الرباط - أثارت حادثة الاعتداء على الأمين العام لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود”، يونس قنديل في الأردن، السبت، ردود فعل كثيرة في العالم العربي، حيث تعرض قنديل للاختطاف والتعذيب في حادثة وجهت فيها أصابع الاتهام إلى متطرفين دون أن تتم تحديد هويتهم بدقة. وكان رائد الخطيب الناطق الإعلامي باسم مؤسسة “شريك منظمة مؤمنون بلا حدود” قد قال إن قنديل في وضع صحي صعب إذ يعاني من عدة كسور ورضوض جراء تعرضه للتعذيب على يد خاطفيه. وكشف أن الخاطفين وشموا على جسد أمين عام “مؤمنون بلا حدود”، عبارة “مسلمون بلا حدود”. وقال الباحث والكاتب الأردني معاذ بني عامر، إنها “جريمة كبيرة على المستوى الديني، فقد أثبتت الجماعات الدينية أنها تقدم آية السيف على آية آيات الرحمة”، موضحا أن تلك الجماعات تريد الترويج لثقافة الدم على حساب الثقافة الأخلاقية. واعتبر بني عامر أيضا أن ما تعرض له أمين عام “مؤمنون بلا حدود” له أبعاد حقوقية حيث أفاد بأنه “من عشرة أيام نراجع دوائر قصر العدل ونقول لهم حياتنا مهددة لكن أحدا لم يتخذ إجراء حتى وقعت الكارثة”. ويرى بني عامر في تصريح لـ”العرب”، أن الاعتداء على قنديل “جريمة سياسية كبيرة لأن عقل الدولة السياسي خضع لمنطق الجماعات الإسلامية ورهن الدولة ومقدراتها لهم، فوزير الداخلية انحاز لفئة على حساب فئة أخرى، حتى وهو يعرف ما يمكن أن يؤدي إليه هذا الانحياز العلني والصريح”. وأفاد عاصف الخالدي، الباحث في الجماعات الإسلامية لـ”العرب”، بأن الأمين العام لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود” يرقد في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية عمان، تحت المراقبة الحثيثة. وقال الخالدي إن قنديل “دائم الدعوة إلى الحوار واحترام أفكار الجميع، ويشجع على التعددية واحترام المشاعر الدينية والرؤى العقلانية للجميع. وهو ضد تسييس الأفكار واستخدام أي عنف في النقاش الإنساني”. العنف ومحاولة إنشاء حالة تجييش شعبوي على أساسه غالبا ما يسبقان أي دعوة للحوار العقلاني سواء في إطار فكري أو ديني وتؤمن “مؤمنون بلا حدود” بمبدأ أن “الإنسان أوسع من أن تختصر خيريته في دين أو مذهب أو طائفة أو عرق، وأن كرامة الإنسان وسعادته تكمنان في احترام حريته في التفكير والتعبير والاعتقاد، وتقومان على إعلاء قيَم التنوع الثقافي والحضاري وعدم التمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون”. ويعتبر مراقبون أن المعتدين على الأمين العام لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود”، أرادوا بعث رسائل ما من خلال عملية الاختطاف والتعذيب الوحشي. وقال بني عامر إنهم (المعتدون) “يقاتلون ولو بإراقة الدماء لكي يبقوا على الدين في دائرة الإسلام، في حين أن مؤسسة مؤمنون بلا حدود أحدثت نقلة هائلة في الدين ونقلته إلى دائرة الإيمان الواسعة”. وتابع “هذا بحد ذاته تهديد لمصالح الإسلام السياسي”، مؤكدا أنه هو أيضا تعرض لتهديدات لكنه شدد في الوقت نفسه على أن ذلك لن يخيفه قائلا “لا شيء يمكن أن يحجر على روحي وهي تتطلع إلى الملكوت لتعانق أشواقها الوجودية الكبيرة”. وحمل عادل قنديل شقيق الأمين العام لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود” مسؤولية ما حدث إلى المسؤولين الذين لم يعيروا اهتماما إلى التهديدات التي تعرض لها شقيقه في السابق. واتهم عادل قنديل نوابا في البرلمان الأردني كانوا قد شنوا حملة ضد شقيقه، مشيرا إلى أن الأخير وصله أكثر من ألفي تهديد على شبكات التواصل الاجتماعي. وقد تقدم يونس قنديل بشكوى لدى المدعي العام بشأن التهديدات التي وصلته. وأبدى خبراء تخوفهم من أن مثل هذه الأفعال الإجرامية تنذر بخطر محدق بكل من ينادي بالحوار في المجتمعات العربية، ومن بينهم الخالدي الذي يقول إن هناك “محاولات قديمة ومتكررة لاقتطاع مساحات مغلقة لا يسمح فيها بالنقاش في المجال العام، ويدخل فيها المقدس الديني كدرع للدفاع عن الباطل الممثل بمصالح فردية وسياسية”. وأضاف الباحث الأردني أن تسييس الأفكار يقوم على ادعاء طرف واحد تمثيل الحقيقة المطلقة، مما يجعله وصيا على المجتمع من وجهة نظره. ومن هذا المنطلق إما تتم السيطرة على الحوار كله وإما يتم إقصاء الآخرين منه بالقمع وبالعنف أحيانا. اعتداء على الفكراعتداء على الفكر ويمكن هذا المنهج، وفق الخالدي، من بقاء مساحات الحوار معرضة للتضييق بل والزوال في البعض من الحالات، لافتا إلى أن العنف الرمزي المتمثل بتجريم الحوار ومحاولة إنشاء حالة تجييش شعبوي على أساس هذا العنف “هو أمر مرفوض كليا، بل وهو غالبا ما يسبق أي دعوة للحوار العقلاني وفهم الآخر سواء في إطار الفكر أو في إطار ديننا الحنيف الداعي للتسامح والنقاش والمحبة”. وتأتي عملية خطف يونس قنديل، بعد أيام من منع السلطات الأردنية مؤتمرا دعت إليه مؤسسة “مؤمنون بلا حدود” بعنوان “انسدادات المجتمعات الإسلامية والسردیات الإسلامية الجدیدة”. وأشعل المؤتمر جدلا حادا في الأردن، إذ أن نائبة بالبرلمان كانت وراء قرار وزير الداخلية بمنعه. وأثارت هذه المواقف بشأن مؤتمر “مؤمنون بلا حدود” علامات استفهام كثيرة حول دور الجماعات الإسلامية في واقعة اختطاف وتعذيب يونس قنديل، إذ يرجح البعض احتمال تورط هذه الجماعات في الاعتداء سواء بالتحريض أو الفعل. وأكد الخالدي أنه مقتنع بدور الأجهزة الأمنية في إنجاز تحقيق في الاعتداء وحماية المواطنين وضمان حقوقهم، مشيرا إلى أنه “إذا ثبت الدور التجييشي أو سواه لأفراد من جماعات الإسلام السياسي فإن هؤلاء معرضون لسلطة القانون بحسب أحكام قانون الجرائم الإلكترونية وسواها من القوانين”. لكن محمد العاني، مدير عام مؤسسة “مؤمنون بلا حدود”، شدد على عدم توجيه أصابع الاتهام تجاه أي جماعة أو أفراد. وقال إن الموضوع بيد الأجهزة الأمنية في الأردن”. وتؤكد المؤسسة بأن هذه أول مرة تتعرض لمثل هذا الاعتداء في شخص أمينها العام. ويخشى العاني الأجواء التحريضية تجاه المؤسسة وعملها خاصة من قبل البعض من التيارات الإسلامية، وأوضح أن المؤسسة لا تدعو إلى الكفر أو الإلحاد إنما تعتمد على الدين القائم على العقل والتفكير. وأشار إلى وجود شراكات مع العديد من الجامعات والباحثين، الذين يتجاوز عددهم 1500 باحث. وقال الخالدي إنه، أيا كان الفاعلون، ليس شرطا أن ينتموا إلى جماعة بعينها. وقال إنه “يجب ربما على الجميع تشجيع تبادل الآراء واحترام حرية الجميع في أفكارهم أيا كان الاختلاف”، معتبرا أن الرد يرد دوما في إطار الأخلاق والفكر الإنساني وممارسة حق التعبير السلمي دون أي عنف على الآخرين.
مشاركة :