالة أنباء «بلومبرج»، إن التباين الصارخ بين الفشل والنجاح أصبح مشهداً مألوفاً فى العاصمة السعودية الرياض، حيث تمر المملكة التى يبلغ عمرها 86 عاماً بأكبر اضطراب فى تاريخها الحديث لتبنى نموذج الرأسمالية على النمط الغربى. ومنذ أن قلصت الحكومة السعودية الدعم ورفعت التكاليف يتم تحديد بقاء الشركات من قبل قوى السوق المختلفة. وأوضحت الوكالة الأمريكية، أن المدراء التنفيذيين يشكون من أنهم لا يستطيعوا مواكبة الأمور حتى مع تراجع الدولة عن بعض التخفيضات فى الإنفاق للحفاظ على نمو الاقتصاد. وأضافت أن جيل الألفية يبحث عن طرق للاستفادة من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التى هزت الدولة المحافظة خلال العامين الماضيين، ومنها أن رسالة ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 32 عاماً تتمثل فى أن الصمود والمقاومة ليس خياراً. ولكن يأمل بعض أصحاب الشركات دون جدوى فى أن تعكس الحكومة مسارها حيث يقول عبدالله الفوزان، رئيس شركة «كى بى إم جى» عن الوضع الجديد «إما أن تتكيف أو تختفى فى إشارة إلى حملة الاعتقالات التى طالت المعارضين للنظام الجديد، لجعل الناس يتغيرون فعليك أن تصدمهم». ويحاول الأمير الشاب تنويع الاقتصاد المعتمد على البترودولار وإصلاح المالية العامة للدولة مع توفير فرص عمل كافية للسكان ولكن بالنسبة للشركات فهذا يعنى أن عصر العمالة الرخيصة والطاقة المدعومة والعقود الحكومية السهلة قد انتهت. وقامت الشركة الخليجية للمطاعم والمتنزهات، التى تدير شركة «فورشيتا» إلى جانب العديد من سلاسل المطاعم الأخرى بفصل 500 موظف فى السنوات القليلة الماضية، مما أدى إلى تقليص عدد العاملين لديها إلى 700 موظف وأغلقت خمسة مطاعم. وقال مدير العمليات بالشركة رابح غسطين، «لم نشعر بالأزمة حتى منتصف عام 2017.. المبيعات انخفضت بنسبة 20% إلى 25% فى بعض المطاعم ونحن بحاجة إلى وقف نزيف الخسائر». وأشارت الوكالة الأمريكية إلى أن التحديات التى يواجهها مدراء الشركات هائلة حيث رفعت الحكومة أسعار الكهرباء والبنزين وأدخلت ضريبة القيمة المضافة، وطلبت من الشركات دفع رسوم إضافية لتوظيف الأجانب. وغادر مئات الآلاف من العمال الأجانب البلاد وتقلصت قاعدة العملاء ليس فقط للمطاعم والمتاجر ولكن أيضاً فى المدارس الخاصة وشركات الاتصالات السلكية واللاسلكية. وكشفت البيانات توسع الاقتصاد بمعدل سنوى بلغ 1.2% فى الربع الأول بعد انكماشه بنسبة 0.9% فى عام 2017 مدعوماً بارتفاع أسعار البترول والإنفاق الحكومى على الأجور والمزايا الاجتماعية لتخفيف تأثير العلاج بالصدمة. لكن رجال الأعمال يقولون، إن الأمر قد يستغرق سنوات حتى يتعافى الاقتصاد تماماً وليس واضحاً ما الذى سيبقى عندما تستقر العاصفة. ويتوقع صندوق النقد الدولى، أن يتوسع الاقتصاد السعودى بنسبة 1.9% العام الجارى، مع تسارع النمو تدريجياً إلى 2.3% بحلول عام 2023 وهذا أقل بكثير مما كان عليه خلال سنوات طفرة ارتفاع أسعار البترول. وقالت كارين يونج، باحثة مقيمة فى معهد دول الخليج العربى، فى واشنطن، إن الاقتصاد السعودى سفينة كبيرة ولن يتغير الأمر بسهولة ولن تكون موجة الشركات العصرية مثل شاحنات الطعام وصالات الجيمنازيوم النسائية كافية لخلق تحول فى القطاع الخاص بالمملكة. ويوجد خطر آخر يتمثل فى أن الخطة ستوسع الفوارق بين الأغنياء والفقراء، وكذلك بين المحافظين والنخبة وبالفعل يوجد تذمر بشأن ارتفاع الأسعار، خاصة بعد أن وصلت نسبة البطالة بين المواطنين السعوديين إلى 13%. ويدرك حمدى الزايم، مدير تطوير الأعمال فى شركة الخليج الدولية للمقاولات والعقارات، التى تتعامل فى مواد ومعدات البناء، مدى الحاجة إلى ثورة لضمان البقاء. يأتى ذلك فى الوقت الذى كان فيه البناء واحداً من القطاعات الأكثر تضرراً من الانكماش الاقتصادى ومع كبح الدولة للإنفاق انخفض تدفق العقود وقام المسئولون بتأخير سداد المدفوعات للمقاولين وبالفعل تعثرت الشركات العملاقة أو حدث لها انهيار فى الآونة الأخيرة. وذكرت «بلومبرج» أن الشباب السعوديين لديهم ترحيب شديد بخطة ولى العهد الأمير محمد، لإعادة تشكيل الاقتصاد والتى تتضمن أيضاً تخفيف القيود الاجتماعية للمملكة. وفى السنوات القليلة الماضية قللت الحكومة من سلطات الشرطة الدينية وأنهت حظراً على قيادة النساء وسمحت بدخول دور السينما وأصبحت الدولة السعودية ترعى الحفلات الموسيقية. وفى الوقت الذى تحاول فيه الحكومة التحكم فى إنفاقها على الأجور فإن عبء خلق الوظائف قد انخفض على الشركات الخاصة والشركات الناشئة. وقال صالح العثيم، المدير المالى فى شركة «العثيم القابضة» إنهم فى حاجة أولاً إلى ضخ الأموال فى المناطق التى يحتمل أن تحقق النجاح حيث يحتاج الناس إلى المخاطرة ولا يمكن للقطاع الخاص أن يجلس فقط ويراقب ما تفعله الحكومة متوقعاً أن تشهد العديد من الشركات الصغيرة عمليات إغلاق عندما تكافح من أجل التكيف.
مشاركة :