أعلم أن ملف آثار السيول والأمطار ملف قديم ومزمن ومشاكله متراكمة ومتضخمة، وأن كل ذلك كان نتيجة لسوء تخطيط وتنفيذ ورقابة طيلة عقود مضت، وشكّل الفساد الإداري والمالي جانباً كبيراً من المحصلة النهائية لكل ذلك. وأعلم في الوقت ذاته أن مشاكل السيول والأمطار والبنى التحتية تتكرر في دول حولنا، ونتابع عبر الشاشات آثاراً مدمرة حتى لدول متقدمة مع فارق النتائج وطبيعة الطقس وحجم الكوارث الطبيعية من دولة لأخرى. وندرك في الوقت ذاته أن المعالجة والتصحيح لأوضاع البنى التحتية، لاسيما داخل المدن من طرقات وأنفاق ومشاريع تصريف لمياه السيول والأمطار والمجاري، أصبحت معقدة جداً وبتكلفة فلكية، ناهيك عن حجم تعطل الحركة الذي سيتم فيما لو تقرر إعادة تأهيل المدن الكبرى، ليشكل ذلك عبئاً جديداً لما هي عليه هذه المدن في الأصل من اختناق مروري. وبخلاف الطرق والشوارع، تظهر في كل موسم للأمطار مشاكل في إنشاءات المباني الحكومية من مستشفيات ومطارات ومدارس وإدارات تتراوح أحجامها وفق حالة الطقس وكمية الأمطار الهاطلة. ولست هنا أبحث مجدداً في هذا الملف الضخم الذي مثّل أهم قضايا الفساد التي كانت تحت مجهر الجهات المختصة في السنوات القليلة الماضية، واتخذت بسببه العديد من الإجراءات والأحكام التي لم تكن خافية على أحد، وخلفت بلا شك جانباً كبيراً من الارتياح النفسي لدى المجتمع، الذي لمس جدية والتزام الدولة بالتأسيس لمنهج جديد في محاربة الفساد. كنت في هذه الزاوية قد مررت مروراً في أكثر من مقالة على مشروع هيكلة قطاعات الدولة، ما تم منها وما هو تحت الدراسة الآن في مراجعة مطلوبة بل وضرورية بعد فترة طويلة من الركود والتجمد الذي أصاب هيكلة الوزارات والقطاعات الحكومية الكبرى، على رغم التغير الكبير الذي حدث في حياة المجتمعات وطريقة وآلية حياتهم. ما أود الإشارة إليه، كحاجة ملحة لكبح جماح الفساد ضمن حزمة الإجراءات الجديدة التي اعتمدت لدراسة وتنفيذ المشاريع الجديدة، هو التفكير الفعلي في إعادة إحياء وزارة الأشغال العامة، التي كانت قبل سنوات طوال على رغم أن التجربة بحد ذاتها لم تكن مثالية كما ينبغي وشابها الكثير من أوجه الخلل، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال فشل الفكرة بقدر ما هو أقرب لفشل التنفيذ، كون الحاجة باتت ملحة وأكثر من أي وقت مضى لوزارة تضع يدها على مشاريع الخدمات العامة في الدولة كافة، بدءاً بدراسة الجدوى للمشروع وحجم الحاجة إليه، ثم إجازة المواصفات الفنية المرفوعة من قبل الوزارة المختصة، وهنا نحقق رقابة استباقية فنية في جوانب الدراسة الفنية للمشاريع قبل التنفيذ وأثناءه وبعده، لتكون وزارة الأشغال العامة الجهة التي تتسلّم المشاريع من المقاولين وتسلمها للوزارات المعنية، إلى جانب أمر مهم يتعلق بالتنسيق الشامل بين القطاعات المختلفة ومنع تقاطع المشاريع وتداخلها، ولعل مثل هذا الإجراء سيوفر بلا شك الكثير من الأموال المهدرة إلى جانب الجودة العالية للمنتج النهائي. صحيح أن في مثل هذا الإجراء خلق حلقة جديدة في دورة المشاريع وربما يضيفها البعض إلى جانب حلقة وزارة المالية، إلا أن تصنيف المشاريع الخدماتية التي تشرف عليها هذه الوزارة ستحقق النتائج الأفضل والأنسب لمواكبة مشروع مكافحة الفساد وإيقاف المشاريع المتعثرة والمتهالكة التي تمثل العبء الأكبر على الدولة والمواطن في آن واحد. * باحث إعلامي وكاتب صحافي. @khaliddarraj
مشاركة :