"كن" فيلم خيال علمي يمزج الجريمة بالحركة

  • 11/12/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

النظر إلى سينما الخيال العلمي من زاوية كونها تنطوي على أحداث وتقدم قصصا تبتعد عن الواقع لتخوض في أزمنة وأماكن غير معلومة، ليست هي كل ما يتعلق بهذا النوع الفيلمي، إذ نشاهد بين الحين والآخر تجارب سينمائية تحاول المزج مع أنواع أخرى أو إدخال معالجات درامية لسينما الحركة أو الرعب أو الإثارة والعنف بالتوازي مع قصص الخيال العلمي. أوجد المزج بين سينما الخيال العلمي والحركة والرعب والإثارة والعنف، جمهورا متعطشا لهذا النوع من السينما المتنوعة والمتداخلة، حيث لم يعد فيلم الخيال العلمي قصة مستقبلية مجردة وكائنات غرائبية لا تنتمي إلى الواقع، بل بات يستجيب لذائقة جمهور عريض يبحث عن خطوط وشخصيات درامية متنوعة. وفي فيلم “كن” للمخرجين جوش وجوناثان بيكر سنلمس كثيرا ممّا أشرنا إليه آنفا، إذ تبدو أحداث الفيلم للوهلة الأولى على أنها تنتمي إلى نوع أفلام الجريمة والحركة، حيث ستبرز شخصية جيمي (الممثل جاك رينور) على أنه منحرف اجتماعيا، لا يتورع عن السطو والسرقة، ومنذ البداية يتورط مع عصابة إجرامية بالقيام بمشاركتهم بعملية سطو مسلح، لكنه بعد إتمام العملية يسطو على المال كاملا ويهرب من العصابة. ما لم يكن في حسبان جيمي أنه سيخسر أعز ما عنده، أبوه، بعدما تلاحقه العصابة وتشتبك معه ويفقد زعيم العصابة تيلور (جيمس فرانكو) شقيقه في الوقت نفسه، فيصبح جيمي فضلا عن خسارته لوالده هدفا انتقاميا. في المقابل هنالك إيلي (الممثل ميلس ترويت) ذو الأربعة عشر عاما، وهو شقيق جيمي بالتبني، الذي سيجد نفسه سريعا ممزقا بين اتجاهات مختلفة، فهو قد رباه والده بالتبني على القيم الرفيعة والاستقامة، بينما يقوده شقيقه للإجرام، وبينهما لن يجد من بقايا أسرته الأصلية سوى ندب في الكف كمثل جرح قديم، لكنه سيكون في آخر الفيلم علامة على انتمائه إلى جنس غريب من البشر. وخلال ذلك يعثر إيلي على سلاح ليزري فتاك في وسط حطام من الشخصيات الروبوتية المدمرة في مكان مهجور، وهنا سوف ندخل في مجال الخيال العلمي لجهة وجود شخصيات فضائية، ومنها من قتل تاركا ذلك السلاح الليزري العجيب، فعندما يخوض جيمي أولى معاركه في ناد ليلي ويكاد يفقد حياته سيكون إيلي هو المنقذ له باستخدام ذلك السلاح التدميري الخارق. وعند هذا التحوّل سوف يتصاعد البناء الدرامي وسننتظر مواجهات قاسية، فمن جهة سيظهر فضائيان في بحثهما الدؤوب عن سلاح مفقود يعود لفصيلتهما، وبهذا يتعقبان إيلي من خلال استمكان السلاح، ومن جهة أخرى سيتعقب تيلور وعصابته جوني لاستعادة المال. المخرجان استخدما الغرافيك في الفيلم لإبراز زوايا ومستويات التصوير كحل مونتاجي برع في تقديم مشاهد حركة متميزة وسيكون إيلي محورا مهما في هذه المواجهة التي تم بث المزيد من الحبكات الثانوية من خلالها، ومنها الزج بشخصية ميلي (الممثلة زو كرافيتز) التي ترافق جوني وإيلي وتواجه المخاطر التي يواجهانها. واقعيا لم يكن توظيف ما هو غير واقعي ومرتبط بالخيال العلمي، إلاّ في حدود مساحة استخدام ذلك السلاح الفتاك، لكن تحولا دراميا مهما سيقع في المشاهد الأخيرة، عندما يلتقي الفضائيون بإيلي ويأخذون السلاح التدميري المفقود منه، لكنهم يكشفون له عن علامات انتمائه إليهم. تم صنع العديد من المشاهد المرتبط بالكائنات الفضائية ببراعة، مع قدرة على رسم المشاهد السابقة بتقنية ثلاثية الأبعاد، ومنها مثلا اللحظة الحاسمة التي يفترض أن تيلور يجهز على جوني فيعمد الفضائيين إلى تغيير مسار الرصاصة إلى رأس تيلور. واكتظ الفيلم بمشاهد المواجهات والعنف والحركة مع إبقاء شخصية جوني بمثابة اللص الطيب الذي طالما ينصح شقيقه بأن لا يقتفي به، وأن يحافظ على المثل التي تربى عليها، في مقابل شخصية ميلي الإيجابية هي الأخرى التي ما تلبث أن تعود للالتحاق بالشقيقين مجددا. وتميز الفيلم على صعيد البناء المكاني بتنوع ملفت للنظر ما بين التصوير في الأماكن الحقيقية ومنها الفضاءات المفتوحة وأيضا الأماكن التي شهدت ذروة الصراعات، وخلال ذلك تم استخدام الغرافيك لإبراز زوايا ومستويات التصوير كحل مونتاجي برع في تقديم مشاهد حركة متميزة. تكامل البناء السردي كان بحاجة إلى الكثير من عناصر الإقناع، لا سيما مع تشابك قوى الصراع وبالأخص عند تصاعد المواجهة مع جوني وخصومه، والتي توجت باقتحامهم مركز الشرطة بقصد القبض على جوني. مسارات سردية متشابكة تمت بلورتها بعناية من خلال تنويع المسارات بين اكتمال مشاهد الإثارة وبث الحبكات الثانية، وبين المضي بالدراما الفيلمية إلى نهاياتها بحصول المفاجآت غير المتوقعة كاقتفاء أثر جوني من خلال مكالمات هاتفية يتم اعتراضها من قبل العصابة. وفي مقابل الحرص على المزج ما بين نوع الخيال العلمي وبين دراما الحركة والعنف، كان من المشاهد غير المتوقعة مثلا أن يكشف الفضائيان الخارقان عن وجهيهما، وبالأخص النجم المعروف مايكل جوردان. هنا تم تهشيم عنصر الإيهام بالخارقية الذي تم بناءه بعناية من خلال انطلاق الفضائيين بدراجات نارية وسرعة خارقة من خلال قدراتهم الجسدية الاستثنائية، وإذا بهم بشر عاديون لا يختلفون عن سائر البشر، ولكنهم يتوارون خلف أقنعة، وتلك نقطة هشة في البناء الفيلم لم يكن لها ما يستوجبها.

مشاركة :