الصورة التي تقدم عالما منهارا إما بسبب الأوبئة وإما بسبب عوامل الطبيعة وإما الغزو الخارجي وإما الحروب والصراعات، ثم يتكامل ذلك مع صورة سكان الكوكب، من نجا منهم من الكارثة وكيف يواصلون حياتهم وما هي ذكرياتهم وأحلامهم وطموحاتهم، كلها نجدها مجتمعة في فيلم “دولة أسيرة” للمخرج وكاتب السيناريو روبرت ويات. هنا تبرز مهارات صناع سينما الخيال العلمي في تقديم شكل سينمائي مبتكر يتم من خلاله الغوص في صراعات غالبا ما تنشب في إطار الصراع من أجل البقاء. ومع المشاهد الأولى من الفيلم نجد أن الناس تحاول الهرب من هجوم مدمر تتعرض له الأرض بسبب قوى غامضة لكنها شديدة البطش، ومن بين هؤلاء عائلة مكونة من أربعة أفراد وقد باءت محاولتهم الهروب من الكارثة والنجاة منها بالفشل، حيث يموت الزوج والزوجة وينجو الولدان الشابان. وبعد تلك الواقعة بتسع سنوات ينقلنا المخرج إلى شكل العالم الجديد تحت الاحتلال، فقد فرض المحتلون الشرسون قوانينهم وسيطروا على كل شيء وقسّموا المدن وقطّعوها بالحواجز وأخضعوا أجهزة فرض القانون لإرادتهم، وفي وسط ذلك سوف تبرز معارضة سرية لمقاومة هذا الواقع من خلال ضربات استباقية تشنها على الغزاة. يهتدي قائد الشرطة (الممثل جون كودمان) إلى شاب يافع هو غابرييل (الممثل آشتون ساندرز) الذي يعيش على حافة الفقر ويعمل في مؤسسة لتخزين البيانات الإلكترونية، وهو الذي نجا قبل سنوات من حادثة مقتل والديه. يحاول قائد الشرطة تجنيد غابرييل بغرض الوصول إلى شبكة المقاومة، التي سنكتشف أنها شديدة الحذر والحرص وتتكون من النخب الواعية في المجتمع من كتاب وصحافيين وأطباء وغيرهم.وفق هذه المسارات سوف نمضي في تتبع واقع قائم، وفي الغالب يتم التصوير في أقبية وأماكن مغلقة أو مهجورة ترافق ذلك معالجة مونتاجية وغرافيك وموسيقى ومؤثرات شديدة الإتقان والابتكار، فالشاشات وأجهزة الاتصال تلعب دورا حاسما، لاسيما مع القدرة على اقتفاء أثر الأشخاص بسهولة وتعقبهم أينما ذهبوا. وأما ما يرافق ذلك من تحولات درامية فتكمن في محاولة غابرييل الهرب من تلك الولاية والتخلص من ملاحقات قائد الشرطة، لكن تلك المحاولة تفشل أيضا ليجد نفسه في قبضة قائد الشرطة. يلفت النظر هنا القبضة الشديدة لقائد الشرطة وهو يسير بحرص شديد على تنفيذ أجندة الغزاة ولا يتورّع في أن يقتل أقرب الناس عليه، ومنهم صديقته جين (الممثلة فيرا فارميكا) بعدما يكتشف أنها كانت تدير ماخورا وكانت تحصل على معلومات شديدة الأهمية والسرية من زبائنها، فتقع نهايتها. وأما سيرة غابرييل بوصفه الشخصية الدرامية الرئيسية، فإنها سيرة إنسان يدخل في متاهات لا تنتهي، حيث المدن تحوّلت إلى خراب، وبين الحين والآخر يتم ضرب المدن من قبل الفضائيين، وقد أثبت هؤلاء أنهم شديدو الحساسة من أي تمرد، إذ سرعان ما يتدخلون بقسوة. وأما عن التنظيم السري، فهو يعيد لنا صورة التنظيمات السرية في طريقة تبادل المعلومات والبقاء تحت الأرض، وهي التي تبتكر طريقة ذكية للتواصل في ما بينها، وذلك من خلال الإعلانات المبوبة في الصحف والتي تحمل في داخلها شيفرات ومعلومات حساسة. وعمد المخرج في “دولة أسيرة” إلى حشد المشاهد عبر تركيب صوري ملفت للنظر من خلال المناظر قليلة الإضاءة من جهة، وكذلك من خلال عنصر الحركة التي ترتبط بالشخصيات فالكل يطارد الكل، من جهة أخرى. وبدا المجتمع مهددا من قبل أجهزة الشرطة التي بإمكانها الزج بأي أحد أو قتله ومطاردته أيضا من قبل الفضائيين الذين من الممكن أن يظهروا في أي لحظة فيعاقبون من يشاؤون. سعى المخرج روبرت ويات إلى بناء خطوط سردية عدة لمنح فيلم “دولة أسيرة” مساحة من التشويق في مسار الأحداث والجمع ما بين الإثارة وبين سينما الخيال العلمي بالمواصفات التي ذكرناها في المقدمة، وذلك هو حال مجتمع مُستلب لا حيلة له سوى أمرين، إما تحمل ما يعيشه تحت بطش أجهزة الشرطة وبطش الفضائيين وإما التمرد. من كل ذلك حمل الفيلم العديد من العناصر الجمالية التي ميزته ومنحته ثقلا وموضوعية، فقد طوّر المخرج ثيمات بسيطة في المشاهد ليجعل منها ذات أهمية بما تحمله من أسرار أو مفاجآت أو جاذبية في الشكل.
مشاركة :